التحليل النفسي والأدب يشتغلان بالطريقة نفسها

التحليل النفسي والأدب يشتغلان بالطريقة نفسها، فهما يقرآن الإنسان في حياته اليومية وداخل قدره التاريخي ويسعيان إلى بلوغ حقائق بالحديث عن الإنسان وهو يتحدث.
الأربعاء 2018/11/07

عمّان - هل هناك علاقة بين التحليل النفسي والأدب؟ رغم أن جاك لاكان قال بهذه العلاقة منذ عقود، وجاراه فيها العديد من النقاد الذين نظروا للنص الأدبي من منظور التحليل النفسي، إلا أن هذا السؤال مثّل هاجسا رئيسا للناقد الفرنسي جان بيلمان – نويل، وجاء كتابه “التحليل النفسي والأدب” كمحاولة جادة للبحث عن إجابة. ويعتبر هذا الكتاب، وفقا لما ورد في مقدمة مترجمه الناقد والأكاديمي المغربي حسن المودن، “العلامة الكبرى على التحول الجذري الذي شهده التحليل النفسي للنصوص الأدبية منذ بداية سبعينات القرن العشرين إلى اليوم”.

ووضع جان بيلمان – نويل في هذا الكتاب، الصادر أخيرا عن دار كنوز المعرفة بالأردن، اللبنة الأولى لمفهوم التحليل النصي كقراءة تقويمية نقدية في تاريخ العلاقة بين التحليل النفسي والأدب. فالمحلّل النصي على العكس من الناقد النفسي التقليدي، يجعل من النص الأدبي وليس المؤلف موضوعا للتحليل، ويتم التحليل من التسليم بأن كل نص أدبي له “لاوعيه”، أي يكون معمولا نتيجة خطاب لاواع، لذلك فإن قراءات التحليل النصي تبدأ من اللاشعور وتنتهي بالنص.

ويرى بيلمان – نويل أن التحليل النفسي والأدب يشتغلان بالطريقة نفسها، فهما يقرآن الإنسان في حياته اليومية وداخل قدره التاريخي ويسعيان إلى بلوغ حقائق بالحديث عن الإنسان وهو يتحدث. ويقول “إن التحليل النفسي ليس علما فقط، بل إنه أفضل من العلم، لأنه فنّ تفكيك حقيقة ما في كل القطاعات الملغّزة في التجربة الإنسانية، كما يعيشها الإنسان، أي كما يحكيها لنفسه أو للآخرين”.

ويرى جان بيلمان – نويل أن فرويد أدرك مبكرا أن الحلم يمثل الطريق إلى اللاشعور، مع مراعاة أن الحلم محكي ينتجه الحالم عندما يستردّ وعيه، أي أنه ملفوظ سردي. كذلك فالحلم يقدم نفسه باعتباره نصا تنسجه التمثيلات والانفعالات، لكنه ليس رسالة من أحد ما إلى أحد آخر، ذلك لأن الحلم لا يتكلم ولا يفكر، وفرويد يشدّد على أنه عمل يقع بين الرغبة والمحكي. والنص الأدبي يتكون من هذا العمل وبه، فهو نص أصيل يقدم للقراءة خطابا دون عنوان ولا قصد سابق ولا مستوى محدد.

ويخلص المؤلف إلى ضرورة استثمار ما قاله فرويد عن الحلم في قراءة النص الأدبي، نظرا إلى التماثل القوي الموجود بين الاثنين. لذلك يقرّ بأن الإنسان عندما يقرأ العمل الأدبي فهو يقرأ فيه نفسه، ويحدث عبر القراءة تفاعل لاشعور القارئ مع لاشعور آخر، هنا يستحضر جان بيلمان ـ نويل مقالة مهمة لفرويد عنوانها “الشاعر والخيال”، وفيها يجيب فرويد عن سؤال أساس: لماذا ينجح الكاتب حيث يفشل الحالم اليقظ الذي يحكي لنا أحلامه؟

وينتهي الكتاب بفصل عن “قراءة النص”، ويقصد به المؤلف أن نقرأ النص الأدبي بعيدا عن مؤلفه. حيث النص هو هذا الشيء الذي بواسطته يكون الإنسان مختلفا، والاختلاف هنا يكون لا نهائيا حيث الكتابة غيرية وفي نفس الوقت ذاتية، أي تنطلق من الذات إلى الآخر، وقد أسس جان بيلمان ـ نويل فكرته على أساس أن النص الأدبي هو ذلك الشيء الذي لا يكون مطابقا للذات أو للعالم، وبالتالي يجب قراءة النص بعيدا عن لاوعي المؤلف.

14