التحكيم في أفريقيا عنوان مصداقية الكاف المفقودة

أزمة مباراة الترجي والوداد تكشف المسكوت عنه في الاتحاد الأفريقي باتجاه النبش في قضية جوهرية أساسها معضلة التحكيم في أفريقيا.
الأحد 2019/06/09
في دائرة الضوء

لا يزال ملف نهائي دوري أبطال أفريقا بين الترجي التونسي والوداد المغربي يلقي بظلال من الشك حول معضلة جوهرية أساسها التحكيم قبل أيام من انطلاق بطولة أمم أفريقيا في مصر. وبين الشك في قرار إعادة اللقاء واليقين بأن الكاف بدأ يستعيد عافيته تاهت أسئلة المعلقين على مشروع الإصلاح المفقود الذي لا يجد طريقه بعد إلى الاتحاد القاري.

الأزمة التي طرحها الاتحاد الأفريقي بخصوص إعادة إياب نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الترجي التونسي والوداد المغربي تتجاوز حدود الفريقين باتجاه النبش في قضية جوهرية أساسها معضلة التحكيم في أفريقيا الذي يعيش أوضاعا صعبة وقيادة منفلتة برئاسة “كاف”. أخرجت هذه القضية إلى العلن إرثا غابرا وعرّت المسكوت عنه في الاتحاد القاري منذ حقبة عيسى حياتو. لقاء الفريقين المغربي والتونسي ليس سوى عارض لهذه القضية (أزمة التحكيم) التي أربكت أي جهود للإصلاح وإعادة مستوى كرة القدم إلى سالف نشاطه في القارة السمراء.

اليوم يتفاعل التونسيون كما المغاربة على السواء مع أزمة اللقاء النهائي في مسابقة رابطة أبطال أفريقيا بـ”حرب” تصريحات معلنة لمسؤولي كلا الفريقين متناسين أن الاتحاد الأفريقي “كاف” هو من أوصل إلى هذه النتيجة التي لم تعرفها الفرق التونسية ونظيرتها المغربية طيلة عقود طويلة من التنافس. وضع “كاف”، دون علم منه وبإشراف قيادته الحالية برئاسة أحمد أحمد الذي أكدت تقارير الخميس خضوعه لاستجواب من السلطات الفرنسية على خلفية مزاعم بالفساد، الإصبع على داء التحكيم في أفريقيا والمشاكل المرتبطة به.

قضية التحكيم في أفريقيا لا ترتبط أساسا بالأجهزة المتطورة والنظم المدخلة على اللعبة مثل نظام “في أيه آر” الذي لا يزال تطبيقه موضع اختبار حتى في بطولات كبرى. لكنه كان أداة لكشف فضائح الاتحاد القاري وحجم المشاكل التي يتخبط فيها.

لا تزال أزمة نظام “في أيه آر” تتفاعل باستحثاث في الأوساط التونسية وكذلك المغربية بأكثر حدة وإثارة للجدل. الأزمة انتقلت إلى أروقة أحد الفنادق بباريس ووصل صداها إلى كل العالم. انتهى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم “كاف” بعد جلسة مغلقة إلى قراره النهائي بإعادة مباراة إياب الدور النهائي في بلد محايد.

مشهدية التصريحات "المنفلتة" لا تحتمل سوى الدفع نحو إعمال العقل في كل كبيرة وصغيرة من هذا الفريق أو ذاك بانتظار الحسم النهائي في القضية التي أوقعهما الاتحاد القاري للعبة فيها

بدا موقف “كاف” غريبا في تناوله ويحمل من الأسئلة الشيء الكثير خصوصا للفريق التونسي المتوج على ميدانه والذي يمنّي النفس باللقب الرابع في تاريخه. فيما عبّر كل المنتسبين إليه عن استيائهم وخيبة أملهم من قرار أحادي كهذا. شاهد الجميع ما حدث في اللقاء النهائي بدوري أبطال أفريقيا

والكل علق على الحدث من زاوية فهمه للمسألة رغم أن القضية لها أبعاد تتجاوز حدود رغبة الفريقين في الوصول إلى هذه مرحلة من الشد الإعلامي والتصريحات كما هو حاصل آنيا من جانب المسؤولين المغاربة والتونسيين على السواء.

ضربة البداية

العودة إلى الأزمة من حيث منطلقها أكثر من ضروري. بدأت مفاعيل هذه الأزمة من المغرب. في لقاء الذهاب احتدم الجدل بين الفريقين على وقع المستوى الذي أدار به الحكم المصري جهاد جريشة اللقاء والهدف الملغى لصالح الوداد. ترك هذا الجدل التحكيمي انطباعا سيئا لدى كل الفريق المغربي واستسلم مسؤولوه إلى نظرية “المؤامرة” و”توهّم” الكل أن وراء الأداء المتواضع الذي ظهر به الحكم المصري، رغم أنه مدرج على لائحة حكام النخبة وسجل حضوره في أكثر من تظاهرة عالمية آخرها كأس العالم الأخيرة بروسيا 2018، مخططا كبيرا للإطاحة بالوداد وسرقة اللقب الأفريقي منه.

قبل جريشة كان الجزائري مهدي عبيد الأكثر إثارة للجدل في الموسم الماضي في نهائي رابطة الأبطال أيضا بين الترجي وفريق الأهلي المصري بالقاهرة عندما خالف نظام «في أيه آر» وأعلن ضربة جزاء غير قانونية للفريق المصري ومنح أكثر من ورقة صفراء في غير محلها وتغافل أيضا عن منح الورقة الحمراء ضد المهاجم المغربي الأصل وفريق الأهلي وليد أزارو عندما «أحبك» عملية تمثيلية أمام مرمى الترجي بتقطيع قميصه وتظاهر أمام الحكم الجزائري بأن لاعب الترجي هو من قام بذلك.

سيناريو غير متوقع

من يتذكر أزمة التحكيم لا يقف عند هذه الأحداث التي ارتبطت بالفرق العربية ولكنها أزمة يمتد صداها ليطال الفرق الأفريقية أيضا وخصوصا إذا كان أحد ممثلي طرف النهائي فريقا عربيا. حتى أن البعض أصبح يعبّر عنها ويصفها بالأزمة المستشرية ومرض عضال لا يمكن الشفاء منه.

يجد هذا الكلام صداه في ما عبر عنه نجم كرة القدم التونسية ولاعب الترجي التونسي السابق طارق ذياب في تدوينة نشرها على حسابه على فيسبوك قال فيها “بعيدا عن الشائعات وفوضى التسريبات قبل القرار المنتظر بخصوص النهائي الأخير.. الترجي فاز باللقب على الميدان بأداء جيد في كلا المبارتين، فيما يتحمل الكاف مسؤولية الأخطاء التحكيمية والتنظيمية”.

من يتذكر أزمة التحكيم لا يقف عند هذه الأحداث التي ارتبطت بالفرق العربية ولكنها أزمة يمتد صداها ليطال الفرق الأفريقية أيضا وخصوصا إذا كان أحد ممثلي طرف النهائي فريقا عربيا
من يتذكر أزمة التحكيم لا يقف عند هذه الأحداث التي ارتبطت بالفرق العربية ولكنها أزمة يمتد صداها ليطال الفرق الأفريقية أيضا وخصوصا إذا كان أحد ممثلي طرف النهائي فريقا عربيا

وأضاف ذياب “الكاف الذي يشهد فوضى كبيرة منذ قدوم رئيسه الجديد حيث شهدت المسابقات الأفريقية العديد من المشاكل في عهده.. ومن الأكيد فإن العلاقة بين الشعبين التونسي والمغربي أقوى من مجرد مباراة كرة قدم”.

أصدرت لجنة الطوارئ التابعة للاتحاد الأفريقي لكرة القدم المجتمعة الأربعاء الماضي بباريس، قرارها بشأن أزمة نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الترجي والوداد. وبحسب هادي هامل المتحدث باسم كاف، فقد تقررت إعادة مواجهة الإياب في بلد محايد، وتثبيت نتيجة مباراة الذهاب التي دارت بالرباط وانتهت بالتعادل الإيجابي 1-1.

وقال هامل للصحافيين من أمام مقر الاجتماع في باريس “المكتب التنفيذي لكاف استقر على إعادة لقاء الإياب في أرض محايدة، لعدم توفر الظروف الأمنية المناسبة خلال لقاء الإياب الذي دار في رادس”. وأضاف “سيتم الإبقاء على نتيجة لقاء الذهاب، والمباراة ستكون خارج الأراضي التونسية ولكن بحضور الجمهور”.

وعبرت إدارة الترجي عن استغرابها الكبير للقرار الذي اتخذه كاف بإعادة مباراة إياب نهائي دوري أبطال أفريقيا، في أرض محايدة. ونشر الترجي بيانا عبر صفحة النادي بموقع فيسبوك، جاء فيه “تلقى الترجي قرارات كاف بشأن نهائي دوري أبطال أفريقيا باستغراب كبير، ويعلم جماهيره أن الهيئة المديرة في انتظار ورود القرار كتابيا ورسميا”. وأضاف “سنعقد خلال الأيام المقبلة اجتماعا طارئا للطعن في هذا القرار، لدى الجهات الدولية المختصة واتخاذ كل الإجراءات الضرورية للدفاع عن حق الفريق بكل الطرق القانونية..”.

وتفاعلت إدارة الترجي باستنكار ممزوج بنوع من اليأس لجهة القرار الذي اتخذ ضد فريقها، لكنها تعلم أنه لا يعبّر عن حقيقة ما يفترض أن يدور بخلد جميع مسؤوليها بأن الفائز فيه إما أن يكون الترجي وإما الوداد لا مانع في ذلك. وعبّر رئيس اللجنة القانونية لنادي الترجي التونسي رياض التويتي عن استغرابه الكبير من قرار إعادة إياب نهائي دوري أبطال أفريقيا. وقال التويتي في تصريح صحافي أدلى به بعد إعلان الناطق الرسمي للكاف الهادي هامل، القرارات المتخذة رسميا “نحن اليوم أمام سابقة قانونية لم أشهدها طوال مسيرتي المهنية. اليوم شاهدنا فريقا غير مذنب تمت معاقبته مرتين.. الكل شاهد الأحداث التي رافقت اللقاء”.

وتابع “في البداية تعطل الفار ولا دخل للترجي في ذلك، ثم نزل مسؤولو الكاف إلى الميدان، وهنا أؤكد أنني لأول مرة أرى رئيسا للاتحاد الأفريقي ينزل إلى الميدان، والترجي لا دخل له في ذلك. الحدث الثالث هو أن لاعبي الوداد رفضوا العودة للعب وهذا أيضًا ليس للترجي أي دخل فيه”.

وتابع التويتي قائلا “يقولون (مسؤولو الكاف) إنهم اعتمدوا في قرارهم على عدم توفر الظروف الأمنية، وهذا ليس صحيحا لأن رئيس الكاف كان جالسا إلى جانب رئيس الحكومة التونسية جنبا إلى جنب، وقد تمتع بحماية كبيرة بصحبة بقية أعضاء الكاف”.

وأردف “كانت هناك أعداد كبيرة من الأمن في ملعب رادس، بأعلى جاهزية ممكنة لتأمين اللقاء، ولم يحدث أن اجتاحت جماهير الترجي أرض الملعب، مثلا”. وواصل التويتي تصريحه ليقول “الترجي لم يخطئ، ومع ذلك تمت معاقبته مرتين، الأولى بإعادة اللقاء، والثانية بخوض اللقاء خارج تونس. أنا متخوف من العقوبات التي سيتم الإعلان عنها فيما بعد، رغم أن الذي كان من المفروض أن يخاف هو الوداد الذي انسحب من اللقاء، ورفض حتى حضور مراسم التتويج لحصول لاعبيه على ميدالياتهم”.

يقف الجميع اليوم في تونس كما في مصر والمغرب وأيضا في أفريقيا على حقائق أزمة التحكيم المستشرية في كل الرياضات وخصوصا كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية لدى الجماهير العربية والمغاربية عموما

وحول لجوء الترجي إلى التحكيم الدولي، أوضح “لا يمكن الحديث عن هذه الخطوة إلا عندما نتحصل على القرار بصفة رسمية”.

وأردف “إذا كانت إحدى لجان الكاف هي التي أصدرت القرار، فعلينا أن نطعن فيه لدى لجنة الاستئناف التابعة للاتحاد الأفريقي، وبعدها يمكن اللجوء إلى المحكمة الرياضية الدولية ‘كاس’، وفي كل الحالات سنطعن في القرار” .

وعلى الجانب الآخر قال محمد مقروف، المتحدث باسم الاتحاد المغربي لكرة القدم، إنه تم إعداد ملف قانوني قوي من أجل ضمان “إعادة الحق للوداد”. وأضاف في تصريح إذاعي “الكلمة التي ألقاها فوزي لقجع رئيس الاتحاد المغربي في اجتماع كاف بفرنسا، كانت مؤثرة وحاسمة، وتحدث فيها عن ضرورة الاعتماد على مبدأ التكافؤ بين الفريقين، إذ لم يكن معقولا الاعتماد على الفار في الذهاب بالرباط، ثم يغيب في رادس إيابا”.

وتابع تعليقه بالقول “إعادة المباراة يبقى قرارا صائبا وهو أقل شيء يمكن اتخاذه بعد فضيحة ملعب رادس، أعتبر أن الكاف أنصف الوداد والكرة المغربية”.

أزمة تحكيم مستشرية

ترتبط أزمة التحكيم في الدول العربية وأفريقيا عموما بلوبيات فساد انتقلت عدواها إلى أروقة المنظمات والقارية وأضحت تتحكم في كل كبيرة وصغيرة داخل الجهاز القاري. يقف الجميع اليوم في تونس كما في مصر والمغرب وأيضا في أفريقيا على حقائق أزمة التحكيم المستشرية في كل الرياضات وخصوصا كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية لدى الجماهير العربية والمغاربية عموما.

انتقلت العدوى التي خلفها جدل التحكيم في نهائي 2018 بين الترجي التونسي والأهلي المصري دون علم الجميع إلى نهائي هذا العام. أسئلة محيرة تضع كل المسؤولين على التحكيم في القارة الأفريقية موضع اختبار وتقصّ. أول هذه الأسئلة يتعلق بالاتحاد الأفريقي لكرة القدم “كاف” باعتباره المسؤول الأول عن مسألة التحكيم وهو من بيده الحل والربط في كل كبيرة تتعلق بإدارة مباريات نهائية وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالنهائي الأبرز أفريقيا. كيف يسمح الكاف بهامش خطأ من هذا النوع؟ أين المصداقية في اختيار حكام من هذا النوع لإدارة مباريات على أعلى مستوى؟

هذه الأسئلة وغيرها تجد إجابة لها في تعليق خبير القانون الرياضي، أنيس بن ميم على القرار الذي اتخذه الاتحاد الأفريقي لكرة القدم بأنه يمثل فضيحة ستضع مصداقية الكاف في محل شك. ابن ميم قال “القرار فضيحة لأنه تم تغيير السندات القانونية من انسحاب بسبب الفار، إلى إيقاف المقابلة بسبب انعدام الظروف الأمنية أثناء تسليم الكأس”.

وأضاف “قرار الكاف يعني أنه عاقب الترجي، لكنني متأكد أن الفريق التونسي سيكسب قضيته لدى المحكمة الرياضية الدولية (كاس)”.

مشهدية التصريحات “المنفلتة” لا تحتمل سوى الدفع نحو إعمال لغة العقل في كل كبيرة وصغيرة من هذا الفريق أو ذاك بانتظار الحسم النهائي في القضية التي أوقعهما الاتحاد القاري للعبة فيها. يحتل الترجي كما الوداد مكانة في الدوريين المغربي والتونسي باعتبارهما المتوجين بنسختيها لهذا العام ولذلك فإن واجب استعمال العقل يظل الطريق الأساس للخروج من هذه الأزمة الذي يأمل الكل في ألا تعمر طويلا.

22