التحفظات الأميركية على ولي العهد السعودي مازالت قائمة

ما يُعلن عنه من تواصل وتنسيق بين السعودية والولايات المتّحدة بشأن العديد من الملفات والقضايا وما ينخرط فيه الطرفان من تعاون اقتصادي نشط لا يحجبان وجود ظلال من عدم الثقة بين الطرفين وفتور في العلاقة القائمة حاليا، والتي لا يمكن مقارنتها بالتحالف الإستراتيجي الذي جمع بينهما على مدى عقود من الزمن.
الرياض - أعاد توضيح مقتضب أصدره البيت الأبيض بشأن المصافحة التي جمعت خلال قمة العشرين بنيودلهي بين الرئيس الأميركي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان تسليط الأضواء على طبيعة العلاقة بين الرياض وواشنطن في الوقت الراهن.
وأثار التكهنات بشأن تواصل حالة البرود بين الطرفين رغم انخراطهما في تعاون مشترك متعدّد الأوجه لا يخرج عن سياق الحفاظ على مصالحهما المشتركة.
وجاء توضيح البيت الأبيض بأنّ تبادلا عابرا للتحية بين بايدن والأمير محمّد بن سلمان دون أن يكون هناك متسع من الوقت لمحادثة أكثر عمقا بينهما، في مقابل تركيز إعلامي سعودي على المصافحة أوحى بأنها ترتقي إلى مستوى الحدث وهو ما كرسته تعليقات سعودية على مواقع التواصل الاجتماعي جاء في أحدها على منصة إكس “من قبضة اليد إلى المصافحة.. الرئيس الأميركي بايدن يصافح قائد الشرق الأوسط”، وذلك في تذكير بالمصافحة بقبضة اليد بين ولي العهد السعودي والرئيس الأميركي خلال زيارة الأخير إلى المملكة صيف سنة 2022.
وكانت تلك الزيارة قد مثلت في نظر المراقبين نموذجا عن فشل الولايات المتّحدة والسعودية في إعادة الحرارة بالكامل للعلاقة التاريخية بينهما، حيث كشفت قدرا من تباعد الطرفين حول ملّفات حيوية أبرزها التنسيق الكبير بين الرياض وموسكو للتحكّم في أسعار النفط بالضدّ من إرادة واشنطن التي كانت تريد من السعودية رفع إنتاجها من الخام للحد من ارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية.
ولي العهد السعودي محكوم بضرورة ترميم العلاقة مع واشنطن لإزالة الألغام من طريق قيادته المستقبلية للمملكة
ووثّقت قناة الإخبارية السعودية الرسمية بلقطات مقتضبة لحظة المصافحة بين بايدن والأمير محمّد بن سلمان بمشاركة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الذي ظهر محتفيا بالمصافحة وهو يمسك بيد كل من الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي.
ولم تستبعد مصادر إعلامية مواكبة لقمّة العشرين بأن تكون المصافحة قد تمّت بترتيب هندي وضمن جهود نيودلهي لإحاطة قمّتها بكلّ ظروف النجاح بما في ذلك التغطية إلى أقصى حدّ على الخلافات بين المشاركين فيها.
وتساءل مراقبون إن كان التوضيح الذي أصدره البيت الأبيض هو بمثابة إعلان للرأي العام الأميركي بأن إدارة بايدن ما تزال على تحفّظها بشأن العلاقة مع ولي العهد السعودي وتبقي على مسافة في التعامل معه في نطاق الحفاظ على المصالح العليا للولايات المتّحدة مع الأخذ في الاعتبار ما يوجّه إليه من انتقادات من قبل العديد من الدوائر الأميركية.
واستغلّ معلّقون تلعثم الرئيس الأميركي مرّتين في نطق اسم ولي العهد السعودي خلال كلمته في قمة نيودلهي، ليرسّخوا فكرة أنّ الأمور ليست على ما يرام بين الرجلين وأنّ بايدن غير مرتاح لولي العهد السعودي الشاب والطموح.
وفي وقت سابق بلغت الأنباء الرائجة بشأن سوء العلاقة بين الرياض وواشنطن حدّ نشر صحيفة واشنطن بوست تقريرا عمّا سمته وثيقة للمخابرات الأميركية تظهر توجيه الأمير محمّد بن سلمان لتهديد إلى الولايات المتحدة بـ”ألم اقتصادي كبير”، وذلك ردّا على تهديد مماثل من بايدن بمعاقبة المملكة على عدم تجاوبها مع المطالب الأميركية بشأن الزيادة في إنتاجها من النفط.
غير أنّ مراقبين قلّلوا من جدية مثل ذلك التهديد السعودي في حال ثبت أنّه قد صدر بالفعل، مؤكّدين أنّ المملكة محكومة بتحالف إستراتيجي طويل الأمد مع الولايات المتّحدة لا تستطيع التخلّي عنه مهما بلغ جهدها لتنويع شركائها مع كبار اللاعبين الدوليين وفي مقدّمتهم الصين وروسيا.
اقرأ أيضا:
ويرى هؤلاء أنّ ولي العهد السعودي محكوم بضرورة ترميم العلاقة مع الولايات المتّحدة وتحسين مستواها سواء في عهد الإدارة الديمقراطية الحالية أو في عهد الإدارة القادمة مهما كان لونها السياسي وذلك حتى يزيل ألغاما من طريق قيادته للمملكة راهنا ومستقبلا حين يصبح ملكا للبلاد.
ويرصد هؤلاء حرص الأمير محمد بن سلمان على الإبقاء على أكبر قدر ممكن من المصالح مع الطرف الأميركي.
ويعتبرون أن مضيّه في مسار تطبيع العلاقة بين السعودية وإسرائيل بغض النظر عن المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية التي ينطوي عليها، يمثّل أيضا مساعدة لإدارة الرئيس بايدن على تحقيق إنجاز سياسي يحسب في رصيدها خلال الانتخابات القادمة.
أما الحرص على الإبقاء على قدر عال من التعاون الاقتصادي بين السعودية والولايات المتّحدة فيعكسه الانخراط السعودي في مشروع إنشاء ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، اعتبر بمثابة مشروع مضاد لطريق الحرير الصيني.
وتم التوقيع على اتفاق مبدئي في نيودلهي بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين في مجموعة العشرين بشأن إقامة الممر المذكور.
وبينما وصف الرئيس الأميركي التوقيع على الاتّفاق بأنه “صفقة كبيرة حقيقية” من شأنها أن تربط الموانئ عبر قارتين وتؤدي إلى “شرق أوسط أكثر استقرارا وازدهارا وتكاملا”، اعتبر ولي العهد السعودي أنّ “المشروع الاقتصادي سيسهم في تطوير البنى التحتية التي تشمل سكك حديد، و”سيزيد التبادل التجاري بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا وأنه سيعمل على مد خطوط أنابيب لتصدير الكهرباء والهيدروجين”. كما “سيسهم في ضمان أمن الطاقة العالمي وسيضم مد كابلات لنقل البيانات وسيربط موانئ الشرق الأوسط وأوروبا والهند”.
ويعتبر موضوع الطاقة أفضل قناة يمكن للسعودية أن تتوجّه عبرها إلى حليفتها التقليدية الولايات المتّحدة، غير أنّ ما تقدّمه المملكة إلى حدّ الآن يظل غير كاف لاستعادة الثقة بشكل كامل مع ذلك الحليف التاريخي ما يجعل مراقبين يتساءلون عما يمكن للأمير محمّد بن سلمان أن يفعله لترميم العلاقة مع طاقم الحكم الديمقراطي الأميركي الحالي.