التحريض على العنف عبر وسائل التواصل يكبد الفلسطينيين خسائر أكبر

شهدت صلاة الجمعة الماضية في المسجد الأقصى حدثا لافتا تمثل في منع العشرات من سكان الضفة الغربية من دخول المسجد، بعد اتهامهم بالتحريض على العنف وإثارة الفوضى عبر منصات التواصل الاجتماعي. هذا القرار ليس مجرد إجراء أمني عابر، بل هو جزء من سياسة أوسع تُستخدم فيها وسائل التواصل الاجتماعي كذريعة لتشديد القيود على الفلسطينيين، خاصة في الأماكن المقدسة مثل المسجد الأقصى. ولكن السؤال الأهم هو: هل التحريض على العنف عبر هذه المنصات يخدم القضية الفلسطينية؟ الإجابة الواضحة هي لا، بل إنه يعقِّد الوضع ويعطي الاحتلال المبررات لتشديد قبضته.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتبر التحريض على العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي تهديدا مباشرا لأمنها، ولذلك تقوم بمراقبة هذه المنصات بشكل مكثف، بالتعاون مع إدارات المنصات نفسها. وفقا لمصادر في الشرطة الفلسطينية، يتم حذف المحتوى التحريضي والإبلاغ عنه للسلطات، مما يؤدي إلى المزيد من التضييقات على الفلسطينيين، خاصة في أوقات الذروة الدينية مثل شهر رمضان.
لكن التحريض على العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليس حلا، بل هو جزء من المشكلة. فبدلا من أن تكون هذه المنصات أداة للتعبئة السلمية ونشر الوعي بالقضية الفلسطينية، تتحول إلى وسيلة لإثارة الفوضى، مما يعطي الاحتلال ذريعة لتشديد القيود الأمنية. وهذا ما حدث خلال صلاة الجمعة الماضية، حيث تم تعزيز الوجود الأمني الإسرائيلي في شوارع القدس وحول المسجد الأقصى، مما حال دون وصول الآلاف من الفلسطينيين إلى المسجد.
وقد أدى حوالي 80 ألف مصلٍّ صلاة الجمعة الثانية من شهر رمضان في المسجد الأقصى، وسط إجراءات مشددة فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على مداخل وأبواب الأقصى والقدس القديمة، ويعتبر هذا العدد أقل من المعتاد في مثل هذا الوقت من شهر رمضان، حيث قدرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس أعداد المصلين بنحو 250 ألفا، في اليوم نفسه من عام 2023، فيما بلغ العام الماضي 120 ألفا.
◄ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتبر التحريض على العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي تهديدا مباشرا لأمنها، ولذلك تقوم بمراقبة هذه المنصات بشكل مكثف، بالتعاون مع إدارات المنصات نفسها
شهر رمضان هو شهر العبادة والسلام، ولكن التوترات المتصاعدة حول المسجد الأقصى تحوّله إلى ساحة صراع. خطيب المسجد الأقصى دعا المصلين إلى التوجه إلى المسجد بأعداد كبيرة، ولكن هذه الدعوة قوبلت بتعزيز أمني إسرائيلي مكثف، مما يؤكد أن سلطات الاحتلال تستغل أي ذريعة لتقييد حرية الفلسطينيين في الوصول إلى الأماكن المقدسة. وهذا يضع الفلسطينيين أمام تحد كبير: كيف يمكنهم الحفاظ على حقهم في الصلاة في المسجد الأقصى دون إعطاء الاحتلال المبررات لتشديد القيود؟
الحل يكمن في الالتزام بالهدوء وعدم الانجرار إلى أعمال التحريض التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من التضييقات. على الفلسطينيين أن يدركوا أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف ليس في صالحهم، بل يعطي الاحتلال الفرصة لتعزيز سيطرته على القدس والمسجد الأقصى. بدلا من ذلك، يمكن استخدام هذه المنصات لنشر الوعي بالقضية الفلسطينية بشكل سلمي ومدني، مما يعزز التعاطف الدولي مع القضية ولا يعطي الاحتلال أي ذرائع لقمع الحريات.
فمنع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى تحت ذريعة التحريض على العنف هو جزء من سياسة أوسع تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني في القدس وتهويد المدينة بشكل تدريجي. ففي الأشهر الأخيرة، شهد المسجد الأقصى تصعيدا في القيود المفروضة على دخول الفلسطينيين، وسط تزايد التوترات الأمنية والسياسية في المنطقة. هذه الإجراءات لا تهدف فقط إلى منع التحريض، بل إلى إضعاف الروابط الفلسطينية مع الأماكن المقدسة وإفراغ المدينة من هويتها العربية والإسلامية.
وختاما، فإن التحريض على العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو أداة ذات حدين، وقد تكون نتائجه عكسية تماما. على الفلسطينيين أن يختاروا بعناية الطرق التي يعبرون بها عن مقاومتهم، وأن يدركوا أن السلامة والهدوء في مثل هذه الأوقات الحساسة يمكن أن يكونا أكثر فاعلية في تحقيق أهدافهم من أي أعمال تحريضية. رمضان هو شهر البركة والسلام، ولنحافظ على هذه الروح حتى نتمكن من الصلاة في رحاب الأقصى بحرية وكرامة.