التحديات الاقتصادية تفرض مراجعة رهانات التجارة البينية في أفريقيا

الأداء البطيء لجنوب القارة يعكس الركود الاقتصادي المستمر في جنوب أفريقيا.
الجمعة 2024/05/24
انظروا إلى هذه العشوائية وقيموا بأنفسكم

فرضت التحديات الاقتصادية نفسها بقوة على مسارة التجارة البينية في أفريقيا، إذ يرى المتابعون أن الرهانات على تطويرها يحتاج إلى إعادة مراجعة، بحيث يتم تحفيزها على النحو الذي كانت تستهدفه حكومات دول القارة، بما يعزز طموحاتها التنموية.

الداخلة (المغرب) - انتقد محافظ البنك المركزي المغربي عبداللطيف الجواهري بطء الاندماج الاقتصادي والتكامل بين دول أفريقيا رغم الإمكانيات التنموية والموارد الهائلة التي تمتلكها هذه القارة.

وقال أثناء افتتاح مؤتمر اقتصادي دولي تحت شعار “التكامل الاقتصادي في أفريقيا: الطريق إلى مستقبل أكثر ازدهارا”، الأربعاء الماضي، تستضيفه مدينة الداخلة المغربية لثلاثة أيام، إن “الاندماج الاقتصادي يظل ضعيفا جدا في أفريقيا”.

وتلعب التجارة البينية دورا حاسما في تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة في العديد من الدول حول العالم، لذلك فإنه من المهم أن تعمل الدول على تحسين الفرص التجارية للشركات والمستهلكين، وتحقيق التوازن في العرض والطلب عبر الحدود.

وأوضح الجواهري أن حصة التجارة البينية بين دول القارة “لا تزال محدودة”، حيث “لا تتجاوز 12 في المئة” من إجمالي تجارتها، بينما تبلغ حصة أوروبا وآسيا من إجمالي المبادلات التجارية الخارجية للقارة الأفريقية 60 في المئة.

عبداللطيف الجواهري: المبادلات في القارة محدودة ولا تتجاوز 12 في المئة
عبداللطيف الجواهري: المبادلات في القارة محدودة ولا تتجاوز 12 في المئة

وأدى تشديد السياسة النقدية في البلدان الغنية إلى تفاقم الضغط على أفريقيا، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف خدمة الديون، وتقييد الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية وزيادة عدم الاستقرار في أسواق الصرف الأجنبي.

وحذر الجواهري من أن هذا الوضع يُفاقم من اعتماد القارة الكبير على الأسواق الخارجية، ما يجعلها عرضة للصدمات الخارجية، كما تبين خلال الوباء أو مع الحرب في أوكرانيا.

ولفت إلى أن ذلك يأتي رغم تمتع القارة الأفريقية بـ”إمكانات تنموية هائلة”، إلى جانب امتلاكها “وفرة في موارد طبيعية” تعد ضمن الأفضل في العالم من حيث القيمة.

وكانت بلدان القارة قد دشنت منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية عام 2018 من خلال اتفاقية شراكة بين 49 دولة عضوا في الاتحاد الأفريقي تهدف إلى إنشاء سوق موحدة على أمل تعزيز حرية الحركة وإصدار عملة موحدة.

ومن المتوقع أن تساعد هذه الخطوة في رفع متوسط المبادلات التجارية لأفريقيا مع بقية العالم بنسبة تصل إلى 15 في المئة، ومع بلدان القارة نفسها بنسبة 53 في المئة.

لكن الجواهري قال إن “من الواضح أن أمام أفريقيا طريقا طويلا، فهي بحاجة إلى تثمين رأسمالها البشري، والقيام بإصلاح عميق لاقتصاداتها لاستغلال ثرواتها على نحو أفضل، وسد العجز الكبير في بنيتها التحتية”.

ومن المرتقب زيادة التدفقات المالية عقب تنفيذ منطقة التجارة الحرة في أفريقيا، التي يُتوقع تشغيلها بكامل طاقتها في العام 2030. وتفتح المجال أمام إنشاء سوق تجمع حوالي 1.3 مليار شخص، وبها إنتاج محلي إجمالي مشترك بقيمة 2.5 تريليون دولار.

ويعاضد بنك التصدير والاستيراد الأفريقي كل هذه الجهود، حيث يعمل على تطوير نظام سيتيح إجراء تحويلات للتمويل بين الدول الأفريقية في الوقت الفعلي، بدلا من تحويل الأموال عبر البنوك الأوروبية والأميركية.

ويقول بنك التصدير إن هذه المبادرة من المتوقع أن توفر حوالي 5 مليارات دولار من نفقات التحويلات السنوية للقارة.

وقال وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور، خلال المؤتمر، إن القارة رغم تمتعها بمقومات اقتصادية هائلة إلا أنها ينقصها “الاستقرار والبنية التحتية والكفاءات”.

وأضاف “أفريقيا لديها ثروات طبيعية وبشرية، لكنها لا تُستغل بطريقة جيدة”. وتابع “التكتلات الاقتصادية العالمية ستغلق نوافذها، وتتركنا على الهامش، وبالتالي علينا الاشتغال أكثر، وتحقيق الاستفادة البينية في الإنتاج والاستهلاك والتنمية”.

يتم تطوير نظام للتحويلات بين دول القارة في الوقت الفعلي لدعم التجارة
يتم تطوير نظام للتحويلات بين دول القارة في الوقت الفعلي لدعم التجارة

وتعطي تقييمات أكبر المؤسسات المقرضة في القارة حول أداء الاقتصاد الأفريقي، دليلا على أن الحكومات عليها بذل جهود أكبر هذا العام لتجنب الأسوأ بالنظر إلى الضبابية التي تعتري أسواق العالم.

وبدت توقعات البنك الأفريقي للتنمية لنمو الاقتصاد الأفريقي حذرة لعام 2024. وقال في تقرير أصدره في فبراير الماضي، إن “النمو سيرتفع هذا العام بعدما انخفض إلى 3.2 في المئة العام الماضي من 4.1 في المئة في 2022”.

وجاء ذلك دون توقعات البنك الصادرة في نوفمبر الماضي لنمو 3.4 في المئة في 2023 بأكمله. كما خفض تقديراته للنمو الإقليمي في وسط وشمال أفريقيا في ظل ركود اقتصاد غينيا الاستوائية المنتجة للنفط وتداعيات الفيضانات المدمرة في ليبيا.

وقال البنك في تقريره إن “عدم الاستقرار السياسي والتباطؤ الاقتصادي في الصين يفاقمان أثر صدمات سابقة مثل كوفيد والصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا”.

وأضاف أن “الصدمات التي تعصف بالاقتصادات الأفريقية منذ 2020 أضرت بالنمو، مع تداعيات طويلة المدى”.

وأوضح البنك أنه رغم الصدمات التي تعصف بالمنطقة، سجلت 15 دولة أفريقية نموا اقتصاديا بأكثر من 5 في المئة العام الماضي، من بينها إثيوبيا، التي تعيد هيكلة ديونها الخارجية وساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموريشيوس ورواندا.

وتوقع تسارع النمو في جميع المناطق باستثناء وسط أفريقيا خلال هذا العام، بينما يظل الجزء الجنوبي من القارة في تذيل القائمة بنمو 2.2 في المئة مقارنة مع 5.7 في المئة في شرق أفريقيا.

ويعكس الأداء البطيء لجنوب القارة الركود الاقتصادي المستمر في جنوب أفريقيا، حيث من المرجح أن ينمو أكبر اقتصاد في المنطقة 1.1 في المئة في 2024 ارتفاعا من 0.8 في المئة في العام الماضي، فيما من المقرر عقد انتخابات بالبلاد هذا العام.

وقال البنك إن “هذا الوضع الاقتصادي المخيب للآمال فاقم البطالة المرتفعة والفقر وعدم المساواة في البلاد، ومنعها من جني ثمار الديمقراطية خلال الثلاثين عاما التي تلت نهاية حكم الأقلية البيضاء”.

10