التحديات الاقتصادية تدفع تركيا إلى التعويل على التصنيع الدفاعي

ترسيخ قدرة القطاع نقطة ارتكاز لزيادة الصادرات ورفع مساهمته في الاقتصاد.
الاثنين 2022/01/31
الطموح شيء والواقع شيء آخر

يدرك المسؤولون الأتراك أن الأسلحة المتقدمة تشكل صفقات بمليارات الدولارات وهو ما يمنح بلدهم قدرة على تحقيق أهدافه التي تتمحور أساسا حول جعلها أكثر تنافسية بالسوق العالمية مع التركيز على زيادة الصادرات للأسواق الناشئة رغم أن هذه الطموحات لا تخلو من عراقيل.

أنقرة - تعد صناعة الدفاع التركية المتنامية حجر الزاوية في سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان الساعي لتوجيه الانتباه بعيدا عن أزمة العملة والتضخم وغير ذلك من المؤشرات السلبية التي باتت السمة البارزة التي تطبع الاقتصاد.

وبدأت أنقرة مشاريع تحت قيادة رئاسة الصناعات الدفاعية (أس.أس.بي) تغطي مساحة كبيرة من مهمتها لتحقيق طموح تركيا في أن تصبح منافسا رئيسيا بين أكبر مصدري الأسلحة في العالم وتحقيق حلم الدخول إلى قائمة العشرة الأوائل في المجال في غضون سنوات.

ويقول محللون إن مساعي الحكومة لترسيخ قدرة القطاع ليكون نقطة ارتكاز في الصناعة وزيادة مساهمته في الاقتصاد تبدو كما لو أن صناعة الدفاع المزدهرة تتقدم إلى الأمام، إلا أنها تواجه مجموعة من العقبات التي يمكن أن تبطئ تطورها على المدى الطويل.

تمل كوتيل: توساش تلقت طلبات من النيجر ودول أخرى لشراء حر قوش

ويبرز ذلك من خلال تسريح شركات القطاع لبعض الموظفين جراء الأزمة الصحية ونقل التكنولوجيا رغم أن تركيا تحاول الاعتماد على نفسها، ما يعني أن تحقيق الأهداف رهين لعدة عوامل قد تؤثر على مواعيد تسليم الطلبيات سواء للسوق المحلية أو لبعض الأسواق الدولية.

وباتت تقنيات المُسيرات والمقاتلات وبناء السفن والمركبات المدرعة تتقدم باطراد في البلاد خلال السنوات القليلة الأخيرة، حيث وُجد زبائن أجانب لهذه الأنظمة بسبب المعايير التكنولوجية العالية والأسعار التنافسية.

وأكّد أردوغان مرارا أنه يهدف إلى إنهاء الاعتماد على الأنظمة الأجنبية في هذه الصناعة بحلول العام 2023، وهي الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.

ورغم المؤشرات الإيجابية التي ترصدها الجهات العالمية المتخصصة في هذا المجال يعتقد بعض الخبراء أن تركيا منتشية بأحلام الريادة في مجال الصناعات العسكرية ومنافسة كبار اللاعبين في هذه السوق، وهذا لن يتحقق قريبا.

وتتفاخر تركيا بأن لديها أنواعا من المسيرات والمقاتلات التي يمكن تسويقها بسهولة. وترى أن مكاسب نهضة الصناعات الدفاعية المحلية تتخطى النواحي السياسية والعسكرية إلى مكاسب مالية مهمة تعود بالنفع على الاقتصاد.

وتعمل الشركات التركية على إظهار نفسها أنها تستطيع تقديم منتجات عسكرية تنافسية وبإمكانها الفوز بصفقات أكبر لزيادة الصادرات والاستفادة من كون الأسلحة الغربية مكلفة ليس فقط عند الشراء، بل لعمليات الصيانة، ناهيك عن الكلفة السياسية.

وإلى جانب المسيرات رخيصة الثمن، والتي تزخر بالتقنيات التكنولوجية الأساسية مثل بيرقدرا التي تنتجها شركة بايكار المتخصصة في صناعة الطائرات دون طيار، حولت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش) “حر قوش”، وتعني الصقر الحر، من مشروع طائرة تدريب إلى مقاتلة.

وأكد تمل كوتيل، المدير العام لتوساش، لوكالة الأناضول أن الشركة وصلت إلى مرحلة الإنتاج التجاري والتسليم في كل مشاريع الطائرات والمروحيات التي طورتها مثل طائرة حر قوش والمروحية القتالية أتاك.

وقال إن الشركة “تواصل العمل من أجل تسليم طائرتين من هذا الطراز سيتم تصديرهما للنيجر في فصل الصيف”. وأشار إلى أن توساش تلقت طلبات من دول أخرى لشراء طائرات حر قوش.

ومن المتوقع أن تسلم الشركة أول نماذج لهذه الطائرة في مارس القادم. وتقول إنه يمكن استخدامها في مهام الدعم الجوي – الأرضي، كما تعمل الشركة على إنتاج نسخ مختلفة للاستخدام في أغراض أخرى من بينها نسخة مزودة بأسلحة.

ولم تكشف الشركة عن قيمة حر قوش لكن يبدو أن المقاتلة تناسب الكثير من الدول الفقيرة والمتوسطة لأسعارها الرخيصة رغم أن موعد تسليم أولى الطائرات سيكون في 2028 وهو يشكل تحديا كبيرا لأنقرة حتى تثبت مدى قدرتها على تفادي العديد من العقبات.

وتروج الشركة اليوم فكرة قدرتها على الوصول إلى الأسواق الدولية من خلال مروحية أتاك التي تتوقع أن يصل عددها إلى 89 طائرة منها 7 ستذهب إلى الفلبين، بينما تستعد لتسليم ثلاث مروحيات غوك بي إلى قوات الدرك التركية بحلول نهاية هذا العام.

وبينما ستبدأ توساش في مارس العام المقبل التجارب الأولية على المروحية القتالية أتاك - 2 التي سيكون محركها مصنوعا محليا بقوة 1600 حصان قبل تسليمها لأول زبون بحلول 2025، تتعاون الشركة حاليا مع شركة سيكورسكي الأميركية التابعة لمجموعة لوكهيد مارتن العملاقة لإنتاج 109 مروحيات من طراز بلاك هوك تي - 70.

حر قوش حولتها تركيا من مشروع طائرة تدريب إلى مقاتلة، وهي تراهن على تسويقها لدى الدول الفقيرة والمتوسطة لرخص سعرها
حر قوش حولتها تركيا من مشروع طائرة تدريب إلى مقاتلة، وهي تراهن على تسويقها لدى الدول الفقيرة والمتوسطة لرخص سعرها

أما في ما يتعلق بالمسيّرة عنقاء فإن الشركة تطمح في تأمين طلبات تلقتها من العديد من الدول مثل كازاخستان بعد أن سلمت أول نماذج منها لتونس قبل عامين.

وقال كوتيل إن تركيا “أنهت اعتمادها على الخارج تماما في ما يخص الطائرات المسيرة وقد تم الشروع في استخدام المحركات المحلية في مسيرات عنقاء”.

وكانت شركة بايكار قد أبرمت قبل فترة أول عقد تصدير لطائرة بيرقدار آقنجي، التي تعتبر واحدة من أحدث منتجات الشركة.

ويرى خلوق بيرقدار مدير عام الشركة أن الاهتمام الذي أظهرته بلاده لعملية تطوير الصناعات الدفاعية خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك المسيرات محلية الصنع، أدى إلى تلبية احتياجات البلاد ودخولها عالم الصادرات في هذا القطاع.

وتجد التقنيات التي أثبتت كفاءتها في تصنيع المسيرات مكانا في أسواق التصدير وخاصة في الدول التي تتمتع بعلاقات ودية مع تركيا مثل قطر التي تستثمر في مُسيرات أقنجي.

وتعد الدولة الخليجية الصغيرة من الأسواق المربحة والأكثر أهمية لأنقرة، بالإضافة إلى بعض دول شمال أفريقيا وأذربيجان وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى والدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا.

وتشير التقديرات إلى أن صادرات الصناعات الدفاعية التركية تضاعفت في الفترة من 2006 إلى 2021، ويقول بيرقدار إن القطاع يستحوذ على حوالي 1 في المئة من الصادرات الدفاعية العالمية، لكن المحللين يعتقدون أنه رقم ضئيل قياسا بما تنتجه الولايات المتحدة والصين.

خلوق بيرقدار: صادراتنا زادت في 2021 لأول مرة لتبلغ أكثر من 3 مليارات دولار

وعند تحليل الأرقام يمكن ملاحظة مدى تراجع حصة تركيا من واردات الأسلحة بنسبة 48 في المئة من 2015 إلى غاية نهاية 2019.

وبعدما كانت البلاد تستورد 70 في المئة من معدّاتها العسكرية، انخفضت هذه النسبة إلى 30 في المئة وهذا يعطي لمحة ظاهرية فقط عن جدوى السياسة التركية المتبعة في هذا المجال.

وما يزيد من ترسيخ تلك النظرة هو ارتفاع حجم الصناعة العسكرية بنحو 9 مليارات دولار منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في 2002، حيث بلغ في النصف الأول من 2020 نحو 11 مليار دولار.

وحاليا تصدر تركيا نحو 75 في المئة من إجمالي الصادرات في مجال الصناعات الدفاعية إلى الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا والصين، وهي تطمح إلى زيادة حصتها في سوق السلاح العالمية حتى تكون ضمن قائمة أكبر 10 دول مصدرة للتقنيات الدفاعية.

وأكد بيرقدار أن أكبر نجاح لقطاع الصناعات الدفاعية في العام الماضي كان من خلال زيادة حجم الصادرات التي “تحققت وفق رؤية الاعتماد على الذات لتبلغ للمرة الأولى أكثر من ثلاثة مليارات دولار”.

ورغم التقدم التركي في هذا المجال المدر للأموال بالنسبة إلى أنقرة، وذلك استنادا للأرقام التي تنشرها الجهات الرسمية التركية، يستبعد خبراء بلوغ أنقرة الريادة لافتقارها إلى تكنولوجيا محلية متقدمة ما يصعّب عليها السير في طريق المنافسة الدولية.

واستندوا في ذلك إلى كون تركيا تتعرض لانتقادات محلية لانشغال الحكومة بالإنفاق وتمويل البرامج العسكرية فيما تواجه البلاد أزمة اقتصادية.

وكانت منصة “ديفينس نيوز” الأميركية المتخصصة في المجال العسكري قد سجلت في 2020 دخول سبع شركات إلى قائمة أفضل مئة كيان مصنع للسلاح بعد أن كانت خمسا خلال العام السابق.

وتتمثل الشركات في أسلسان المتخصصة في الإلكترونيات العسكرية وشركة صناعات الفضاء وبي.أم.سي للصناعات العسكرية وروكيتسان للصناعات الدفاعية وشركة الهندسة وتجارة التكنولوجيا الدفاعية (أس.تي.أم) وأف.أن.أس.أس للصناعات الدفاعية وهافلسان للصناعات الإلكترونية الجوية.

10