التحديات الاقتصادية تجبر الحكومة المصرية على التفاعل إيجابيا مع المعارضة

الحكومة تنزل من عليائها في التعاطي مع الجولة الثانية من الحوار الوطني.
الأربعاء 2024/02/21
حكومة مدبولي لم تعد تملك ترف المناورة

تواجه الحكومة المصرية ضغوطا اقتصادية كبيرة عجزت حتى الآن عن تخفيفها، ما يجبرها على النزول من عليائها والتفاعل بشكل إيجابي مع الجولة الثانية من الحوار الوطني، على أمل احتواء المعارضة.

القاهرة - بعث مجلس أمناء الحوار الوطني في مصر برسالة طمأنة سياسية إلى قوى المعارضة بشأن مستقبل الجولة الثانية من الحوار الذي تقرر استئناف جلساته الأحد المقبل بغرض مناقشة جادة لوضع حلول ناجزة قصيرة ومتوسطة المدى للأزمة الاقتصادية الحادة، على أن يعقبها مباشرة إنجاز ملفي المعتقلين والحريات.

وأعلن رئيس مجلس الأمناء ضياء رشوان مشاركة الحكومة في مختلف جلسات الجولة الثانية من الحوار الوطني لتكون على مقربة من المناقشات والتوصيات والحلول التي سيتم طرحها قبل رفع “كل شيء” إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن ما انتهت إليه النقاشات والإجراءات المطلوب اتخاذها على وجه السرعة.

وهذه المرة الأولى التي تتم فيها مشاركة الحكومة مباشرة في الحوار الوطني، حيث ستجلس على طاولة واحدة مع خبراء ومتخصصين من كل الاتجاهات والمدارس الاقتصادية والسياسية، وتتبادل معهم الرأي حول الحلول والتشريعات المطلوبة، والترتيبات التي يجب اتخاذها دون تسويف أو تعطيل أو مماطلة.

وتقرر أن تكون الجلسات المخصصة للشق الاقتصادي قصيرة ومكثفة، ولا تتجاوز خمسة أيام ليتم وضع التوصيات كاملة في جعبة الحكومة الخميس بعد المقبل (29 فبراير)، ثم تُرفع إلى الرئيس السيسي، وينتج عن حضور الحكومة الحوار الخروج بتوصيات محددة وواضحة المعالم تتناسب مع مواجهة التحديات الراهنة.

خالد داوود: هناك إجماع على ضرورة إنهاء ملف السجناء
خالد داوود: هناك إجماع على ضرورة إنهاء ملف السجناء

ويغلق جلوس الحكومة على طاولة واحدة مع المعارضة بشأن وضع حلول للأزمة الاقتصادية أبواب التنصل من أي توصية عاجلة، وليست أمامها فرصة للتهرب من المسؤولية، فممثلو الحوار رقباء عليها في التنفيذ، ما يختبر جديتها وإرادتها السياسية.

وارتبطت إشكالية الجولة الأولى من الحوار، والتي توقفت قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر الماضي، بأن الحكومة لم تكن ممثلة مباشرة، وحضرت نيابة عنها أحزاب وشخصيات دافعت بحماس عن توجهاتها من دون الاستماع إلى وجهات نظر المعارضة والمتخصصين، وبدت هذه الجولة أقرب إلى جلسات النقاش فقط.

وأصبحت الحكومة مطالبة بالتفاعل مع الحوار الوطني في جولته الثانية التي تبدأ الأحد المقبل، إذا أرادت الحفاظ على زخمه وإثبات جديتها في الاستجابة لما سينتهي إليه، لأن المسؤولين عن اتخاذ القرارات الملحة قريبون مما ستطرحه المعارضة.

وقال الناطق باسم الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة خالد داوود في تصريحات لـ”العرب” إن القوى المدنية لا تسعى إلى استغلال التحديات لتحقيق مطالبها، بل تطرح حلولا ناجزة للأزمة من منظور وطني، وقدمت رؤيتها الاقتصادية، واستمرار حالة الحوار على علاقة بالاستجابة للطروحات السياسية المرتبطة بصميم الإصلاحات عموما.

وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” أن هناك تكليفا رئاسيا لحكومة مصطفى مدبولي بالتفاعل مع المرحلة الثانية من الحوار لتعزيز مصداقيته ومنحه المزيد من القوة، وسوف يظهر التقارب الحقيقي مع كل القوى للخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ لتأكيد جدية النظام الحاكم في البحث عن حلول ناجزة للمشكلات الاقتصادية والسياسية.

وأعلن مجلس أمناء الحوار أنه “تقرر تشكيل لجنة لتنسيق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بالتعاون مع الحكومة ومجلس النواب والجهات المعنية في الدولة ذات الصلة بكل ملف، على أن يستمر الحوار لمناقشة القضايا التي لم يتم الانتهاء منها في المرحلة السابقة، وهي التي ترتبط بتشريعات الحبس الاحتياطي وقضايا النشر والحريات”.

هناك تكليف رئاسي لحكومة مصطفى مدبولي بالتفاعل مع المرحلة الثانية من الحوار لتعزيز مصداقيته ومنحه المزيد من القوة

ويرى مراقبون أن النظام المصري استقر على ترضية الشارع والمعارضة من خلال الاستماع إلى قوى الموالاة والمعارضة في ما يخص القرارات المطلوب اتخاذها لحل الأزمة الاقتصادية وما يترتب عليها من منغصات معيشية على الناس، بالتوازي مع الاستجابة إلى مطالب التيارات المدنية المرتبطة بالإصلاح السياسي والحريات.

ويبدو أن هناك خطة تعمل دوائر رسمية على تفعيلها تتعلق بوضع التحديات الاقتصادية والسياسية في جعبة القائمين على الحوار والحكومة معا، ليكون الطرفان شريكين في إيجاد طرح قترحات خاصة بكل مشكلة عبر المصارحة كي لا يُقال بعد ذلك إن السلطة كانت أمامها بدائل واقعية ولم تبادر إلى تطبيقها.

وتقوم الخطة على أن الكثير من الأخطاء الاقتصادية والسياسية التي وقعت فيها الحكومة أثبتت صدق رؤية خبراء ومتخصصين وكفاءات وقوى معارضة لم تتم مشاركتها في السياسات وتحديد الأولويات، ما يفرض على الحكومة أن تستمع وتنفذ الجيد منها.

ويهدف إدخال ملفات سياسية في المرحلة الثانية للحوار بعد أن كان قاصرا على الشق الاقتصادي إلى تمرد المعارضة التي تتمسك بعدم اختزال الحوار في جوانب اقتصادية دون مناقشة أخرى سياسية، مثل الحبس الاحتياطي والحريات والإفراج عن المعتقلين.

النظام المصري استقر على ترضية الشارع والمعارضة من خلال الاستماع إلى قوى الموالاة والمعارضة في ما يخص القرارات المطلوب اتخاذها لحل الأزمة الاقتصادية

وارتبط تمرد المعارضة بأن إبعاد الحوار عن التحديات السياسية يقود إلى نقاشات اقتصادية فضفاضة، يصعب الإمساك بتفاصيلها ومخرجاتها، الأمر الذي يصب في صالح حكومة ترغب في التشويش على المطالب السياسية وسط القضايا الاقتصادية.

ولدى دوائر قريبة من السلطة رؤية تقوم على أن اختصار الجولة الثانية في نقاشات اقتصادية لا يضمن استمرار الحوار، كما أن الدولة بحاجة إلى انفراجة سياسية تخفف تصاعد القلق في الشارع، وتبرّئ النظام من تهمة العناد التي ترددها المعارضة.

وإذا فقد الحوار قيمته سيكون من الصعب على الحكومة تقريب المسافات مع المعارضة، المطالبة بأن تتعامل بحكمة بلا تمرد في توقيت سياسي بالغ الحرج، يتعلق بتوترات أمنية تحيط بالدولة من اتجاهات مختلفة.

وأكد الناطق باسم الحركة المدنية أن المعارضة تتوحد خلف الدولة لمواجهة تحديات الأمن القومي، لكن هناك إجماعا على ضرورة إنهاء ملف السجناء والتعاطي بجدية مع قضايا الحريات، وعلى الحكومة أن تعي قيمة الإصلاح السياسي كأحد حلول الأزمة الاقتصادية، وتربط أهمية الحوار بالتفاعل مع توصياته.

وتبدو الحكومة هذه المرة لا تبحث عن خطوات شعبوية لتجميل صورتها بقدر ما ترغب في إيجاد حلول للخروج من المأزق الراهن، بعد أن تراكمت المشكلات وأصبحت في مواجهة مباشرة مع الشارع، ومن الحنكة الاستماع لصوت المعارضة للحفاظ على الاستقرار.

وحاولت الحكومة تجنب التركيز على قضايا سياسية حساسة مثل الحبس الاحتياطي والحريات والمعتقلين في قضايا تعبير عن الرأي، لكن ظهرت قناعة بأن إنهاء هذه الملفات سوف يجلب مكاسب سياسية ويوقف متاجرة الخصوم بها، في ظل تصاعد الأزمات، وما تفرضه من حاجة عاجلة إلى سد ثغرات والمنغصات الداخلية.

ونجحت المعارضة في تقريب الحكومة من أزمات مرتبطة بالشارع في الشقين الاقتصادي والاجتماعي، على الرغم من تركيزها على طرح قضايا سياسية لا تتوافق مع توجهات النظام الذي استفاد من نتائج الجولة الأولى من الحوار، ما يفسر السعي لاستمراره بشكل أكثر إيجابية عبر جلوس الحكومة والمعارضة على طاولة واحدة.

2