التجّار العرب نشروا الإسلام في أدغال أفريقيا

عمر الخروصي
الجزائر- يبحث الدكتور نورالدين شعباني في كتابه بعنوان “تاريخ انتشار الإسلام وحضارته في أدغال أفريقيا” في 339 صفحة والصادر عن دار ألفا دوك للنشر والتوزيع بالجزائر، الجهود التي بذلها المسلمون الأوائل في سبيل نشر الإسلام بالقارة الأفريقية، وخاصة دور العمانيين وعلى رأسهم التاجر حمد بن أحمد المرجبي، الذي أقام أول إمارة إسلامية عربية داخل أدغال الكونغو، إضافة إلى تناول هجرة العرب إلى ساحل شرق أفريقيا وتأسيس سلطنة زنجبار، والاحتلال البرتغالي لزنجبار وتدخل العمانيين لتحريرها، وظهور الأسرة البوسعيدية في زنجبار.
ويشير صاحب الكتاب إلى أن الدراسات التاريخية، تتفق على أن الإسلام لم ينتشر إلا بالطرق السلمية والدعوة في أغلب أنحاء المعمورة، وإن اتخذت الفتوحات العسكرية سبيلا لشق طريقه في بعض الأقطار، وخاصة تلك التي كانت تسودها إمبراطوريات وممالك قوية، منها بلاد الفرس، والرومان، وبلاد الفرنجة، والصين.
ومن أشهر المناطق التي مثلت فيها الدعوة السلمية النموذج الحقيقي لانتشار الإسلام، وبرزت فيها قدرة المسلمين على نشر عقيدتهم بالإقناع والحجة وحسن المعاملة، هي أفريقيا، أو ما يعرف بأفريقيا جنوب الصحراء، والتي يصطلح على تسميتها في أدبيات المؤرخين العرب بـ”بلاد السودان”.
وقامت تجارة القوافل والفقهاء بدور كبير في نشر الإسلام في الديار السودانية، حيث نابت الأسواق عن ميادين الوغى، ونابت الأمانة والصدق وحسن المعاملة عن السيف في نشر عقيدة التوحيد.
وأشارت الدراسات التاريخية كثيرا إلى الدور الذي قام به فقهاء الإباضية والمالكية في نشر الإسلام بالسودان الغربي، وكذا دور المرابطين في القضاء على الوثنية، والمساهمة في قيام دول إسلامية هناك.
ويؤكد المؤلف أن التجارة هي حجر الأساس الذي تم من خلاله بناء الجسور التي مر من خلالها الإسلام إلى أقصى المناطق وأبعدها، وأصعبها سلوكا في أفريقيا، حيث شكل التجار المتنقلون، سواء في أفريقيا الوسطى أو الغربية والشرقية وحتى الجنوبية، ظاهرة إسلامية بامتياز، وبالرغم من أنهم لم يكونوا فقهاء ولا دعاة، لكنهم حملوا معهم، أينما حلوا في تلك المناطق المظلمة من أفريقيا، الممارسات والعادات والشعائر الإسلامية لشعوب ظلت بعيدة لمدة قرون عن الرسالة المحمدية.
وارتأى المؤلف تقسيم كتابه إلى خمسة فصول: انتشار الإسلام في السودان الغربي، والإسلام في منطقة الغابات الأفريقية، والإسلام في السودان الأوسط وبحيرة تشاد، والإسلام في أفريقيا الوسطى والكونغو، وحركة الإسلام في السودان الشرقي والحبشة.
كما استعرض المؤلف حركة انتشار الإسلام بمنطقة الغابات الاستوائية، إذ ركز كثيرا على دور طائفة الديولا (التجار المتنقلين) في إيصالها للإسلام إلى غاية كوت ديفوار ومنطقة كونغ بطريقة سلسة وهادئة، بالإضافة إلى توضيح طريقة انتشار الإسلام في منطقة نهر الفولتا (بوركينا فاسو، غانا، طوغو، وبنين)، مبرزا الدور الكبير الذي قامت به طائفة اليارسي والداغومبا.
وفي فصل “انتشار الإسلام في منطقة بحيرة تشاد والسودان الأوسط”، تطرق المؤلف إلى ظهور الإسلام في ممالك بورنو وكانم والدور الكبير الذي قام به الملك إدريس ألوما.
وتناول الفصل الرابع بإسهاب انتشار الإسلام في منطقة الكونغو، ومالاوي، من خلال إبراز دور التجار العمانيين الذين كانوا متمركزين في إمارة زنجبار، وطريقة توغلهم إلى منطقة نهر الكونغو، إذ ركز المؤلف كثيرا على التاجر العماني حمد بن أحمد المرجبي، الذي أقام أول إمارة إسلامية عربية داخل أدغال الكونغو، شارحا دور شعب الكوتا كوتا في نشر الإسلام بمالاوي.
أما الفصل الخامس فقد خصصه الدكتور نورالدين شعباني لانتشار الإسلام وحضارته في الحبشة وشرق أفريقيا، وظهور ممالك الطراز في منطقة الصومال الحالية، وجهاد المسلمين بقيادة أحمد بن إبراهيم، كما تناول بالشرح والتحليل ظهور نهضة إسلامية في ممالك الفونج، ودارفور، وكردفان، ليختم مبحثه الأخير بالحديث عن الإسلام في جزيرة زنجبار، فضلا عن استعراض المؤلف للكثير من القضايا ذات العلاقة بموضوع الكتاب، مثل حدود الفتوحات الإسلامية، واعتناق قبائل الصحراء للإسلام ودورهم في نشره باتجاه الجنوب، ودور المرابطين في نشر الإسلام، وأهم الحواضر التاريخية والعلمية في غرب أفريقيا.