التجني على الأدب التونسي

الكاتب التونسي عزالدين المدني يعيش على ماضيه، مُلغيا الحاضر بغطرسة لا تليق بالصورة المشرقة التي يروجها عن نفسه منذ أزيد من خمسين سنة.
الثلاثاء 2018/05/29
سيرة مخيبة للآمال

مؤخرا رفض الكاتب التونسي عزالدين المدني الدعوة التي وجهت له لحضور ندوة الرواية العربية التي انتظمت في “مدينة الثقافة” بالعاصمة التونسية في الأسبوع الأول من شهر مايو من هذا العام، قائلا بنبرة احتقار “وهل هناك رواية تونسية وروائيون تونسيّون؟!”.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يدلي فيها عزالدين المدني بمثل هذه التصريحات الاستفزازية التي تعكس جهله بالإنتاج الجديد في تونس في جوانب مختلفة ومتنوعة من الكتابة. فقبل سنوات، نفى في حوار أجرته معه “أخبار الأدب المصرية“، أن تكون هناك قصة قصيرة في تونس.

وكراع لجائزة أبي القاسم الشابي منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي، هو يسعى بمختلف الطرق والوسائل لحرمان المبدعين التونسيين منها، كتاب الرواية والقصة القصيرة تحديدا. فإن منحها لأحدهم فلغرض لا علاقة له بالإبداع لا من بعيد ولا من قريب. وهذا ما فعله العام الماضي مع الأكاديمي حمادي صمود الذي حصل على الجائزة المذكورة لسيرته الذاتية التي حملت عنوان “طريقي إلى الحرية“.

وقد جاءت هذه السيرة التي كتبت بلغة إنشائية مملة، وبأسلوب ركيك، مليئة بالمغالطات. من ذلك أن صاحبها الذي لا نعرف له أي ماض سياسي أو نضالي، زَعَم من دون أن يرف له جفن، أنه كان معارضا لنظامي بورقيبة وبن علي!، لذلك فإن المبرر الوحيد لنيله لهذا التكريم، هو أنه -أي حمادي صمود - كان من بين أعضاء “بيت الحكمة” الذين رفعوا العام الماضي تقريرا إلى الأكاديمية السويدية لترشيح عزالدين المدني لجائزة نوبل للآداب!

والحقيقة أن عزالدين المدني يعيش على ماضيه، مُلغيا الحاضر بغطرسة لا تليق بالصورة المشرقة التي يروجها عن نفسه منذ أزيد من خمسين سنة. وأول شيء تتوجّبُ الإشارة إليه هو أنه يزعم دائما أنه روائي. والحال أنه لم يكن روائيا أبدا. وصحيح أنه شرع في الستينات من القرن الماضي في كتابة رواية عنوانها “الحمال والبنات“، إلاّ أنه انقطع عن كتابتها مُقْتصرا على نشر فصول مبتورة منها دلت على أن موضوع الرواية التي كان يعتزم كتابتها، كان غائما في ذهنه بحيث أنه تخلى عنها حالما تبين له أن خيوطها ضاعت عنه فلم يعد يعرف لها نهاية.

وفي نفس الفترة المذكورة، نشر مجموعته القصصية الأولى “خرافات” التي كان لها وقع في مشهد ثقافي كان لا يزال يتميز بالسطحية والابتذال. كما نشر كتابا بعنوان “الأدب التجريبي“. وهو مجموعة من المقالات، جل الأفكار التي تضمنتها مستوحاة من أطروحات الحركات الطلائعية التي كانت رائجة في فرسنا في تلك الفترة. بعدها انشغل عزالدين المدني بكتابة مسرحيات لاقت نجاحا شعبيا لا جدال فيه. وفي أوائل الثمانينات،أصدر مجموعته القصصية الثانية التي حملت عنوان “حكايات من هذا الزمان“.

ثم عاد من جديد لكتابة المسرح من دون أن يقدم في هذا المجال ما يمكن أن يثير الاهتمام كما كان حاله في المسرحيات التي كتبها في السبعينات من القرن الماضي. لذلك يمكن القول إن مسيرته الإبداعية التي يفتخر بها، وبفضلها نال جائزة سلطان العويس، والعديد من الجوائز التونسية، انتهت في أواسط الثمانينات من القرن الماضي.

مع ذلك، سعى عزالدين المدني أكثر من مرة إلى تجاوز العقم لكنه لم يفلح في ذلك. فقد أثبت من خلال سيرة طفولته في المدينة العتيقة، التي أصدرها عام 2009، أنه فقد موهبته السردية، والأدوات الفنية التي اكتسبها في تجاربه القصصية الأولى لتأتي هذه السيرة مخيبة للآمال، ومثيرة لسخط النقاد والقراء.

ولمعالجة العقم أيضا، نشر عزالدين المدني خلال السنوات الماضية العديد من المقالات في بعض الصحف التونسية. ولعل أصحاب هذه الصحف تبينوا أنه -أي عزالدين المدني، يكرر نفسه، ويجتر نفس الأفكار التي كان يروجها في الستينات من القرن الماضي، لذا تخلوا عنه غير آسفين.. وتلك هي النهاية الجديرة بكل كاتب مغرور يدوس على الآخرين متخيلا أنه فريد عصره!

14