التجربة في إدلب والتطبيق في سوريا

“نجحت تجربتنا في إدلب ولا بد أن تنتج في عموم سوريا.” ذلك ما قاله مسؤول النقل في النظام الجديد بسوريا تعليقا على فصل الذكور عن الإناث في وسائل النقل العامة. ذلك طبعا يذكّر بالفصل العنصري بين السود والبيض في الولايات المتحدة وفي جنوب أفريقيا.
كانت إدلب إذاً ولاية طالبانية تشرف عليها تركيا برعاية أميركية. المطلوب اليوم أن تكون سوريا كلها صورة عن إدلب. “لقد نجحت التجربة” ما معنى ذلك؟ معناه أن حملة السلاح نجحوا في إجبار الناس على اتباع تعليماتهم التي صارت قانونا يُعاقب من يخالفه.
ومثلما كان قمع الحريات في إدلب هو الشيء الوحيد الذي نجحت هيئة تحرير الشام في إنجازه فإنها تجاهر اليوم برغبتها في تطبيقه في كل المدن السورية الخاضعة لسيطرتها. ويعرف منتسبو الهيئة أن كل الحريات تبدأ من حرية المرأة لذلك فإنهم بدأوا بقمعها.
◄ العالم لم يكن معنيا بما يجري في إدلب. غير أن القليل الذي وصلنا يؤكد أن ما حدث هناك هو صورة عمّا عرفناه من كوارث إنسانية شهدتها المدن التي احتلها تنظيم داعش الإرهابي
فهل علينا أن ننتظر لنحكم على نوع النظام الذي سيقيمه أبومحمد الجولاني ورفاقه الأجانب الذين تم تجنسيهم في سوريا؟ أعتقد أن فكرة الانتظار إنما تنطلق من عقول مختلة أصابها اليأس والجنون. فإذا كان النظام الجديد لم يمض عليه سوى أسابيع وبدأ بمنع الاختلاط بين الجنسين وغيّر المناهج الدراسية بحيث صار الظلام العثماني مرحلة ازدهار فما الذي يمكن أن يفعله بعد سنة؟ لقد قال الجولاني بنفسه “نحتاج إلى أربع سنوات.”
أربع سنوات كافية لكي يُمحى كل أثر من سوريا المدنية. لا بل إن تاريخها صار مهددا بعد أن أظهر النظام الجديد موقفا غير مريح من وجود ذكر لزنوبيا ملكة تدمر في المنهاج الدراسي.
مَن فتنته بدلات وأربطة عنق الجولاني وأحذيته اللامعة لا بد أن يكون قد وقع ضحية الفكرة التي يحاول البعض أن يشيعها والتي تقول إن الرجل وبتأثير التجربة والتقدم في السن انتقل من مرحلة التشدد إلى مرحلة الاعتدال.
هذه الفكرة حتى لو كانت صحيحة فإنها تدير ظهرها للعدالة وهي روح القانون في مواجهة سؤال من نوع “ماذا عمّا وقع من جرائم في مرحلة التشدد؟ هل سيتم طي صفحتها؟ أتحت شعار عفا الله عمّا سلف أم بقوة الانتصار الذي صنعته قوى دولية وإقليمية؟”
لا تعيق تلك الأسئلة وسواها نجاح التجربة. فالقوى التي رسمت خريطة سوريا الجديدة مصممة على ألا تفشل تلك التجربة بغض النظر عمّا تنتهي إليه من نتائج. ذلك لأن مفهوم النجاح قد تم إعداده في دوائر مغلقة وهي التي مهدت عن طريق صفقات مريبة لانتصار الجولاني وتنظيمه الذي سبق وأن وُضع على قائمة الإرهاب الدولي من قبل القوى التي كانت تخطط لإسقاط النظام السوري السابق عن طريق القوة. بمعنى أن أعداء بشار الأسد ونظامه هم الذين اعتبروا وجود الجولاني وفريقه خطرا على حياة المدنيين.
◄ إذا كان النظام الجديد لم يمض عليه سوى أسابيع وبدأ بمنع الاختلاط بين الجنسين وغيّر المناهج الدراسية بحيث صار الظلام العثماني مرحلة ازدهار فما الذي يمكن أن يفعله بعد سنة؟
أصل إلى النقطة الأهم. بالتأكيد سوريا ليست عراقا آخر. على الرغم من أن الولايات المتحدة هي التي أقامت النظام السياسي الجديد في العراق فإنها انتزعته من محيطه العربي حين سلطت إيران عليه والتي فرضت شروطها في منع قيام أيّ نوع من التنمية فيه، أما سلوكها في سوريا فسيكون مختلفا لا لأنها تعلمت من فشلها في العراق، تلك فرية، بل لأنها قررت ألا تكون سوريا دولة فاشلة. وهو ما يعني أن دولة سوريا التي سيقودها الجولاني عبر السنوات الأربع القادمة ستقوم بوظيفتها على أكمل وجه على مستوى أداء الخدمات وإصلاح ما دمرته الحرب من مفاصل البنية التحتية. في هذا الجانب ستكون سوريا بفضل مشروع المساعدات الدولية والإقليمية أفضل من سوريا الأسد التي أنهكتها العقوبات الاقتصادية. ذلك فرق جوهري لا يمكن الاستهانة به.
أما ما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ووضع المرأة فإن ذلك سيُترك للهيئة التي أصر رئيسها حتى بعد أن انتقل من هيئته الأفغانية إلى هيئة الرجل الأوروبي الحديث على أن يختار أعضاء حكومته بغض النظر عن ماضيهم الظلامي. لم ينظر الجولاني إلى سوريا إلا باعتبارها إدلب كبيرة. ولأنه كان معجبا بتجربته في إدلب فما على سوريا سوى أن تكون نسخة مكبرة عن فيلم سابق.
لم يكن العالم معنيا بما يجري في إدلب. غير أن القليل الذي وصلنا يؤكد أن ما حدث هناك هو صورة عمّا عرفناه من كوارث إنسانية شهدتها المدن التي احتلها تنظيم داعش الإرهابي. فهل ستكون سوريا هي النسخة السنية للإسلام السياسي المقابلة لنسخته الشيعية في إيران؟