التجاهل المتزايد لقواعد التجارة يعمق الانقسام العالمي

75 في المئة من تجارة السلع لا تزال تعتمد على شروط تعريفة منظمة التجارة العالمية التي يفرضها الأعضاء على بعضهم البعض.
الأربعاء 2023/10/04
الآفاق تزداد ضبابية

يراقب المحللون محاولات منظمة التجارة العالمية المستميتة لرأب الصدع بين الدول سعيا إلى إحياء دورها المحوري في تحفيز المبادلات السلعية واستدامة سلاسل الإمداد، في ظل النزاعات المتزايدة التي تهدد بقضم جزء من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

جنيف- تعترض منظمة التجارة العالمية الكثير من المطبات في طريق وضع أسس تنهي التجاهل المتزايد لقواعد التجارة، والتي عمقت الانقسامات بين الدول، وباتت السمة الطاغية على مدار السنوات الأخيرة.

ولا شيء يوضح الأزمة التي تمر بها المنظمة أكثر من تراكم النزاعات، التي لم يتم حلها بسبب ما تسميه “المخاوف التجارية” لأعضائها.

ومنذ أواخر عام 2019، بعد أن منعت الولايات المتحدة تعيين قضاة جدد في هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة بسبب الشكاوى المتعلقة بالتجاوز القضائي، تُركت 29 قضية طيّ النسيان، مما وجه ضربة قوية لنظام تسوية المنازعات.

وتشمل تلك القضايا المودعة الصين وجمهورية الدومينيكان والهند وإندونيسيا والمغرب وباكستان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

كيث روكويل: منظمة التجارة العالمية تتأرجح على هاوية عدم الأهمية
كيث روكويل: منظمة التجارة العالمية تتأرجح على هاوية عدم الأهمية

وقال آلان وولف، نائب المدير العام السابق للمنظمة، في مؤتمر لمنظمة التجارة العالمية الشهر الماضي “لا مزيد من الاحتيال، ولا مزيد من التظاهر بأنك تستأنف”.

وحث وولف الدول على تأجيل الطعون الجديدة في النزاعات القائمة اعتبارا من العام المقبل بعدما تعهد أعضاء منظمة التجارة العالمية بمعالجة هذه القضية.

وحذرت المنظمة من “أزمة متعددة” تتمثل في الوباء والحرب في أوكرانيا والتضخم، ما يؤدي إلى إضعاف الثقة في العولمة. والنتيجة هي التجاهل المتزايد لقواعد التجارة العالمية بين أعضاء منظمة التجارة العالمية.

وأكدت الشهر الماضي أن زيادة الإجراءات أحادية الجانب، إذا لم يتم وقفها، ستؤدي إلى تفتيت الاقتصاد العالمي، وفقدان قرابة 5 في المئة من الدخل العالمي.

وخفت قيود الاستيراد منذ عام 2018، عندما كان الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب يفرض تعريفات جمركية على البضائع القادمة من الصين وأماكن أخرى، لكن قيود التصدير عوضت انخفاضها.

وبلغ متوسط هذه القيود 21 قيدا في السنة بين عامي 2016 و2019، لكنها ارتفعت إلى حوالي 139 في نهاية العام الماضي. وأدى هذا إلى زيادة المخاوف التي أثيرت في منظمة التجارة.

واستهدفت هذه القيود التصدير مثل الأرز الهندي والإعانات التي أطلقتها الدفعة التكنولوجية النظيفة مثل قانون خفض التضخم الأميركي، مع التحيز للإنتاج في أميركا الشمالية، أو تلك المخصصة للسيارات الكهربائية في الصين التي يحقق فيها الاتحاد الأوروبي.

ومن المقرر رفع متطلبات المحتوى المحلي في الولايات المتحدة بموجب قانون شراء المنتجات الأميركية، بينما الاتحاد الأوروبي، الذي مازال يدعو إلى الالتزام بقواعد المنظمة، لديه إعانات وأهداف لتعزيز المعروض المحلي من المعادن المهمة والإنتاج الأخضر.

ويقول كيث روكويل، زميل بارز في مؤسسة هينريش، لوكالة رويترز إن منظمة التجارة العالمية “تتأرجح على هاوية عدم الأهمية”. وأضاف “الناس لا يشعرون البتّة بأنهم مقيدون بالتزاماتهم تجاه منظمة التجارة العالمية عندما يتعلق الأمر بالسياسة، ولم يكن هذا هو الحال قبل عقد من الزمن”.

وأكد روكويل أنه بالنسبة إلى واشنطن، القوة الدافعة وراء إنشاء منظمة التجارة العالمية القائمة على القواعد، وفي ظل النظام التجاري العالمي، لم تعد منظمة التجارة العالمية الآن “على شاشة الرادار”.

واستفادت الدول من الاستثناءات من قواعد منظمة التجارة العالمية، مثل الاستثناءات المتعلقة بالأمن القومي، التي استخدمتها الولايات المتحدة للحد من واردات المعادن وبعض دول الخليج لتقييد التجارة مع قطر.

5

في المئة مقدار الدخل الذي يفقده الاقتصاد العالمي جراء زيادة الإجراءات أحادية الجانب

وفي حين قيدت بكين صادراتها من المعادن المهمة، سعت واشنطن لمنع وصول الصين إلى التكنولوجيا الأميركية، مع تفوق الأمن القومي على قواعد التجارة العالمية.

ويتفق الأعضاء، وعددهم 164 عضوا، بشكل واسع على أن منظمة التجارة العالمية، بموظفيها البالغ عددهم 620 موظفا يعملون في مبنى على طراز الآرت ديكو على ضفاف بحيرة جنيف، في حاجة إلى الإصلاح  بالرغم من أنها تحتاج إلى الإجماع الكامل لإجراء أي تغيير.

وبالنسبة إلى البعض يتمحور الإصلاح حول استعادة هيئة الاستئناف، وهو أمر لن تقبله الولايات المتحدة التي تعتقد أن الإصلاح يجب أن يعالج ما تقول إنها أنشطة تمييزية للشركات المملوكة للدولة، ولاسيما الشركات الصينية، التي تشوه المنافسة.

ويمكن للإصلاحات أيضا أن تتعامل مع القضايا التي لم تؤخذ في الاعتبار عند تشكيل منظمة التجارة العالمية، مثل تغير المناخ أو تدفقات البيانات أو الذكاء الاصطناعي. ومن المقرر أن يكون الإصلاح موضوعا رئيسيا في المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية المقرر في فبراير المقبل.

وقال أحد مندوبي المنظمة في جنيف “يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تعتقد أن المزيد من تحرير التجارة يصب في مصلحة الولايات المتحدة، وهو اعتقاد قد يتعزز في عام 2024، وهو عام الانتخابات الرئاسية”. وأضاف المندوب، الذي لم تكشف رويترز هويته، “وإذا لم يعتقدوا أن ذلك في مصلحتهم فإن ذلك سيضعف إلى حد ما دور منظمة التجارة العالمية”.

وأوضح أن “العامليْن اللذين جعلا المؤتمر الوزاري الثاني عشر صعبا سيجعلان المؤتمر المقبل صعبا، وهما العرقلة الهندية واللامبالاة الأميركية”. وتؤكد منظمة التجارة العالمية أن العالم يحتاج إلى توجه متجدد نحو التكامل، أو ما تسميه إعادة العولمة، لمواجهة تحديات تغير المناخ والفقر.

وتشير المنظمة إلى أن 75 في المئة من تجارة السلع لا تزال تعتمد على شروط تعريفة منظمة التجارة العالمية التي يفرضها الأعضاء على بعضهم البعض. وقالت المديرة العامة نغوزي أوكونغو إيويالا “إذا أخذنا ذلك جانباً، فسنواجه الفوضى وما قد يصبح نظاماً قائماً على السلطة بدلاً من النظام القائم على القواعد”.

10