التبرعات مساحة نادرة للسعوديين للتضامن مع الفلسطينيين

الرياض - أطلقت السعودية الخميس حملة لجمع تبرّعات للفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، ما يشكّل مساحة نادرة للسعوديين للتعبير عن تضامنهم، بعد نحو شهر على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس. وتحاول المملكة تحقيق توازن بين موقفها التقليدي الداعم للقضية الفلسطينية واهتمامها بمصالحها والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" عن المشرف على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عبدالله الربيعة قوله “هذه الحملة الشعبية تأتي في إطار دور المملكة التاريخي المعهود بالوقوف مع الشعب الفلسطيني الشقيق". وشنّت حركة حماس هجومًا غير مسبوق في تاريخ إسرائيل تسللت خلاله إلى مناطق إسرائيلية، وتسبب بمقتل قرابة 1400 شخص قضوا في اليوم الأول للهجوم، وفق السلطات الإسرائيلية.
وتردّ إسرائيل مذاك بقصف مدمر على قطاع غزة حيث قُتل أكثر من تسعة آلاف شخص، معظمهم مدنيون وبينهم أكثر من 3600 طفل، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحركة حماس. ويخضع القطاع الفلسطيني منذ التاسع من أكتوبر “لحصار كامل” من إسرائيل يشمل قطع إمدادات المياه والغذاء والكهرباء، ويتخذ الوضع الإنساني أبعادا كارثية بالنسبة للسكان البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.
وأعلن الربيعة في تصريح لقناة “الإخبارية” الرسمية أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز تبرّع بثلاثين مليون ريال سعودي (حوالي 8 ملايين دولار)، فيما قدّم ولي العهد عشرين مليون ريال سعودي (حوالي 5.3 مليون دولار) إلى الحملة. وفي وقت أصدرت الرياض بيانات تنديد وتعلن عن بذل جهود دبلوماسية لمحاولة التهدئة، لم يظهر بشكل واضح تضامن الرأي العام مع الفلسطينيين، على الأرجح نتيجة القيود المفروضة على حرية التعبير.
وبخلاف دول عربية عدة، لا تسمح السعودية بتنظيم تظاهرات. كما أن التعبير عن مواقع التواصل الاجتماعي هو أيضا محفوف بالمخاطر في المملكة حيث يصدر القضاة بشكل منتظم أحكاما قاسية على أشخاص نشروا محتوى ينتقد السلطات. ونشر نادي الهلال السعودي، الأكثر شعبية في المملكة، صورة على منصة إكس تظهر لاعبه علي البليهي بـ”الكوفية” الفلسطينية. وقد لاقى المنشور تفاعلا كبيرا من أنصاره، قبل أن يُحذف بعد دقائق قليلة.
واضطرت شخصيات رياضية قامت بإعادة نشر الصورة إلى الاعتذار. وكتب الصحافي الرياضي أحمد العجلان “أعتذر عما بدر مني من نشر تغريدات لها علاقة بالأمور السياسية في رياضتنا الحبيبة”. وفي حين تُقرع طبول الحرب في غزّة، أطلقت السعودية “موسم الرياض” الذي يضم سلسلة فعاليات ترفيهية احتفالية ضخمة، ونظمت أسبوعا للموضة، وهو ما فهمه سعوديون بأنه رسالة لإبقائهم بعيدين عن الأحداث.
وأبدى علي (32 عاما)، وهو موظف حكومي فضّل إعطاء اسمه الأول فقط لحساسية الأمر، “عدم فهمه” لموقف الحكومة من عدم إيقاف الفعاليات الترفيهية. وتابع لوكالة فرانس برس “لا يمكننا الحديث عن دعم فلسطين علنا”. وأضاف “اعتدت أن أدفع من مصروفي لدعم الفلسطينيين أثناء الانتفاضة قبل عشرين عاما، الآن تم إسكاتنا ولا يمكننا حتى كتابة منشور داعم على مواقع التواصل”.
وجاء التصعيد بين إسرائيل وحماس بعد أيام فقط على زيارة وزيرين إسرائيليين إلى الرياض للمشاركة في مؤتمرات دولية، في أول زيارتين علنيتين إلى المملكة، فيما تبارى قبلهما بأسابيع قليلة لاعبون من الدولة العبرية في مسابقة إلكترونية لكرة القدم في العاصمة السعوديّة. ولم تنضم السعودية بعد إلى اتفاقيات أبراهام التي شهدت تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
ولطالما شدّدت الرياض على أنّ تحقيق ذلك يتوقف على تطبيق حلّ الدولتين مع الفلسطينيين وعلى تسوية عادلة لقضية اللاجئين. لكن ولي العهد السعودي اكتفى في حديثه إلى “فوكس نيوز” قبل شهرين بالإشارة إلى “أهمية القضية الفلسطينية” بالنسبة للمملكة.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة تولين الأميركية أندرو ليبر أن “هناك تركيزا كبيرا في ظل القيادة السعودية الحالية على الهوية الوطنية أولا وقبل كل شيء". وتابع أنّ الحكومة السعودية "لا تريد توجيه المشاعر المؤيدة للفلسطينيين بطريقة يمكن أن تقيدهم في المستقبل إذا اختاروا مواصلة التطبيع".
وكانت السعودية على مقربة من تطبيع تاريخي لعلاقتها مع إسرائيل قبل أنّ يشن مقاتلو حماس هجومهم المباغت مطلع الشهر الماضي، ما دفع بالرياض إلى تعليق المباحثات التي كانت تجري برعاية أميركية. والسبت الماضي، انطلقت الألعاب النارية في أجواء احتفالية إيذانا بانطلاق “موسم الرياض"، وهو ما وضع السعودية في مرمى انتقادات لاذعة على مواقع التواصل.
وكتب المصور الفلسطيني معتز عزايزة، الذي يتابعه 11 مليون شخص على إنستغرام، في منشور على منصة إكس الأربعاء "مشاهد الحفل في الرياض السعودية مخزية. نحن نموت هنا، نحن نصرخ. دماؤنا تسيل بطرق بشعة". لكنّ رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل شيخ دافع عن استمرار الموسم الترفيهي، مشددا على أن "السعوديين مشغولون بتطوير بلدهم".
وكتب على حسابه على موقع فيسبوك “سنة 1967 عندما احتُلت دول لم يتوقف أي شيء، وعند حرب لبنان لم يتوقف أي شيء، وعندما حاربت بلدي سبع سنوات لم يتوقف فيها شيء". لكنّ الحرب بين إسرائيل وحماس أرخت بظلالها على مؤتمر للاستثمار عقد الأسبوع الماضي في الرياض حيث حذّر مسؤولون في قطاع المصارف الدولي من أنها قد توجه ضربة قوية للاقتصاد العالمي.
وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال مشاركته في جلسة حوارية "قبل 7 أكتوبر، حدث الكثير من التهدئة ما جلب الكثير من الأمل للمنطقة، ولا نريد أن تعرقل الأحداث الأخيرة ذلك". وتقول جميلة (28 عاما)، وهو اسم مستعار لمدربة لياقة بدنية سعودية، "أحزن عليهم (الفلسطينيين) ومن الممكن أن أتبرّع لهم، لكن لا يمكننا إيقاف حياتنا".