التبذير الغذائي لدى العائلات التونسية إشكال حقيقي

تونس - قال المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية إنّ الأسرة التّونسية الواحدة تبذر قرابة 5 بالمئة من النفقات الموجهة للغذاء وتصل النسبة إلى 16 بالمئة بالنسبة لمادة الخبز و10 بالمئة بالنسبة لمشتقات الحبوب (المعكرونة والكسكسي) و6 بالمئة بخصوص الخضر.
وأشار بن جازية على هامش انطلاق أعمال ملتقى صياغة الميثاق الوطني، إلى أنّ الدراسة التي أعدّها المعهد بتمويل من المنظمة الأممية للأغذية الزراعية “فاو”، توصلت إلى أن التبذير الغذائي في تونس، إشكال حقيقي تبرهن عليه كل الأرقام والمؤشرات.
واعتبر أن الحد من التبذير الغذائي في تونس يتطلب، لا فقط تطوير وعي المستهلك، بل أيضا تجنيد طاقات كل المتدخلين من مؤسسات صناعية وتجارية وهياكل مهنية ومجتمع مدني ومطاعم خاصة ومدرسية وجامعية ونزل ومساحات تجارية كبرى.
وأفاد بن جازية بأنه يتم إلقاء 680 ألف قنطار من الخبز بقيمة 100 مليون دينار، أي أكثر من 10 بالمئة مما تنتجه المخابز، سنويا، في سلّة المهملات، في حين يقع إتلاف قرابة 12 بالمئة من المأكولات التي تعدها النزل و16 بالمئة من تلك التي تعرض في المطاعم الخاصة، كما تعرف مواد غذائية في المساحات التجارية الكبرى بقيمة 2.8 مليون دينار، نفس المصير.
وأوضح بن جازية أن استهلاك الخبز خلال شهر رمضان يرتفع بنسبة 25 بالمئة بالمقارنة مع الأشهر العادية. كما أقر بارتفاع ظاهرة تبذير الخبز في البلاد.
وأشار إلى أن تنامي ظاهرة التبذير يعود أيضا إلى غياب ثقافة الرسكلة لدى المستهلك التونسي. وذكر أن المعهد سبق وأن قدم بعض المأكولات بالاستعانة بطباخ انطلاقا من الخبز الذي مضت عليه 24 ساعة وغير المستعمل.
وأضاف أن الكميات غير المستهلكة من الخبز يقع إلقاؤها كفضلات أو تعطى كعلف للحيوانات مما يشكّل ضررا اقتصاديا كبيرا باعتبار أنّ الفارينة مادة مدعمة، وضررا بيئيا إذ أنّ 68 بالمئة من الفضلات المنزلية هي عضوية ويقع فقط رسكلة 5 بالمئة، مشيرا إلى أنّ التبذير ليس من عاداتنا التونسية وقيمنا الدينية.
وذكر أن التبذير الغذائي لا يقتصر على الأسر بل يشمل العديد من المؤسسات العمومية والخاصة كالمطاعم الجامعية والمدرسية والمستشفيات والمطاعم الخاصة والمساحات التجارية الكبرى والمؤسسات السياحية أين يُسجَّل تبذير كبير.
التبذير الغذائي لا يقتصر على الأسر بل يشمل المؤسسات العمومية والخاصة كالمطاعم الجامعية والمدرسية
وكشف بحث سابق للمعهد أنجز في 2016 حول “التبذير الغذائي في تونس” -أجري على عينة تتكون من حوالي ألفي مستهلك حسب خصائص الجنس والعمر والتوزيع الجغرافي- أنه على مستوى سلوكيات الاستهلاك والتسوّق كأحد أسباب التبذير الغذائي، في أغلب الأوقات، توكل مسؤولية مشتريات المنزل إلى شخص واحد، حيث أن الأب أو الأم هما المسؤولان الرئيسيان؛ الأب بنسبة 42 بالمئة، تليه الأم بنسبة 39 بالمئة مقابل 13 بالمئة من الحالات يتقاسم فيها أكثر من شخص هذه المهمّة.
وبالنسبة لتواتر مرات اقتناء المواد الغذائيّة المعلّبة والجافّة فإنّ التزوّد مرّة واحدة في الشهر هو الغالب على سلوك أُسَرِ المستجوبين بنسبة 31 بالمئة يليه التواتر بمرة واحدة في الأسبوع بنسبة 25 بالمئة، مقابل تزوّد يومي في حدود 11.4 بالمئة من الحالات و15.3 بالمئة عند الضرورة.
وتناهز الميزانية الشهريّة المخصصة للنفقات الغذائية في المعدّل 364 دينارا، غير أنّ ثلث الأسر التّونسية تخصّص أكثر من 400 دينار لهذا الغرض و22 بالمئة من الأسر لا تتجاوز 200 دينار.
وكشف البحث أن نسبة 6.3 هو معدل عدد أيام طهي الأكلات في الأسبوع، ومردّه أن حوالي 80 بالمئة من الأسر تطهو بوتيرة يومية مقابل 7.1 بوتيرة 4 أيام. ويبدو مقبولا لدى التونسيين استهلاك المأكولات المتبقّية، حيث أفاد ما يقارب 60 بالمئة من المستجوبين بأنّهم يستهلكون منها بمعدّل مرة واحدة إلى ثلاث مرات في الأسبوع، مقابل 25 بالمئة لا يقومون بذلك أبدا.
كما أكد البحث أن نصف الأسر التونسية لا تستعمل قائمة في المشتريات عند التسوّق، مقابل 41 بالمئة مواظبون على ذلك، مشيرا إلى أن أغلب التونسيين يتعاملون بعقلانية مع مضمون الإشهار والتخفيضات. واعتبر أكثر من 70 بالمئة من المستجوبين أن مستوى التبذير الغذائي في تونس مرتفع، مقابل حوالي 20 بالمئة يرونه مقبولا و6 بالمئة يرونه ضعيفا.
وصرّح المستجوبون بأن ترتيب إلقاء فواضل المأكولات أو المواد الغذائية المستهلكة كان على النحو التالي؛ الخبز ثم الحبوب والعجين، فالخضر تليها الغلال ثم اللحوم والحليب ومشتقاته. وفي ردودهم حول موقفهم من ظاهرة التبذير الغذائي، أجمع المستجوبون تقريبا على أنّها تمثّل مشكلة كبيرة لا بدّ من تجنّبها قدر الإمكان، غير أنهم ينقسمون في اعتبارها ظاهرة عادية موجودة في جميع البلدان ومشكلة لا يمكن القضاء عليها نهائيّا.
وأوضح البحث أن أبرز أسباب التبذير الغذائي في مستوى الاستهلاك هي الشراء بكميات تزيد على الحاجة، وسوء حفظ الخضر والغلال واللحوم والحليب ومشتقاته، أو ما يتم طبخه، والطبخ بكميات تزيد عن الحاجة، وسوء فهم التأشير الغذائي للمنتجات كتاريخ الصلوحية والمكونات، واختلاف الرغبات الاستهلاكية داخل الأسرة، وتوزع عملية التزود بالحاجيات المنزلية على أكثر من طرف داخل الأسرة.
وفي وقت سابق ذكرت دارين الدوقي -مديرة التحليل واختبارات المقارنة بالمعهد الوطني للاستهلاك- أنّ التجارب الدولية في مجال الحدّ من التبذير ارتكزت على سن قوانين في الغرض على غرار التجربة في فرنسا وإيطاليا والتي تمنع رمي الأكل وتحظر وضع مادة الجافال في الأكل وتقر بضرورة استهلاك الأكل من قبل الإنسان أو استعماله لإنتاج الطاقة وفي الصين نظموا حملة “أكمل صحني”.
وشدد مختصون على ضرورة إيجاد حوافز وإرساء ثقافة الاستهلاك منذ رياض الأطفال.