التباينات حول الوزارات السيادية تعرقل إعلان الحكومة السودانية الجديدة

رئيس الحكومة عبدالله حمدوك مكبل بالمحاصصة التي أفرزها اتفاق السلام.
الأربعاء 2021/01/13
بناء سودان جديد قد يطول

تواجه جهود تشكيل حكومة سودانية جديدة عدة مطبات في ظل تباينات حول نسب التمثيل بين القوى السياسية والعسكرية. ويتخوف السودانيون من أن تفرز النقاشات حكومة موسعة ومتنافرة غير قادرة على تحمّل أعباء الفترة الانتقالية الثانية.

الخرطوم – تشهد مشاورات تشكيل الحكومة السودانية الجديدة حالة من الشد والجذب بين قوى سياسية متعددة، ما أدى إلى تأجيلها أكثر من مرة.

وأدّت خلافات السلطة الانتقالية إلى بلوغ عدد الحقائب 26 حقيبة من أجل الوصول إلى تمثيل متوازن بين قوى الحرية والتغيير وأطراف السلام والمجلس العسكري، لإعلان التشكيل بعد أيام.

وكانت اللجنة المركزية لتحالف قوى الحرية والتغيير عقدت اجتماعا، الاثنين، للتباحث حول الأسماء التي رشحتها اللجنة الفنية التابعة للتحالف قبل إرسالها إلى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، بحثاً عن المزيد من التوافق بين الكتل الرئيسية على الأسماء المرشحة في 17 وزارة تمثل حصة التحالف في الحكومة الجديدة.

وقالت مصادر من قوى الحرية والتغيير، لـ”العرب”، “هناك عدد قليل من الوزارات تجري مشاورات بشأن المرشحين لها لتضييق دائرة الاختيار والتوصل إلى مرشح أو اثنين لكل وزارة، ما يدعم إمكانية الإعلان عن الحكومة الجديدة في أقرب فرصة”.

نورالدين صلاح الدين: توافق حول حصول الجبهة الثورية على سبع حقائب وزارية
نورالدين صلاح الدين: توافق حول حصول الجبهة الثورية على سبع حقائب وزارية

وأكدت قوى الحرية والتغيير أن الحكومة ستخرج إلى النور خلال الأسبوع الجاري، فور عودة رئيس الحكومة من رحلة علاج في الخارج، غير أن حدوث ذلك صعب، لأن حمدوك لم يناقش بعد ترشيحات القوى المدنية والجبهة الثورية، ولم تحسم الاستجابة لمطالب الحركات المسلحة بوجود ممثلين لها كنواب للوزارات السيادية.

وكشفت مصادر سودانية مطلعة على صلة بعملية المشاورات، لـ”العرب”، أن الجبهة الثورية طرحت مشاركة قيادييها في وزارات سيادية، مثل الدفاع والداخلية، وهي مخصصة للمجلس العسكري، إلى جانب جهاز المخابرات العامة، على أن يكونوا في مواقع قيادية أو نواب وزراء، بما يساهم في منح الثقة لأبناء الهامش تجاه ملف الترتيبات الأمنية الذي من المقرر البدء في تنفيذه مع خروج الحكومة إلى النور.

وأضافت المصادر ذاتها، أن المكون العسكري ما زال متحفظاً على هذا الطلب، ويُرجع ذلك إلى وجود لجان مشتركة بالفعل بين الجيش السوداني والحركات المسلحة ستكون مهمتها الأساسية الإشراف على ملف الترتيبات الأمنية، الذي يتشكل من قوى عسكرية مشتركة بين عناصر الحركات المسلحة والقوات الحكومية.

ويرى مراقبون أن نجاح الحركات المسلحة في الحصول على المزيد من المكاسب في مفاوضات السلام التي استغرقت أكثر من عام للتوقيع عليها دفعها إلى الاستمرار في نهجها لتكرار الأمر مع الحكومة الجديدة.

وظهرت ملامح ذلك في تصريحات عدد من قيادييها، الذين يؤكدون دوما على ضرورة أن تأخذ المشاورات وقتها للوصول إلى توافق، لكن ذلك لن يكون مقبولاً من الناحية السياسية والشعبية في ظل صعوبة الأوضاع المعيشية.

ولا يعّول الكثير من السودانيين على الحكومة الجديدة، لأن طريقة تشكيلها تعتمد على سعي الكتل الرئيسية في السلطة إلى الحفاظ على حضورها دون وجود رؤى تختلف عن رؤى سابقتها، وربما تكون أكثر عرضة للانتقادات بعد خروج قوى فاعلة من التحالف الحكومي، منها الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين.

وأشار القيادي في قوى الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين، لـ “العرب”، إلى وجود توافق على أن تحظى الجبهة الثورية بتمثيل على رأس سبع وزارات، دون الحديث عن تعيين نواب لهم في الوزارات السيادية، والأمر يخضع للمواءمات بين الحركات المسلحة والجيش، في ظل سعى الأولى لدعم حظوظها في الهامش وضمان إنزال الاتفاق على الأرض.

وتمسكت الجبهة الثورية، التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية، بتمثيل قيادييها في الوزارات التي قالت إن لها علاقة وثيقة بتنفيذ اتفاق السلام، والوزارات الاقتصادية، لأهميتها في توفير الموارد الكافية التي تمكنها من تنفيذ الاتفاق.

وقضى الاتفاق بينها وبين قوى الحرية والتغيير على منحها وزارات: المعادن، الحكم الاتحادي، المالية، الثروة الحيوانية، التربية والتعليم، التنمية الاجتماعية، البنى التحتية.

كمال الجزولي: استكمال هياكل الحكم بحاجة إلى معجزة
كمال الجزولي: استكمال هياكل الحكم بحاجة إلى معجزة

وأوضح نورالدين أن حزب الأمة القومي سيكون ممثلاً داخل الحكومة بثلاث إلى أربع وزارات، إضافة إلى وزير الأوقاف والشؤون الدينية نصرالدين مفرح الذي سيظل محتفظاً بمنصبه، وهناك تنافس لم يحسم بين حزب الأمة والحزب الاتحادي الموحد على منصب وزير الخارجية.

وسيكون تمثيل حزب المؤتمر السوداني بين وزارتين وثلاث وزارات، وباقي الوزارات المخصصة لقوى الحرية والتغيير ستوزع على الكتل إلى جانب أن رئيس الوزراء لديه رؤية بشأن الحقائب التي بحاجة إلى مهنيين بعيداً عن الأحزاب السياسية.

وتبدو مهمة عبدالله حمدوك أكثر صعوبة في التعامل مع الحكومة الجديدة، فقد ضمت الحكومة الحالية قياديين لديهم تقارب مع الحزب الشيوعي ويميلون إليه أيديولوجيا، الأمر الذي لن يكون متاحاً في الحكومة المنتظر التي تستحوذ على غالبية مقاعدها قيادات الأحزاب اليمينية والوسطية والحركات المسلحة، ما قد يكون سبباً للمزيد من التباطؤ، وهي سمة أساسية تنخر جسم الحكومة في تعاملها مع المشاكل الداخلية.

وذهب متابعون إلى التأكيد على أن حمدوك سيكون مكبلاً بالمحاصصة التي أفرزها اتفاق السلام، وتنعكس على تشكيل الحكومة الجديدة، وقدرته على الحركة لاختيار عناصر مهنية محدودة، وقد يضطر للإبقاء على بعض الوزراء في مناصبهم، مثل وزارتي النقل، والري والموارد المائية، ويتولى قيادتهما وزيران حظيا بترشيح تجمع المهنيين.

وقال المحلل السياسي كمال الجزولي إن استكمال هياكل الحكم بحاجة إلى معجزة للوصول إلى التوافق بين أطراف السلطة، لأن الدائرة اتسعت وأضحى هناك حضور قوي للحركات المسلحة التي لديها مصالح مختلفة، وليس من السهل إرضاء الجميع، وقد يواجه شركاء المرحلة الانتقالية انشقاقات تضاعف صعوبة تسليم السلطة.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الثروة السودانية بوجه عام تمر بظروف معقدة للغاية، وهناك تراكمات سياسية بين القوى الحاكمة لم تجد طريقها إلى الحل بعد، وثمة جهات عديدة ترى أنها لا بد أن تكون شريكة في كل القرارات المتعلقة بإدارة الدولة، ما يؤثر على التفاعل بجدية مع أزمات السودان.

وتشير بعض المعطيات إلى أن العديد من السياسيين رسبوا في اختبار المحاصصة، بعد أن كان من المقرر إعطاء فرصة للمهنيين لتصدر المشهد التنفيذي، كما أن التوقيع على اتفاق السلام بطريقة قامت على توزيع المناصب يؤدي إلى المزيد من التعقيدات التي تؤثر على مصير المرحلة الانتقالية، وقد تخرج جميع الأطراف خاسرة، إذا قرر المكون العسكري التصرف بطريقته الخاصة.

2