التأهيل يفتح نافذة لشباب الصومال للهروب من الجهاديين

الفقر والبطالة وانعدام الأمن وفقدان الشعور بالإنسانية، جميعها تشكل وصفة مثالية بالنسبة لحركة الشباب الصومالية لاستقطاب المقاتلين اليافعين داخل البلاد وخارجها، مرفقة بوعود تطبيق الشريعة الإسلامية، قبل أن يكتشف هؤلاء أنهم وقعوا في فخ أكبر، فيحاولون تلقف أي فرصة للهروب.
مقديشو – انتمى أحمد إلى حركة الشباب الصومالية وهو في السادسة عشرة من عمره، مدفوعا بوعود تطبيق الشريعة الإسلامية والدين الحق، ثم احتاج 8 سنوات كي يخرج منها، فيما بقيت الكوابيس تطارده حتى اليوم.
ويقول أحمد (وهو اسم مستعار) “ينضم الناس إلى الحركة لأسباب دينية، يقولون لهم إنهم يطبقون الشريعة الإسلامية، لكن هذا غير صحيح في الحقيقة إنهم يقتلون أبرياء، لقد قتلوا أيضا مسلمين في هجماتهم، عندئذ قررت الانفصال عن الجماعة”.
ويحصل أحمد مع غيره من المنشقين عن الحركة المصنفة إرهابية، على دعم في مركز إعادة التأهيل في بيدوا، جنوب الصومال، وتساهم التجربة المشتركة لهؤلاء وقضاء وقت الفراغ بشكل جماعي في التخلص من آثار الأحداث التي عايشوها مع الحركة، لكن العديد منهم مازالوا يعانون من الكوابيس، ويحاولون فهم كيف كانوا مستعدين لارتكاب عنف وحشي.
ويتابع أحمد “يمكننا التحدث عن أخطائنا الكثيرة والتشاور مع بعضنا كيف يمكننا تجنب الضلال مرة أخرى، والاستمرار على الطريق الصحيح، من أجل الصومال”. ويؤكد “آمل في التمكن من خدمة بلادي والشعب الذي أنتمي إليه”.
ويسعى أحمد إلى مساعدة المجتمع عبر المؤهلات الجديدة التي يتعلمها في المركز، كما يأمل أن يتعلم الآخرون من أخطائه وألا ينتموا أبدا لحركة الشباب.
فحص المنشقين
بموجب الإجراءات الحالية، يتم فحص المنشقين عن حركة الشباب من قبل الوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميسوم)، ومن ثم يتم تصنيف كل منهم على أنه إما “عالي المخاطر” أو “منخفض المخاطر”.
ويحصل المقاتلون منخفضو المخاطر على إعادة التأهيل والتدريب على المهارات، أما الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم، فيمكنهم الرحيل “إذا كان ذلك مقبولا من قبل المجتمعات المحلية”.
ويشكل الأفراد الذين يتم تصنيفهم عاليي المخاطر معضلة وحجر عثرة بالنسبة للمقاتلين الآخرين، إذ يعتبرون نخبة المقاتلين الأقوياء، وغالبا لا تشعر الوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن بأنهم يستطيعون خوض عملية إعادة التأهيل، بل ينبغي عليهم الخضوع لعملية قضائية.
لكنّ المقاتلين السابقين يؤكدون أن حركة الشباب تستطيع تعويض المقاتلين المنشقين بسهولة، فهي تجذب الكثير من اليافعين من الأحياء الفقيرة عبر إغراءات مالية وتلبية الشعور بالانتماء لجماعة محددة.
ومنذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991، ولنحو ربع قرن، عانى الصومال من فوضى واضطراب أمنيين واقتتال قبلي وفساد وتدخلات أجنبية وأزمات جوع متكررة، دفع الشباب الثمن الأكبر منها، وانعكس ذلك بشكل كبير على ارتفاع مستويات البطالة.
يبلغ معدل البطالة في الصومال بين الشباب من سن 14 إلى 29 سنة نحو 67 في المئة، في بلد تتجاوز نسبة شبابه 70 في المئة وهو أحد أعلى المعدلات في العالم، ويشكل عاملا رئيسيا لانزلاق الشباب نحو النافذة الوحيدة المفتوحة أمامهم وهي حركة الشباب. ويؤكد أحمد أن التأهيل والتدريب يشكلان سدا بمواجهة محاولات حركة الشباب لاستقطاب المقاتلين.
وأتيحت الفرصة للمئات من الشباب الصوماليين لإعادة التأهيل والتطوير الشخصي من خلال الأنشطة التعليمية والتكامل الاقتصادي والتدريب على القيادة، بمبادرة من منظمة “وحدة حماية المدنيين النسائية”، وهي جزء من مشروع أمان المجتمع التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقامت المنظمة بمساعدة الكثير من الشباب الذين تقطعت بهم السبل في تغيير حياتهم. وتعمل أيضا مع برنامج شباب من أجل التغيير وهو مبادرة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونيسف ومنظمة العمل الدولية، بهدف مساعدة الشباب الصوماليين المرتبطين بجماعات مسلحة على نبذ العنف من خلال توعيتهم بالآثار السلبية للصراعات والعنف على بلدهم.
ويقدم هذا المشروع الذي أُنشِئَ في عام 2011 للشباب فرص إعادة التأهيل والتطوير الشخصي من خلال أنشطة تعليمية وإعادة التأهيل الاجتماعي والتكامل الاقتصادي والتدريب على القيادة. وتمول البرنامج حكومة اليابان التي تبرَّعَت بمبلغ 12 مليون دولار أميركي ما بين عامي 2011 و2013.
وعلي (22 عاما) هو أحد الشباب الذين تلقوا الدعم من المنظمة، حيث توفي والداه في أحد التفجيرات، وتحول بين ليلة وضحاها إلى مسؤول عن ثلاثة أخوة صغار والمعيل الوحيد لهم، باعتباره الابن الأكبر، ونجح في الحصول على وظيفة في نقطة تفتيش أمني، يكسب منها ما يكفي من المال لإطعامه مع أخوته الصغار.
وساهمت المنظمة في تغيير حياة علي الذي اتجه للمخدرات بسبب الإحباطات المتتالية، وفقدان أحلامه في احتراف رياضة كرة القدم.
فرصة للحياة
تخرج من برنامج شباب من أجل التغيير حوالي 1650 شابا، تعلموا فيه الكثير عن بناء السلام والحكم، وشارك علي من خلاله في فصول دراسية في الفن والدراما والقرآن الكريم، فضلا عن ممارسة الرياضة. وقد تسلح أولئك الشباب أيضا من خلاله بالمهارات الحرفية، وتعلَّم علي المهارات التي يحتاجها لكي يصبح ميكانيكيا، وهو ما سيوفر له دخلا ثابتا.
ويقول علي “إن أكثر الأشياء إمتاعا في البرنامج فرصة لعب كرة القدم مرة أخرى”، حيث وجد شغفه القديم، ويضيف “جريتُ أميالا لاستعادة لياقتي، لأنني كنت مدخنا شرها من قبل. لقد أقلعت عن ذلك كله وركزت على أن أصبح أعظم لاعب كرة قدم في مقديشو”.
وبدأ الأسبوع الماضي “المعرض الصومالي للإبداعات”، أحد أبرز منافذ اكتشاف المواهب الفنية والتقاط الأفكار التجارية، بغية استثمار طاقات الشباب في المجالات الثقافية والفنية والتجارية.
ويسعى القائمون على هذا المعرض السنوي إلى إيجاد بيئة تشجع الشباب على استثمار مواهبهم وأفكارهم وصرفهم عن الصراعات الداخلية التي لا يزالون يدفعون ثمنها.
نقطة تحول
وفق سياد محمود شري، المشرف العام على المعرض الذي أقيم يومي 19 و20 فبراير الجاري، فإن الفعالية تمثل نقطة تحول بالنسبة للشباب، من خلال تشجيعهم وإثارة طاقاتهم الكامنة لتقديم مواهب وأفكار بما يعود بالنفع على الشباب وبلدهم.
وقال شري إن المعرض ركز خلال العام الجاري على ثقافة الإبداعات، بمشاركة المئات من الشباب وأكثر من 20 شركة محلية، بينها شركات ناشئة تأسست بفضل إبداعات شباب صوماليين.
وأشرفت على تنظيم المعرض للعام الثاني على التوالي، لجنة شبابية مستقلة من خريجي جامعات بالتعاون مع بلدية مقديشو.
وضمت النسخة الثانية زوايا عديدة متباينة، تمثلت في الإبداعات الثقافية والفنية، ومنها الغناء والرسم والكتابة، إضافة إلى الأفكار التجارية المميزة.
وبشكل عام، يهدف معرض الإبداعات إلى تنمية مواهب وأفكار الشباب، وإيجاد فرص عمل لهم من خلال دعم مشاريع تجارية صغيرة، للمساهمة في تقليص نسبة البطالة.
وقالت بسمة عامر أحمد، مساعدة عمدة مقديشو للسياسة والشؤون الاجتماعية، إن نسبة البطالة المقلقة أثرت سلبا على حياة الشباب وإبداعاتهم.
وأضافت أن المعرض شكّل وسيلة لدفع الشباب إلى أحضان الثقافة والإبداع، بعيدا عن المشكلات التي قد تخلق البطالة. وتابعت “بلدية مقديشو تعمل بكل طاقاتها على توفير فرص عمل للشباب، عبر دعم مشاريع تجارية ومواهب وإبداعات، للمساهمة في تكوين شباب يحملون همّ وطنهم ويساهمون في استقراره”.
ووفرت بلدية مقديشو العام الماضي ألف فرصة عمل للشباب، في محاولة لدمجهم في المؤسسات الحكومية وتقليص نسبة البطالة في بلد يبلغ عدد سكانه قرابة 12 مليون نسمة.
وشهد المعرض مشاركة قوية من جهات مانحة وشركات وبنوك محلية، بهدف دعم الأفكار التجارية المتميزة، عبر تقديم قروض لمدة تتراوح بين سنة وسنتين، للمساهمة في إيجاد فرص عمل للعشرات من الشباب.
وقالت الفنانة التشكيلية فاطمة أويس إن مشاركتها في المعرض تعزز عزمها على تطوير موهبتها في الفن التشكيلي.
وأضافت أويس، وهي تبحث عمن يدعم موهبتها، “أنا سعيدة للغاية لمزاحمتي الرجال في هذا الفن الذي كان حكرا عليهم، ليعرف الجميع أن المرأة تشارك في جميع مناحي الحياة”.وعرضت فاطمة خلال المعرض صورا تعبر عن المأساة التي مر بها الصومال، وجانبا من الحياة الاجتماعية وصور قادة البلد، في محاولة لوضع أناملها في جميع زوايا الحياة الصومالية.
وتخللت المعرض ورشات عمل شارك فيها شباب موهوبون عرضوا نماذج من إبداعاتهم وتحدثوا عن كيفية تطويرها وناقشوا مع الجمهور حيثيات الأفكار التي تم عرضها.
وقال زكريا حاج عبدي، نائب في مجلس الشعب (البرلمان)، إن المعرض أثار حماسة الحضور وأطلق طاقات الشباب، وحان الوقت للكشف عن جوانب الإبداع لدى كل فرد.
وشدد عبدي خلال المعرض على أن دعم تلك المواهب والأفكار قد يساهم في ازدهار البلد على أكتاف شبابه.
نسخة مكررة من داعش
مقديشو – ظهرت “حركة الشباب الإسلامية” أو “الشباب المجاهدين” الصومالية عام 2006 كذراع عسكرية لاتحاد المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على مقديشو وتهدف إلى فرض الشريعة.
وساهمت الحركة في مساندة المحاكم خلال معاركها ضد القوات الحكومية المدعومة بقوات إثيوبية اضطرت إلى الانسحاب في نهاية 2008، تاركة الساحة لقوات الاتحاد الأفريقي التي تمركزت على الخطوط الأمامية في الحرب ضد الإسلاميين.
وارتبطت بتنظيم القاعدة من خلال وساطة بعض مسؤولي خلايا التنظيم الدولي في شرق أفريقيا. واستمرت الصلة بين الشباب والقاعدة لغاية 2009 حين أعلنت الحركة الصومالية الولاء للقاعدة بشكل رسمي.
وتعتبر اليوم واحدة من أكثر الحركات الإرهابية نشاطا وخطورة في العالم، ويبلغ عدد مقاتلي الحركة ما بين 7 و9 آلاف مقاتل، من ضمنهم نحو ألف مقاتل أجنبي، من باكستان ودول عربية.
ووفقا للكثير من الدراسات، فإن حركة “الشباب” تعمل على استقطاب مقاتلين جدد خاصة أن القارة الأفريقية أصبحت من النقاط الساخنة التي قد تشهد انتشارا للتنظيمات الإرهابية وذلك بعد الضربات التي تعرض لها تنظيم “داعش” مؤخرا في سوريا والعراق، فقد استفادت الحركة من الخسائر الكبيرة التي تلقتها الجماعات الإرهابية وفرار الكثير من عناصرها.
ولدى الحركة مؤسسات إعلامية مثل “الكتائب” تنشر إصدارات تدعو فيها المقاتلين الصوماليين والأجانب للانضمام إليها، وتنتشر إصداراتها عبر المنتديات الإلكترونية التي تروج لأفكار مثل هذه التنظيمات، ولاحقا باتت الحركة تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تجنيد المقاتلين الأجانب.
وتتبع الحركة أساليب تنظيم “داعش” في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التعامل مع الأجانب، وتستهدف طلاب الجامعات والمدارس والشباب في جميع دول العالم. وأكد خبراء في الحركات الجهادية أن الحركة شهدت تطورا ملحوظا في أساليب الإصدارات المرئية والمسموعة ونشرها عبر منصات التواصل، كما كانت الدعاية المقدمة من الحركة تدور حول قضايا حماية الصومال من “الغزاة” الغربيين وحماية المرأة الصومالية من “الاغتصاب”.