التأهيل الجيّد سر تألق المدربين التونسيين عربيا وأفريقيا

ثلاثة مدربين ينافسون على لقبي دوري الأبطال وكأس الكونفدرالية.
الأحد 2021/06/06
حضور متميز للكفاءات التونسية

التألق اللافت الذي يحققه المدربون التونسيون عربيا وأفريقيا يرجعه خبراء كرة القدم إلى مستوى التكوين والتدريب الجيّدين اللذين يتلقاهما الفنيون في المدارس التأهيلية في تونس وخارجها، يعاضد ذلك فارق الخبرة ومعدل اشتغال هؤلاء قياسا بنظرائهم في بعض البلدان العربية والأجانب أيضا، وهو ما جعلهم يتفوقون في كل الدوريات التي انتسبوا إليها والأندية التي يشرفون عليها بدليل تواجد ثلاثة مدربين في نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا وكأس الاتحاد الأفريقي (الكونفدرالية).

 تونس - يتزايد الرهان على المدربين التونسيين في أغلب الدوريات العربية والذين تضاعفت أعدادهم في السنوات الأخيرة قياسا بالمستويات التي يقدمونها والأثر الإيجابي الذي تركوه في معظم البطولات المحلية والقارية. ويبرز أهم دليل على هذه المقاربة بتواجد ثلاثة مدربين في نصف نهائي مسابقتي دوري أبطال أفريقيا وكأس الاتحاد الأفريقي وهم على التوالي فوزي البنزرتي مدرب الوداد البيضاوي المغربي والأسعد الشابي مدرب الغريم التقليدي الرجاء، إضافة إلى مدرب الترجي التونسي معين الشعباني.

ويعود السرّ وراء هذا الإنجاز الذي حققه الفنيون التونسيون لأول مرة في تاريخ الكرة التونسية، بحسب محللين رياضيين وخبراء في كرة القدم، إلى الثقة الكبيرة التي أصبح يتمتع بها المدرب التونسي وقدرته على تحقيق نتائج إيجابية كلما تم الاستنجاد به لقيادة هذا النادي أو ذاك.

وأصبحت المدرسة التونسية المنافس الأول للعديد من الجنسيات الأوروبية التي اكتسحت معظم الدوريات العربية في السنوات الأخيرة. وفي المغرب أين وضع الرجاء البيضاوي رهانه على المدرب التونسي الأسعد الشابي منذ فترة قريبة والذي لم يسبق له تدريب أيّ من الرباعي الكلاسيكي القوي، فإن الروح سرعان ما عادت إلى هذا الفريق الذي بات يحقق نتائج إيجابية سواء محليا أو قاريا، حيث نجح المدير الفني التونسي في إعادة الفريق إلى الرهان على لقب الدوري المغربي وقاريا فقد دخل الفريق المربع الذهبي وبات منافسا قويا على اللقب القاري أيضا.

وتقريبا لا يكاد أي من الدوريات العربية الكبرى يخلو من الحضور التونسي في أعلى مستوى، حيث تقدم الأرقام الدليل على هذا المعطى بدءا بالمغرب مرورا بليبيا والجزائر ووصولا إلى الدوريات الخليجية التي يتركز العدد الأكبر من المدربين فيها. كما لا يمكن أن نغفل عن تواجد العديد من المدربين التونسيين الناجحين في أوروبا والذين يواصلون تألقهم في دوريات الدرجات الدنيا من الدوريات الكبرى على غرار اللاعب الدولي السابق للترجي ومنتخب تونس راضي الجعايدي وأيضا مهدي النفطي.

وقبل عام نشر مرصد كرة القدم تقريرا عن أبرز جنسيات المدربين خارج بلدانهم، فحلّ المدربون التونسيون في المركز الأول على الصعيد العربي، كذلك احتلوا المركز الـ21 في العالم، لجهة أكبر عدد من العاملين في بطولات أجنبية. وكان المنتخب التونسي قد راهن طوال مسيرته على المدربين المحليين الذين أثبتوا طوال مسيراتهم مستواهم الكبير في التدريب وتقديم كرة قدم مشرفة عربيا.

ومما تسجله الذاكرة الكروية لمنتخب تونس أن أول تأهل إلى كأس العالم اقترن بأول انتصار عربي وأفريقي عام 1978 في مونديال الأرجنتين وكان على حساب المكسيك 3-1، وكان المدرب عبدالمجيد الشتالي حينها على رأس القيادة الفنية لنسور قرطاج، فيما يعود آخر تأهل إلى عام 2018 وكان خلاله نبيل معلول هو من يتولى المقاليد الفنية للمنتخب، وقاد تونس إلى تحقيق أول انتصار بعد 40 عاما من الانتظار وكان ضد بنما 2-1.

مدرسة مطلوبة

يزداد الإقبال على المدرسة التونسية التدريبية بدليل وجود مدربين تونسيين على رأس أندية الوداد والرجاء، ذلك أنّ فوزي البنزرتي يعتبر من المدربين القلائل في العالم الذين نجحوا مع قطبي الكرة في المغرب. وكان الرجاء تعاقد مؤخرا مع الشابي نتيجة تألق هذا المدرب مع الاتحاد المنستيري محليا واقترابه من هزم الرجاء في كأس الكونفدرالية. وللفريقين مكانة خاصة في المغرب كما على الصعيد العربي ويعتبران من أفضل الفرق بشهادة أرقامهما.

 

إضافة إلى الأسماء التي تقود فرقا قوية، يقود نبيل معلول منتخب سوريا، وذلك بعدما درب منتخب تونس ومنتخب الكويت

ورغم ضمّ دوري نجوم قطر نخبة من أبرز مدربي العالم، فإنّ سامي الطرابلسي هو المدرب العربي الوحيد الذي صمد خلال السنوات الأخيرة، إذ حافظ على خطته في تدريب السيلية منذ 2013، وقاد هذا الفريق إلى نجاحات تاريخية. وقبل أربعة مواسم، انطلقت منافسات دوري نجوم قطر بوجود أربعة مدربين تونسيين هم ناصيف البياوي، وسامي الطرابلسي، وعادل السليمي وقيس اليعقوبي.

كذلك فإن حضور المدرسة التونسية في السعودية يعتبر قياسيا بما أنّ يوسف المناعي يواصل للعام الثاني تدريب نادي القادسية الذي قاده إلى العودة إلى دوري الأضواء، وسار على منوال عبدالرزاق الشابي الذي قاد نادي أبها إلى إنجازات غير مسبوقة خلال العام الماضي مع فريقه الذي صعد للمرة الأولى إلى الدرجة الممتازة. وخلال بداية موسم 2019 ـ 2020 كان أربعة مدربين تونسيين في خط الانطلاق للدرجة الممتازة السعودية، أي ربع المدربين تقريبا.

وتحضر المدرسة التونسية بأرقام قياسية في دوري الدرجة الأولى السعودية، إذ أن أكثر من نصف الفرق يقودها مدربون تونسيون من بينهم الحزم الذي يشرف عليه محمد دحماني وكان من أول الصاعدين إلى قسم النخبة. وانتقل المدرب ناصيف البياوي بين العديد من الدوريات العربية، ليحطّ الرحال أخيرا في الدوري الإماراتي، بما أنّه يقود نادي الفجيرة بعدما خاض تجارب سابقة في قطر والسعودية والبحرين.

ويعيش نادي وفاق سطيف الجزائري مرحلة زاهية منذ تعاقده مع نبيل الكوكي الذي ساعد الفريق على أن ينتقل من اللعب من أجل تفادي النزول إلى المنافسة على الألقاب. وتحول الكوكي إلى “مدرب ظاهرة” في الجزائر نتيجة النجاحات الكبيرة التي حققها، وقد سبق له العمل في السودان والبحرين من قبل، وحقق نجاحات كبيرة أيضا. ومنذ عودة الفرق الليبية إلى النشاط الرسمي هذا الموسم، فإن الإقبال على المدرسة التونسية ما انفك يتزايد إذ يتولى أنيس البوسعيدي الإشراف على السويحلي بعدما درّب جلال القادري الأهلي خلال بداية الموسم.

وإضافة إلى الأسماء التي تقود فرقا قوية، يقود المدرب نبيل معلول المنتخب السوري منذ قرابة عام وذلك بعدما تولى المهمة الفنية للمنتخب التونسي وكذلك المنتخب الكويتي وكان أيضا مدربا مساعدا لروجي لومار في 2004 حين توج المنتخب التونسي بأول لقب أفريقي على أرضه.

حضور مشرف

المدرسة التونسية أصبحت المنافس الأول للعديد من الجنسيات الأوروبية التي اكتسحت معظم الدوريات العربية في السنوات الأخيرة
المدرسة التونسية أصبحت المنافس الأول للعديد من الجنسيات الأوروبية التي اكتسحت معظم الدوريات العربية في السنوات الأخيرة

تقدم معظم هذه الأسماء الدليل على ميل الفرق العربية للتعامل مع المدربين التونسيين، ذلك أنّ الحضور التونسي يعتبر الأهم في مختلف الدوريات العربية الكبرى دون نسيان الأسماء التي تعمل في أوروبا مثل راضي الجعايدي أو مهدي النفطي. وتؤكد الإدارة الفنية التونسية التابعة للاتحاد التونسي لكرة القدم، أنّه يصعب حصر الأسماء التي تعمل خارج تونس، لكنّها تقدر عددها بأنه يقارب الـ800 مدرب بين المديرين الفنيين، ومدربي حراس المرمى، ومدربي اللياقة والإعداد البدني، ومدرسي الألعاب الرياضية.

يبدو واضحا أن مقولة “النجاح لا يقود إلا للنجاح” تتجسد على أرض الواقع لدى معظم الفرق العربية، فنجاح بعض الأسماء يرفع من أسهم المدرب التونسي ويشجع الفرق على التعاقد معه. فمدرب مثل فوزي البنزرتي يجد إقبالا لافتا من العديد من الأندية العربية الكبرى بما أنّه ينجح في كلّ محطة من محطاته، حتى أنه يوصف بـ”الرحالة” لكثرة تنقله بين الأندية.

ويفسر محللون وفنيون في كرة القدم أسباب الإقبال على المدرب التونسي إلى كونها تعود إلى مستوى تأهيله وتكوينه الجيدين، حيث يقوم الاتحاد التونسي بتنظيم دورات تكوينية متواصلة، بل إنّ عددا كبيرا من اللاعبين يحصلون على شهادات التدريب قبل نهاية تجربتهم الرياضية. وهذا التكوين لا يقتصر على تحصيل الشهادات العلمية، بل أيضا المشاركة في دورات خارجية عدة تساعد المدرب في كسب المزيد من المهارات.

ومعروف عن المدرب التونسي قوّته من الناحية التكتيكية من خلال السعي إلى فرض طريقة تتماشى مع خصوصية اللاعبين. فالمدرب “الرحالة” البنزرتي مثلا اشتهر عربيا بأنّه المدرب الذي يميل إلى فرض الضغط العالي على منافسه، وهي طريقة مكنته من معانقة النجاح في كلّ المحطّات التي مرّ بها. كذلك فإنّ انتشار معاهد الرياضة في تونس ساعد في تكوين أسماء عدة وبروزها، إلى جانب قدرة المدرب التونسي على التأقلم مع مختلف الدوريات، بالرغم مما تعيشه من صعوبات.

الخبرة والتكوين

 

لا يكاد أي من الدوريات العربية الكبرى يخلو من الحضور التونسي، حيث تقدم الأرقام الدليل على هذا المعطى بدءا بالمغرب مرورا بليبيا والجزائر

يحظى المدرب التونسي بالثقة في بلاده وعادة ما يتم الاستنجاد به عند الكوارث والأزمات التي يتسبب فيها عادة المدرب الأجنبي، وذلك قياسا بمستوى النتائج المهمّة التي تحققت للأندية والمنتخبات التونسية على يد مدربين تونسيين على فترات عديدة من تاريخ كرة القدم التونسية. ويرى الصحافي الرياضي مراد البرهومي أن المدرب التونسي دائما ما يتميز عن سواه من المدربين العرب أو الأجانب، لكن هذا لا يقلل من أهمية المدربين العرب الآخرين الذين يقودون أندية عربية كبيرة أو منتخبات بلادهم. لكن ميزة المدرب التونسي كونه يعرف كيف يشتغل، بلغة الكرة، أو كيف يحقق النجاح وبالتالي يحصد الألقاب.

وقال البرهومي في تصريح لـ”العرب” “المدربون التونسيون تربوا على ثقافة تحقيق الألقاب وهذا رفع رصيدهم داخل مختلف الدوريات العربية.. خذ مثالا فوزي البنزرتي الذي لا يزال مطلوبا في الدوري المغربي رغم كل التجارب التي خاضها ولم يحصد فيها ألقابا مع ناديي الرجاء أو الوداد.. خبرة المدرب تبقى دائما هي المقياس عند اتخاذ قرار التغيير”.

ويفسّر محللون وخبراء وناشطون في كرة القدم المردود اللافت للمدير الفني التونسي بعوامل عدة أولها الواقعية والنضج التكتيكي لغالبتيهم التي عادة ما تكون وراء تألقهم في المباريات الكبرى، والأهم من ذلك تأثرهم بالعديد من المدارس الكروية العريقة على غرار المدرسة الفرنسية والإسبانية وفي مرحلة أخرى الإنجليزية.

وتؤكد مصادر كروية مطلعة أن المدرب يمر بفترة تكوين في تونس يشرف عليها اتحاد كرة القدم تتبعها عمليات تأهيل في أوروبا بالاتفاق مع أندية كبرى خصوصا في فرنسا، وهذا ما يفسر مستوى الجاهزية والنجاح الكبير للعديد من اللاعبين القدامى الذين اختاروا التدريب كمهمة جديدة على غرار حسان القابسي أو عادل السليمي أو أنيس بوجلبان أو غيرهم الكثير.

22