البيشمركة درع كردستان العراق قوة تتشكل وسط تحديات المنطقة

تقرير المفتش الأميركي للكونغرس يبرز مرونة وتقدم إقليم كردستان ويسلط الضوء على إصلاح البيشمركة ودورها المحوري ضد داعش.
السبت 2025/05/03
خطوات واعدة نحو قوة موحدة

أربيل (كردستان العراق) -  يعزز إقليم كردستان العراق دوره المتنامي كمركز محوري للأمن والحوكمة الإقليمية، في ظلّ تحولات إقليمية عميقة أبرزها انهيار النظام السوري وتغير أولويات الدعم الدولي.

ويكشف أحدث تقرير ربع سنوي صادر عن المفتش العام الرئيسي لعملية العزم الصلب، والمُقدّم إلى الكونغرس الأميركي، والذي يغطي الفترة من يناير إلى مارس 2025، صورة عن صمود إقليم وتقدمه المستمر، خاصة في مجال إصلاح قوات البيشمركة ومساهمته الحيوية في الحرب العالمية ضد تنظيم داعش.

ويؤكد التقرير على استمرار تنفيذ مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وحكومة إقليم كردستان الهادفة إلى إعادة هيكلة وتوحيد قوات البيشمركة تحت إشراف وزارة شؤون البيشمركة.

ورغم التحديات الإقليمية والسياسية المستمرة، بما في ذلك وجود فلول داعش، والخلافات مع بغداد حول الإيرادات، والبيئة الأمنية المعقدة في شمال العراق، فقد استمرت الإصلاحات على المسار الصحيح. 

وأشار التقرير إلى أن أربع فرق من أصل إحدى عشرة فرقة بيشمركة مُخطط لها تعمل حاليا بشكل كامل أو جزئي، مع إنشاء قيادات مناطقية جديدة لتعزيز القيادة والسيطرة.

كما يبرز التقرير التزام إقليم كردستان الراسخ ببناء قوة بيشمركة محايدة ومهنية، تتجسد في خطوات مثل الانتقال إلى نظام الدفع الإلكتروني للرواتب - المعمول به بالفعل أكثر من 68 ألف عنصر من البيشمركة والتقاعد المخطط له للعاملين الفائضين، وهي تحولات مؤسسية طالما شجعها الشركاء الدوليون.

ويساهم إنشاء قيادة عمليات وزارة البيشمركة في تعزيز التنسيق الأمني بين إقليم كردستان والقوات الاتحادية العراقية، بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع شركاء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في الجهود المشتركة للقضاء على التهديدات الإرهابية.

ويؤكد التقرير على أن إقليم كردستان لا يزال يمثل المنصة المركزية لعمليات التحالف في شمال شرق سوريا. وحتى مع خطط الولايات المتحدة لإنهاء العمليات القتالية المباشرة ضد داعش في العراق بحلول سبتمبر 2025، سيظل الإقليم قاعدة عمليات متقدمة لمهام التحالف في سوريا حتى سبتمبر 2026 على الأقل، مما يعكس أهميته الاستراتيجية التي لا غنى عنها لضمان الاستقرار الإقليمي.

ويشيد التقرير بالقدرات العملياتية المتزايدة لفرق وزارة البيشمركة في مجالات التخطيط واللوجستيات وتنسيق المدفعية والدفاع البري، خاصة على طول خط التنسيق الكردي، مما عزز قدرة البيشمركة على الدفاع عن الإقليم ضد أي توغلات محتملة. ورغم استمرار بعض التحديات، خاصة في تجاوز الإرث الحزبي ومحدودية الميزانيات، يشير التقرير إلى التقدم المحرز حتى الآن إلى مسار واعد نحو إطار عمل أمني وطني موحد.

وفي ظل توقف أو إلغاء برامج المساعدات الخارجية الأميركية في مناطق أخرى من العراق وسوريا، ظل دعم البيشمركة قويا، وأبرز التقرير أن صندوق التدريب والتجهيز لمكافحة داعش خصص 242 مليون دولار للسنة المالية 2024/2025، بما في ذلك 135 مليون دولار كرواتب للقوات الكردية، مما يعكس استمرار ثقة الولايات المتحدة بالمؤسسات العسكرية في الإقليم.

كما حافظ إقليم كردستان على دوره القيادي في المجال الإنساني. ويذكر التقرير أنه على الرغم من توقف المساعدات الخارجية الأميركية، تواصل حكومة الإقليم دعم أكثر من 109 آلاف نازح داخلي في 21 مخيما، وتوفر لهم الكهرباء والمياه وخدمات الصرف الصحي، بمساعدة محدودة من بغداد والمنظمات الدولية.

وتُبرز زيارات مسؤولي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لمخيمات مثل مخيم كبرتو 1 في دهوك شفافية أربيل وتعاونها مع الجهات الدولية الفاعلة، في حين يُلاحظ نقص الدعم من بغداد للنازحين.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، يظل إقليم كردستان شريكا فاعلا ومحترما. وقد انضم نائب رئيس الوزراء، قوباد طالباني، إلى وفد العراق في القمة العربية الطارئة بالقاهرة، في سابقة نادرة للتمثيل الكردي في منتدى عربي رفيع المستوى، مما يعكس الاعتراف المتزايد بأهمية حكومة إقليم كردستان ليس فقط في الشؤون الداخلية للعراق، بل أيضًا في الحوارات الإقليمية الأوسع.

وعلى الصعيد الداخلي، يشهد الإقليم توجها متجددا نحو الوحدة السياسية. ويشير التقرير إلى أن المفاوضات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لتشكيل حكومة إقليمية جديدة قد حسمت تقريبا جميع الخلافات العالقة، حيث اتفق الحزبان على مبادئ أساسية تشمل حكومة وبرلمان وهيكل أمني موحد، وهي خطوة غير مسبوقة تبشر بتعزيز الاستقرار المؤسسي قبل الانتخابات الوطنية العراقية في خريف هذا العام.

ومن الناحية الاقتصادية، أكد التقرير على الدور المحوري لإقليم كردستان في جهود إنعاش قطاع الطاقة العراقي، على الرغم من استمرار تأخيرات الميزانية الفيدرالية.

ولا تزال إعادة فتح خط أنابيب العراق-تركيا، الذي يمر عبر الإقليم ويعد حيويًا لصادرات النفط الكردية، أولوية قصوى للحكومتين الأميركية والعراقية، وقد أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني على أهمية هذا الخط في محادثات رفيعة المستوى، حيث لن يقتصر دور إعادة فتح خط الأنابيب على استقرار إيرادات أربيل فحسب، بل سيعزز أيضًا استقلال العراق في مجال الطاقة.

ويخرج إقليم كردستان من فترة من عدم اليقين بأساس مؤسسية أقوى، وجيش محترف، ومكانة إقليمية متجددة.

وبينما تواجه المنطقة بأسرها اضطرابات عقب انهيار النظام السوري وإعادة ترتيب ديناميكيات نفوذ الميليشيات، أثبت إقليم كردستان أنه معقل للاستقرار النسبي، والحوكمة الاستباقية، والشراكة الدائمة مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.