البنوك المصرية تتسابق للاستثمار في المشاريع الصغيرة

تتسابق البنوك المصرية لتوسيع استثماراتها في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، في خطوة تؤكد دعم الاقتصاد وخطط التنمية في الدولة، وتنفيذ سياسات البنك المركزي في مساندة ذلك القطاع باعتباره أحد المحركات الرئيسية لعجلة النمو بالبلاد.
القاهرة - أطلق البنك الأهلي المصري شركة جديدة للاستثمار المباشر باسم “أفانز منارة” كأول كيان يهدف إلى الاستثمار في الصناديق الداعمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي يُطلق عليها اسم “صندوق الصناديق”.
وتأسس هذا الكيان بالشراكة مع بنك مصر وبنك القاهرة والبنك الأهلي المتحد وبنك قناة السويس والمصرف المتحد والتجاري ووفا بنك إيجيبت وشركة مصر القابضة للتأمين ومجموعة أفانز كابيتال.
ويعد الاستثمار في مجال الشركات الصغيرة والمتوسطة من أكثر المشاريع الجاذبة التي تعزز تدفق الاستثمارات الأجنبية، ولذلك فإن فرص دخول رؤوس أموال جديدة تتزايد مع ارتفاع مساهمات البنوك في هذا القطاع.
ولن يقتصر دور البنوك على التمويل فقط، بل يشمل الاستثمار أيضا باعتبارها من المؤسسين للشركة الجديدة التي تمثل حلقة الوصل بين صناديق الاستثمار في المشاريع الصغيرة والشركات العاملة في القطاع ذاته.
ولإنجاح الخطوة استعانت هذه البنوك بأفانز التابعة لشركة أي سكويرد العالمية والمتخصصة في إدارة صناديق المشاريع الصغيرة وتدير استثمارات عالمية بقيمة 34 مليار دولار.

يحيى أبوالفتوح: 108 ملايين دولار إجمالي استثمارات الشركة الجديدة
ولم تُفصح البنوك المؤسسة عن القطاعات التي ستركز عليها خلال الفترة المقبلة، لكنها لن تخرج عن قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والتكنولوجيا المالية والزراعة والطاقة المتجددة والسلع الاستهلاكية.
ويلعب التسويق من جانب البنوك دورا مهما في جذب الأجانب، وما يعزز سهولته أن المشاريع الصغيرة الناشئة لديها فرص كبيرة للنمو وتحقيق ربحية عالية.
ويعزز سباق البنوك المساهمة في الشركة الجديدة فرص نجاحها في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لأن كل بنك لديه شريحة مختلفة من العملاء، ومن ثم يتم التسويق للشركة الجديدة من قبل 7 مصارف فضلاً عن شركتين من المؤسسين.
كما تعد مساهمة البنوك ذات جدوى باعتبارها الممول الرئيسي، وهذا يعني ضخ سيولة كبيرة في شرايين قطاع المشاريع الصغيرة الذي حال التمويل دون ازدهاره خلال السنوات الماضية.
ويمثل إنشاء “أفانز منارة” حلقة وصل تربط البنوك بشركات الاستثمار المباشر ثم صناديق الاستثمار بالمشاريع الصغيرة وأخيرا الشركات العاملة في القطاعات المختلفة.
وتعهد القائمون على الشركة باتباع أفضل الممارسات في إدارة صناديق المشاريع الصغيرة بالبلاد سعيا لاجتذاب مستثمرين دوليين للمساهمة في تلك الصناديق بهدف دعم نشاط هذا القطاع من الشركات لما يمثله من أهمية في تحقيق النمو الاقتصادي بالبلاد.
وتأتي الخطوة من البنوك الحكومية الكبرى مساهمة منها في دعم الاقتصاد المصري بشكل عام، إذ تتيح التمويل الذي يضاعف زيادة الإنتاج والتوسع في التوظيف وتوفير فرص عمل جديدة، ما يعود أثره الإيجابي النهائي على الناتج المحلي الإجمالي.
وقال يحيى أبوالفتوح نائب رئيس البنك الأهلي لـ”العرب” إن “تأسيس الشركة الجديدة هو الأول من نوعه ويؤكد الدور الرئيسي والحيوي للقطاع المصرفي بمصر، والذي لا يتوانى لحظة في العمل على النهوض بمختلف القطاعات والأنشطة”.
وأضاف أن “إجمالي استثمارات الشركة المستهدفة يصل إلى نحو ملياري جنيه (حوالي 108 ملايين دولار)، ووصلت قيمة الإغلاق الأول لرأسمال الشركة المصدر إلى 905 ملايين جنيه (نحو 49 مليون دولار)”.
وأشار أبوالفتوح إلى أن البنك الأهلي يشارك في إغلاق الصندوق الحالي (صندوق الصناديق) بقيمة 300 مليون جنيه (16.2 مليون دولار) وذلك كأكبر حصة مساهمة مقارنة بالمصارف الأخرى المشاركة في تأسيس الشركة.
ويهدف صندوق الصناديق إلى الاستثمار في كيانات أخرى، سواء كانت للأسهم أو للديون، بدلا من توزيع استثماراتها على شركات معينة ومحددة أو إصدارات الديون للشركات الراغبة في الاقتراض، بحيث تحصل تلك الصناديق على التمويلات وتتولى عملية الاستثمار وجلب العوائد لمديري صندوق الصناديق.
وتعد هذه الفكرة الجديدة في دعم المشاريع الصغيرة بداية جيدة ويجب أن تنتشر في مختلف القطاعات وعلى رأسها الأنشطة الزراعية وتعمير الصحراء، حتى ينمو ذلك القطاع، لأن الأزمة الحالية التي يمر بها الاقتصاد والتي دفعته إلى تحرير سعر الصرف للمرة الثانية في غضون ستة أعوام تؤكد أن مصر ليست دولة منتجة في المجال الزراعي أو الصناعي أو غيرهما.
كما أن الاقتصاد لا يجني أي ثمار جراء خفض سعر العملة بسبب الفقر الاقتصادي في قطاعات مختلفة بالبلاد، إذ إن قدرات الإنتاج ضعيفة ولا تتناسب مع الطبيعة السكانية والجغرافية التي تتميز بها مصر.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة توسعا في تأسيس الصناديق المتخصصة في مصر، لاسيما أن تحالفا من بنوك محلية أعلن منذ أيام عن تأسيس صندوق ابتكار في التكنولوجيا المالية لاعتماد الرقمنة في التعاملات المصرفية وتحقيق الشمول المالي.

إسماعيل ثروت: بداية لإحداث نقلة نوعية في قطاع المشاريع الصغيرة
وفي خطوة تؤكد السباق الكبير بين البنوك المصرية للاستثمار في قطاع المشاريع الصغيرة، أطلقت شركة كاتاليست للاستثمار المباشر صندوق استثمار بقيمة مليار جنيه (نحو 54 مليون دولار)، لكن ليس بنظام صندوق الصناديق.
ومن المتوقع أن يستثمر هذا الصندوق في الشركات بشكل مباشر بمساهمة بنوك القاهرة والتجاري ووفا والأهلي المتحد وقناة السويس والبركة.
وأكد الخبير المصرفي إسماعيل ثروت لـ”العرب” على أهمية الخطوة الجديدة التي تعد بداية للنهوض بهذا المجال وإحداث نقلة نوعية في أحد القطاعات الحيوية غير المحظوظة في البلاد.
وقال إن “خبرات السوق ما زالت في البداية، وهناك بلدان عديدة قطعت شوطا كبيرا في ذلك مثل الهند وماليزيا وألمانيا. كما أن الاقتصاد الألماني قائم على المشاريع الصغيرة والمتوسطة”.
وبدأ البنك المركزي المصري خطة لإنعاش وإحياء قطاع المشاريع الصغيرة منذ 2008 بتخصيص مبادرات تمويل، لكن لم تحقق النجاح المأمول، لأن الكثير من المتعاملين تحايلوا عليها للحصول على تمويلات منخفضة على حساب آخرين من المستحقين لها.
كما بدأ المعهد المصرفي عقد دورات لموظفي البنوك وعرض تجارب الدول التي نجحت في هذا القطاع منذ أكثر من عشر سنوات.
ويطالب العديد من الخبراء بتوحيد الجهة المسؤولة عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البلاد والتي تتعدد حاليا ما بين المركزي وأصحاب المشاريع الصغيرة والمشرع.
وفي ضوء ذلك يرون أنه يجب أن يوجد تنسيق متكامل بين تلك الجهات لتكون هناك منظومة واحدة مسؤولة لها أهداف محددة يمكن قياسها بعد كل فترة لمعرفة مدى التطور الذي حدث في هذا القطاع.