البنوك المصرية الخاصة في ورطة سباق رفع الفائدة

دخلت بنوك خاصة في مصر سباق إصدار شهادات الادخار مرتفعة الفائدة لمجاراة التطورات الاقتصادية المتسارعة، ومواجهة موجة سحب السيولة من المودعين الذين يتنافسون للفوز بعوائد مرتفعة، وذلك عقب طرح بنوك حكومية شهادات بفوائد عالية.
القاهرة- دفعت مخاوف عديدة بنوكا خاصة في مصر ذات الملاءة المالية القوية، من تنافس الأفراد لسحب السيولة منها لشراء شهادات الاستثمار الجديدة في بنكين حكوميين، إلى اقتفاء هذا المسار أملا في إغراء المدخرين.
وطرح بنكا التجاري الدولي مصر (سي.آي.بي) وقطر الوطني الأهلي (كيو.أن.بي) شهادة ادخار لأجل 18 شهرا بعائد 22.5 في المئة. وستصرف شهادات لأجل عام واحد بفائدة 25 في المئة بنهاية فترة الاستحقاق، وأخرى بنحو 22.5 في المئة تصرف كل شهر.
ويجاري هذا العرض ما أقدمت عليه البنوك الحكومية بغرض تحفيز المواطنين على الادخار ودفعهم إلى تبديل ما يملكونه من دولارات لتحقيق فوائد مالية جيدة.
وتعاني السوق المحلية من شح مفرط في العملات الأجنبية، وتريد زيادة الحصيلة منها بإغراء المصريين بالفائدة الجديدة، مع الانخفاض الكبير لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الأجنبية كافة.
وتستطيع البنوك ذات الملاءة القوية فقط مجاراة أمورها في هذه الفترة الراهنة التي تشهد ارتفاعات غير مسبوقة في الفائدة، ما يمكن أن يؤثر على فرص الاستثمار التي يقوم بها رجال أعمال درجوا على الاقتراض بفائدة أقل.
ويشير محللون إلى أن زيادة الفائدة على الادخار تؤدي تلقائيا لزيادة أخرى في الإقراض، ولن يقوى على المنافسة التي ظهرت في العمل المصرفي سوى بعض البنوك الأجنبية.
ويبحث الكثير من المدخرين عن الفائدة الأعلى في الفترة الراهنة، ولجأوا إلى المراجحة، بمعنى سحب الأموال من البنوك التي تمنح عائدا منخفضا وإيداعها في آخر به سعر فائدة أعلى.
ويحدث هذا الوضع هزة في البنوك المسحوب منها، لأنها لا تستطيع مجاراة الفائدة المرتفعة ولن تتمكن من الصمود إذا تواصلت عمليات السحب.
ويتمتع الجهاز المصرفي بمؤشرات مالية جيدة، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، ومن ثم الديون المعدومة أو المشكوك في تحصيلها وحجم السيولة ونسبتها من إجمالي الودائع، لا تزال مطمئنة.
ومن المتوقع أن تتأثر ربحية البنوك الخاصة والحكومية سلبا بعد إصدار شهادات الادخار الحالية، لأنها باتت ملزمة بدفع عائد مرتفع محدد في الوقت الراهن.
وقام البنك المركزي المصري برفع بزيادة غير مسبوقة للفائدة في ديسمبر الماضي بلغ 300 نقطة أساس، وقررت رفع سعري عائد الإيداع لليلة واحدة ليبلغ 16.25 في المئة والإقراض لليلة واحدة عند 17.25 في المئة وسعر العملية الرئيسية باتت عند 16.75 في المئة. كما قررت لجنة السياسة النقدية بالمركزي رفع سعر الائتمان والخصم بواقع ثلاثة في المئة ليصل إلى 16.75 في المئة.
وتبحث البنوك الخاصة عن بدائل لتعويض سحب السيولة، منها منح القروض بأسعار فائدة مرتفعة، لكن الظروف الراهنة يمكن أن تمنع الشركات والأفراد من الاقتراض لأنه سيكون بمعدل مرتفع عن “الكوريدور” بنحو 5 في المئة.
وتؤثر الفائدة الحالية والشهادات على الإنتاج والصناعة بشكل عام في ظل الأزمة الحالية بسبب نقص مستلزمات الإنتاج والاعتماد المفرط على الواردات، وهي من بين الأسباب الرئيسية لأزمة التضخم الحالية الناشئة عن ارتفاع سعر الدولار.
24.5
في المئة نسبة التضخم وفق آخر إحصائيات بتاريخ نهاية ديسمبر الماضي
ومع تقليل الإنتاج حاليا يزداد الإقبال على الواردات، ومع سعر الصرف المنفلت ترتفع أيضا الأسعار مرة أخرى مع معاناة المواطنين.
وقال الخبير الاقتصادي مدحت نافع لـ”العرب” إنه “رغم الارتفاع الحالي لسعر الدولار، فإن البنك المركزي يتدخل في نطاق محدود، لكن دون تدبير الدولار ومع وجود ندرة دولارية مستمرة من الصعوبة التكهن بأفق محدد لسعر صرف الدولار”.
ويمكن اعتبار الوضع الراهن برفع أسعار الفائدة فترة مؤقتة لاحتواء التضخم الأساسي المرتفع الذي بلغ بنهاية ديسمبر الماضي 24.5 في المئة، وبدلا من أن يرفع المركزي الفائدة مجددا قام بطرح الشهادات ذات العائد 25 في المئة وهي تعد في نفس مستوى التضخم.
وأوضح نافع أن الشهادات التي تطرحها البنوك تهدف إلى سحب السيولة من الأسواق وتوجيهها إلى أوعية ادخارية، ونظريا يجب أن تنخفض أسعار السلع، لكن عمليا لن يتحقق ذلك، لأن التضخم الحالي ناتج عن ارتفاع التكلفة بسبب زيادة مستلزمات الإنتاج.
ومن أهم النوافذ أمام البنوك الخاصة المتضررة من طرح شهادات الاستثمار ذات العائد المرتفع، الاستثمار في الودائع بالبنك المركزي والاستفادة من سعر الكوريدور، وهو نظام أطلقه المركزي في 2005 للإيداع والإقراض لليلة واحدة.
واتجه البعض من حائزي العملات الأجنبية، الذين انتظروا وصول الدولار لذروة صعوده الحالي، إلى شهادات الادخار ذات العائد المرتفع في البنوك.
وتمر مصر بأزمة شح كبيرة في العملات الأجنبية دفعتها إلى انتهاج برنامج إصلاح والسعي لجذب تدفقات دولارية جديدة، والقيام بتدابير هيكلية تتماشى مع وصفة صندوق النقد التي يمكن أن تكون لها توابع اجتماعية وسياسية إذا أخفقت في تحقيق نتائج اقتصادية إيجابية.
وأشارت تقارير محلية إلى حصول بنكي الأهلي المصري ومصر على قروض بقيمة 705 ملايين دولار من بنوك دولية لتلبية الطلب على العملة الأجنبية، منها البنك الأفريقي للتنمية وبنك المشرق وجهات أخرى مقرضة في الخليج وآسيا.
ورغم مساعي القاهرة لمحاربة ظاهرة “الدولرة”، أي تحويل العملة المحلية إلى دولار بكثافة، إلا أن المركزي لا يصدر بيانات حول حركة السيولة التي تمنح فكرة عن حجم بيع وشراء الدولارات.
ولذا يضطر أي مسؤول لأن يطل في وسائل الإعلام والبرامج الحوارية لكشف وشرح تحركات العملة الأجنبية في مصر.
وأكد الخبير الاقتصادي سعيد الفقي أن لجوء البنوك الخاصة، لاسيما سي.آي.بي وكيو.أن.بي، إلى إصدار شهادات ادخارية أطول من ناحية المدة، جاء بسبب شعورهما بخطر سحب السيولة وضعفها.
واعتبر في تصريح لـ”العرب” أن كل بنوك القطاع الخاص لن تصمد أمام سباق سعر الفائدة الحاصل حاليا، ويجب أن تبحث عن حلول بديلة.
وأوضح الفقي أن طرح أذون الخزانة من قبل الحكومة من الأدوات التي تلجأ إليها البنوك الخاصة، ما يقوض خلال المرحلة المقبلة مطالبة صندوق النقد للحكومة بالانضباط في طرح أذون الخزانة كونها ترفع معدلات الدين العام.
ويوجد في مصر نحو 27 بنكا غير حكومي، منها ذات رؤوس الأموال العربية والخليجية والأجنبية، وتعمل منذ سنوات، وبدأت تشهد رواجا في السنوات الأخيرة، وبعضها قام باستحواذات ودمج مع بنوك أخرى.
اقرأ أيضا: