البنوك التركية تستأنف الدفاع عن الليرة المتداعية

اعتبر محللون أن تعليق السلطات النقدية آلية تمنع البنوك من التدخل في سوق الصرف لحماية الليرة المنهارة يعكس مدى تخبط السياسات الحكومية الجديدة التي تحتاج إلى الكثير من الوقت لتثبت أنها ذات جدوى في وجه الإحباط الاقتصادي.
أنقرة- بدأت البنوك الحكومية التركية في دعم الليرة المتداعية مرة أخرى بعد أكبر انخفاض للعملة منذ أكثر من عام الأسبوع الماضي، في تحول مفاجئ يدل على مدى الصعوبات التي تعاني منها السوق المحلية.
وعقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية أواخر مايو الماضي فضَّلت البنوك عدم التدخل لدعم الليرة، حتى بعد قرار البنك المركزي برفع الفائدة الذي هبط بالعملة إلى مستوى قياسي منخفض، مما يشير إلى ما يمكن أن يكون تحولاً حاسماً في السياسة النقدية.
وتراجعت قيمة العملة المحلية بواقع 0.5 في المئة لتنزلق إلى مستوى منخفض قياسي جديد في تعاملات الاثنين، حيث وصل سعر الدولار إلى 26.1 ليرة، مواصلة خسائرها المستمرة منذ انتخابات مايو الماضي.
وانخفضت قيمة العملة أكثر من 28 في المئة هذا العام، وبقدر كبير بعد إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسا، وقد حاد منذ ذلك الحين عن سياسته الاقتصادية غير التقليدية التي اتبعها لسنوات.
وبعد العدول عن تلك السياسة مع تعيين محمد شيمشك، إستراتيجي السندات السابق في ميريل لينش، وزيرا جديدا للمالية ارتفعت كلفة التأمين ضد التخلف عن السداد في تركيا.
ويقول محللون إن ذلك يشير إلى عدم الارتياح بين المتداولين ذوي الدخل الثابت، خاصة بعدما اتسعت مقايضات التخلف عن السداد لخمس سنوات لأول مرة الشهر الماضي، من 483 نقطة أساس إلى 516 نقطة.
ويسمح بروتوكول صادر في عام 2018، بين وزارة الخزانة التركية والبنك المركزي، للبنك المركزي بتوجيه المقرضين الحكوميين إلى بيع العملات الأجنبية.
وكشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبرغ أن وزارة الخزانة علقت الأسبوع الماضي البروتوكول لفترة وجيزة قبل عكس المسار للسماح باستئناف التدخلات.
واستخدم البنك المركزي مليارات الدولارات من الاحتياطيات في محاولة لدعم العملة التي انخفضت بنسبة 20 في المئة مقابل الدولار هذا العام، وهو أكبر انخفاض بين العملات الناشئة الرئيسية بعد البيزو الأرجنتيني.
وقال إريك مايرسون، كبير إستراتيجيي الأسواق الناشئة بشركة أس.إي.بي، “نرى تصحيح مسار الليرة على أنه وعي من قبل صانعي السياسة الأتراك بأن استخدامهم الحر للاحتياطيات من أجل الدفاع عن العملة قد وصل إلى مداه في الوقت الحالي”.
وتوقع مايرسون أن يصل الدولار إلى 27 ليرة بنهاية العام، لكن بعض المحللين يعتقدون أن قيمتها ستنخفض إلى أكثر من ذلك جراء الضبابية التي تحوم حول قدرة الحكومة الجديدة على الابتعاد عن دائرة المؤشرات السلبية.
ومع عودة شيمشك يتوقع المستثمرون أيضًا تحركًا نحو المزيد من عقيدة السوق مع المؤسسات الأخرى بما في ذلك البنك المركزي، الذي أبقى الفائدة أقل بكثير من مستوى التضخم قبل أن يعاود رفعه من 8.5 في المئة إلى 15 في المئة.
ومع ذلك لا يزال المستثمرون حذرين من أن أردوغان، بعد فترة طويلة من تبني فوائد السياسات النقدية غير التقليدية، سيسمح بتحول جذري.
11
في المئة نسبة تراجع الصادرات حيث سجلت انخفاضا بقيمة 20.9 مليار دولار
وقال إنريكي دياز ألفاريز كبير مسؤولي المخاطر في شركة إيبيري ومقرها لندن “هناك بصيص أمل في أن أردوغان يبدو أنه يسلك منعطفًا نحو سياسات نقدية ومالية عاقلة، لكنني بحاجة إلى رؤية المزيد لأقتنع بأن أردوغان يسلك منعطفًا”.
والأسبوع الماضي ذكرت مصادر مطلعة أن الحكومة تعتزم تمديد الإعفاء الضريبي على الحسابات المصرفية المدعومة من الدولة، وتهدف إلى خفض الطلب على العملات الأجنبية حتى نهاية عام 2023.
وأرسلت وزارة الخزانة والمالية اللائحة الخاصة بالضريبة المستقطعة (الضريبة على الفائدة المكتسبة من الودائع المصرفية) إلى أردوغان للموافقة عليها.
وتعتبر الحسابات المحمية بالعملات الأجنبية، التي تضمن حيازات المدخرين بالعملة المحلية ضد انخفاض القيمة، أداة رئيسية في جهود الحكومة لتحقيق الاستقرار في سعر صرف الليرة وتبلغ قيمتها حاليا نحو 2.6 تريليون ليرة.
ويوفر تمديد الإعفاء الضريبي، الذي يفترض أن ينتهي مفعوله الشهر الماضي، حافزاً للاستمرار في الاستثمار.
وأكدت المصادر أيضا أن الحكومة تخطط للإلغاء التدريجي للحسابات التي تنتقدها المعارضة بسبب العبء المالي الذي تفرضه على ميزانية الدولة، حال تمكنت السلطات من جذب رأس المال الأجنبي بحلول نهاية العام الجاري.
وأشارت إلى أن فريقاً فنياً من دولة بمنطقة الخليج العربي، لم تذكر بدقة من أي دولة خلال تصريحاتها لبلومبرغ، وصل مؤخراً إلى أنقرة لمناقشة الاستثمارات المحتملة.
وتأتي هذه الزيارة بعد وقت وجيز من الزيارة التي أداها شيشمك إلى دولة الإمارات، حيث التقى مستثمرين وكبار المسؤولين الحكوميين.
وفي خطوة أخرى ستزيد الحكومة معدل الضريبة المقتطعة على جميع الودائع لأجل بالعملات الأجنبية إلى 25 في المئة من المستويات الحالية البالغة 18 و20 في المئة.
وتأتي هذه التحركات مع تحسن العجز التجاري الشهر الماضي بسبب انخفاض واردات الطاقة، مما أدى إلى بعض الراحة في الطلب على العملات الأجنبية الذي أثر على الليرة وأسهم في استنزاف الاحتياطيات.
وأظهرت بيانات أولية من وزارة التجارة الاثنين أن الواردات في يونيو تراجعت بنحو 17 في المئة على أساس سنوي إلى 26.3 مليار دولار، وهو أدنى مستوى في عامين.
كما تراجعت الصادرات ولكن بنسبة أقل، حيث انخفضت بواقع 11 في المئة إلى 20.9 مليار دولار. وعزت الوزارة ذلك إلى عطلة عيد الأضحى التي تستمر تسعة أيام وتوقفت خلالها عمليات التوصيل.
وأدت التدفقات إلى تضييق الفجوة التجارية الإجمالية لتركيا بنسبة 35 في المئة سنويًا إلى 5.4 مليار دولار، وهي فترة راحة نسبية بعد استمرار ارتفاع تكاليف الطاقة والطلب المحلي على السلع الأجنبية التي استنزفت احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي مع ضعف الليرة.
وقالت وزارة التجارة إنها تتوقع تحسن التوازن في الأشهر المقبلة، ووعدت بخطوات إضافية غير محددة لإبطاء الواردات وتعزيز الصادرات حتى وسط “الركود في الاقتصاد العالمي”.
ومن المفترض أن يدعم انخفاض الليرة منذ انتخابات مايو المصدرين، الذين طالبوا مرارا بعملة أضعف لجعل منتجاتهم أكثر تنافسية في الخارج.
وعلى الرغم من أن توقعات انخفاض الطلب على الغاز في الصيف يبشر بالخير بالنسبة إلى فاتورة الطاقة، إلا أن الذهب يمثل تهديدا متزايدًا.
وظلت واردات المعدن النفيس، وهي وسيلة تحوط شائعة من التضخم بين المواطنين، قوية في يونيو الماضي حيث قفزت بنحو 63 في المئة على أساس سنوي.