البنك المركزي يضيّق الخناق على العملاء لوقف حيل المصريين

الطريقة التي يعمل بها المركزي المصري تعتمد على المسكنات لحل أزمة شح الدولار العاجلة.
الخميس 2022/12/29
علاج الخلل المصرفي في حاجة إلى رؤية شاملة

القاهرة - يقول مصريون في أمثالهم الشعبية “شر البلية ما يضحك” عندما تشتد الأزمات تجد من يتفننون في توظيفها وتحقيق مكاسب منها، فقد وضع البنك المركزي المصري يديه على مشكلة جديدة لم تكن في حسبانه وهو يسعى نحو حل أزمة شُح الدولار التي تسببت في زيادة أسعار الكثير من السلع.

وجد البنك مواطنين ممن استغلوا بعض الثغرات في النظام المصرفي للحصول على الدولار من خلال حيل متعددة باستخدام بطاقات الائتمان المحلية التي بحوزتهم.

وواجه البنك المركزي الحيل بقرارات صارمة ضيّقت الخناق على استخدام حائزي بطاقات الائتمان بأنواعها المختلفة خارج البلاد، وساوى بين الظالمين والمظلومين لمنع عملية التسرب القانوني للدولار من البنوك التابعة له لجيوب بعض المصريين.

تبدو القصة معقدة وأشبه بالحكايات، حيث اكتشف البنك المركزي زيادة السحب من بطاقات الائتمان بالدولار لأشخاص يقيمون داخل البلاد، بينما السحب بالعملات الأجنبية مسموح لمن يسافرون خارجها لسد احتياجاتهم طالما أن رصيدهم يسمح.

تضييق الخناق على أصحاب بطاقات الائتمان لوقف الحيل لن يؤدي إلى تصحيح الأوضاع المصرفية التي يزداد ارتباكها

وتقصى البنك الأمر ووجد أن هناك شريحة من المواطنين قاموا بمنح بطاقات ائتمانهم لآخرين في أثناء سفرهم لسحب ما يمكنهم سحبه من الدولار ثم العودة به لبيعه في السوق الموازية أو السوداء بأسعار تتجاوز أسعار البنوك الرسمية بنحو 30 في المئة.

من هنا تخسر الدولة مرتين، مرة بسبب سحب جزء من رصيدها بالدولار الذي يواجه شحا غير مسبوق، ومرة بسبب زيادة الإقبال على السوق الموازية، وبالتالي إحداث تخريب في خطط البنك المركزي للسيطرة على انفلات سوق العملات الأجنبية.

وأعلن البنك المركزي المصري الاثنين أنه يراقب تطورات الأوضاع الخاصة بسوق النقد عن كثب ويتخذ الإجراءات اللازمة لضبط السوق وتحقيق الاستقرار قريبا.

وكان البنك المركزي رصد مجموعة من الممارسات غير المشروعة التي تتعلق بسوق النقد الأجنبي تستهدف زعزعة الاستقرار النقدي والمالي للبلاد.

وزاد الموقف سوءا مع قيام بعض شركات السياحة بالحجز لأفراد ومنحهم تأشيرات للسفر لبعض الدول بغرض الحصول على عملات أجنبية من البنوك المحلية التي تمنحها للمسافرين ثم يقومون بتدويرها في السوق السوداء من دون السفر فعلا.

وتعددت وسائل النصب التي لجأ إليها مصريون لاستنزاف موارد البنوك والحصول على عملات أجنبية بصورة أربكت السوق المصرفية، وجعلت البنك المركزي يغلق جميع النوافذ والأبواب التي يمكن طرقها لخداعه.

البنك المركزي رصد مجموعة من الممارسات غير المشروعة التي تتعلق بسوق النقد الأجنبي تستهدف زعزعة الاستقرار النقدي والمالي للبلاد

وأدى اللجوء إلى الصرامة في التعامل عبر بطاقات الائتمان من الخارج إلى مشكلات لمواطنين سافروا للعلاج أو التعليم أو النزهة، فلم يعد بمقدورهم استخدام أموالهم.

ولجأ البنك المركزي إلى استثناء بعض الفئات بعد الرجوع إلى البنوك وتقديم ما يثبت لها أن العملات الأجنبية المطلوبة لأغراض نبيلة ولا توجد شبهات خداع.

ويعاني النظام المصرفي في مصر من تراكم سياسات قديمة أدت إلى الاستفادة من بعض الثغرات، ومن المهم تصويبها كي لا تقود لفقدان الثقة من قبل مودعين أو حائزي بطاقات الائتمان بعد أن أصبحت أحد مصادر الدخل الرئيسية لكثير من البنوك.

ويقول خبراء اقتصاد إن تضييق الخناق على أصحاب بطاقات الائتمان لوقف الحيل المستخدمة لن يؤدي إلى تصحيح الأوضاع المصرفية التي يزداد ارتباكها، لأنها تعمل على علاج الثغرات ولا تزال بعيدة عن توفير العلاج الهيكلي من خلال رؤية شاملة يمكنها أن تسهم في القضاء على الكثير من العيوب التي أدت إلى الخلل الراهن.

ويضيف الخبراء أن الطريقة التي يعمل بها المركزي المصري تعتمد على المسكنات لحل أزمة شح الدولار العاجلة، ولم يحدد حتى الآن موقفه من توفير سعر مرن للعملات الأجنبية (تعويم) كما طالب صندوق النقد الدولي في توصيته الأخيرة، ما يشير إلى أن الأزمة مستمرة ما لم يجد البنك المركزي الوسيلة التي تجعله يتجرع الدواء المرّ دفعة واحدة ليتمكن من استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وتظل خدع المواطنين في كل الدول عرضا مستمرا، وتجد في بعض أوجه الخلل المصرفية مدخلا لتحقيق مكاسب لها، ولن تتوقف هذه الممارسات إلا مع القضاء على المشاكل الجانبية التي تتسرب من أزمة العملات الأجنبية الحادة، والتي يأتي حلها من خلال إيجاد الوسائل التي توفرها مستقبلا، وأبرزها زيادة التصدير وتقليل الاستيراد.

وقد يكون البنك المركزي المصري اكتشف البعض من الحيل وتمكن من وقفها، غير أن الناس لن يعدموا البحث عن أدوات أخرى لاحقا ربما تساعدهم على الاستفادة من الأوضاع الغامضة التي يعاني منها الاقتصاد، ما يضع على كاهل المسؤولين المصرفيين عبئا مضاعفا للقضاء على أزمة رئيسية بدأت تتولد عنها أزمات فرعية.

11