البنك المركزي السوري يخفق في ضبط انفلات سوق الصرف

دمشق – كشفت تحركات السلطات النقدية في سوريا لدعم العملة المحلية، التي انحدرت قيمتها بشكل غير مسبوق في الفترة الماضية أمام الدولار، عن مدى الأزمات المزمنة، التي تطوق الاقتصاد المحلي.
ويبدو البنك المركزي السوري في موقف صعب، حيث تؤكد المؤشرات أن سلسلة الإجراءات التي قام بها مؤخرا لحماية الليرة المنهارة أصلا أخفقت في ضبط انفلات سوق الصرف.
وتسارع تدهور قيمة العملة السورية بقدر كبير الأربعاء ليتخطى الدولار للمرة الأولى في السوق الموازية للعملات أكثر من 11 ليرة، وفقا لتطبيقات إلكترونية مستخدمة لتتبع قيمة العملة.
ويعكس التراجع مدى اختناق الاقتصاد السوري نتيجة تقلص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي القطع الأجنبي، في ظل خضوع دمشق لعقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية تفاقم اختناقها الاقتصادي.
ويمثل هذا الرقم تقهقرا كبيرا منذ بداية العام، عندما كان سعر السوق الموازي يحوم حول 6500 ليرة وكان معدل التحويل 4522 ليرة، في تراجع تاريخي لقيمة الليرة التي كانت قوية قبل اندلاع الحرب.
وكانت العملة السورية تتداول عند 47 ليرة مقابل الدولار قبل اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس بشار الأسد في مارس 2011.
ومنذ ذلك الحين، أدى الصراع الدموي والعقوبات الغربية وضغط العملة المرتبط بالانهيار المالي للبنان المجاور وخسارة الحكومة لأراضيها المنتجة للنفط في شمال شرق البلاد، إلى انهيار اقتصادي.
وبدأ مسلسل نزيف الليرة مع انغلاق نوافذ تمويل دمشق، وتفاقم بعدما أدت أزمة السيولة والانتفاضة الشعبية في لبنان أواخر 2019 إلى انقطاع تدفق الدولارات، في وقت تلاشت فيه قدرة إيران المختنقة بالعقوبات الأميركية على مساعدتها.
كما أن توسع رقعة المضاربة من قبل بعض شركات الصرافة ومافيات العملات كان له تأثير سلبي على قيمة الليرة، وهو ما دفع المركزي السوري إلى إقفال العشرات من مكاتب الصرافة.
وكان المركزي قد حدد قبل أيام سعر صرف العملة السورية للحوالات والصرافة بنحو 9500 ليرة للدولار الواحد، في استمرار لنهج اتبعه منذ العام 2020 عندما كان سعر الموازي عند 1200 ليرة لكل دولار، والرسمي بنحو 434 ليرة لكل دولار.
ودأب البنك على إصدار نشرة يومية بغرض التصريف النقدي، وشراء الحوالات الخارجية التجارية والحوالات الواردة إلى الأشخاص الطبيعيين، بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية.
وشهدت الأسواق الخاضعة لسيطرة حكومة الرئيس بشار الأسد منذ بداية هذا الأسبوع حالة من التخبط والارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية، في حين توقف بعض أصحاب المحلات التجارية عن البيع إلى حين استقرار الأسعار حتى لا يتكبدوا المزيد من الخسائر.
وتشير مصادر في الداخل وتجار ومتعاملون إلى أن الانهيار الناتج عن الليرة أدى إلى ارتفاع أسعار السلع وتفاقم المصاعب، حيث يكافح السوريون لشراء الطعام والكهرباء والمواد الأساسية الأخرى.
وقالت المحللة الاقتصادية نسرين زريق لرويترز إن “خفض قيمة العملة كان مدفوعا ببدء الركود التضخمي، وهو مصطلح يشير إلى مزيج من التضخم المرتفع والركود الاقتصادي”.
وأوضحت الباحثة السورية أن “الارتفاع جاء نتيجة ضعف الاقتصاد السوري بشكل عام وقطاع الإنتاج بشكل خاص، بالإضافة إلى زيادة الواردات”.
90
في المئة معدلات الفقر بالمناطق الخاضعة لسيطرة وسط نقص حادّة في مشتقات النفط
وتوقع البنك الدولي انكماشا بنسبة 3.2 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي لسوريا خلال عام 2023، بسبب استمرار الصراع وارتفاع أسعار الحبوب والطاقة، إلى جانب ندرة المياه التي تحد من إنتاج المحاصيل.
لكنه عدل تلك التوقعات في أعقاب الزلازل في فبراير الماضي بمقدار 2.3 نقطة مئوية أخرى ليصل معدل الانكماش السنوي إلى 5.5 في المئة لهذا العام، مما يعكس بوضوح تفاقم آثار 12 عاما من الصراع في سوريا.
وقدر البنك الدولي خسائر الزلازل التي طالت أجزاء من شمال سوريا بنحو 5.1 مليار دولار، مما زاد الدمار في بلد دمرته سنوات من الحرب الأهلية.
ومع انخفاض قيمة الليرة، انخفضت قيمة معدل الأجور في مناطق النظام لتصل إلى 10 دولارات شهريا، وهذا مبلغ لا يكفي لتأمين الحد الأدنى من مستوى المعيشة، فيما ارتفعت أسعار السلع بشكل كبير من بينها المشتقات النفطية تزامنا مع ارتفاع سعر الدولار.
وبحسب وسائل إعلام محلية، فقد تسبب عدم قيام الحكومة بأي زيادة على الأجور، في الآلاف من الاستقالات وتسرّب كبير من العمل في القطاع العام.
وتعيش المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق أزمة اقتصادية حادّة تتمثل بنقص في مشتقات النفط وارتفاع معدلات الفقر إلى 90 في المئة، وتوقف الإنتاج والصناعة وعدم القدرة على توفير الكهرباء إلا لساعات قليلة باليوم.
وتشكل هذه العوامل مع اتساع خارطة البطالة دليلا ملموسا على أن الاقتصاد منهك، في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي الذي لا يتجاوز المليار دولار.