البنك الدولي يعلن عن شراكة جديدة مع تونس

تونس - أعلن البنك الدولي عن “تعبئة مخصصات سنوية على مدى خمس سنوات تتراوح بين 400 و500 مليون دولار لتونس”، بعد استئناف الشراكة معها التي كان جرى تعليقها في وقت سابق على خلفية تصريحات للرئيس التونسي قيس سعيد حول المهاجرين غير النظاميين أحدثت ضجة.
ويعزز إعلان البنك الدولي من الأجواء الإيجابية بشأن إمكانية نجاح تونس في الخروج من الضائقة المالية، لاسيما مع ما أبداه الاتحاد الأوروبي من انفتاح على دعم البلاد ومساندتها واعتبار “استقرارها الاقتصادي أولوية” لمواجهة تحدي الهجرة غير النظامية.
وتحولت تونس في الأيام الأخيرة إلى قبلة للمسؤولين الأوروبيين تتقدمهم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي أجرت زيارتين إلى البلاد في الشهر الجاري، حيث كانت الزيارة الثانية برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، وتم خلالها الإعلان عن حزمة من المساعدات والدعم تصل إلى 900 مليون يورو، لكن تقديمها يبقى رهين توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ويرى مراقبون أن الزخم الإيجابي الذي تشهده تونس يعود في جانب كبير منه إلى الدور الذي لعبته روما في إقناع شركائها الغربيين بضرورة التفاعل بواقعية مع ما تمر به تونس، حيث أن أي هزة قد تتعرض لها ستهدد بتدفق المزيد من المهاجرين عبرها إلى أراضيها، وهذا تحدّ لن تسلم منه إيطاليا وسيطال باقي الدول الأوروبية.
وينتظر أن يتوجه وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان ونظيرته الألمانية نانسي فيسر إلى تونس الأحد والاثنين لعقد لقاءات مخصصة للهجرة كما ذكر الجمعة الوفد المرافق لدارمانان.
ويرى مراقبون أن تفاعل البنك الدولي ودول الاتحاد الأوروبي مؤشر إيجابي عن وصفة يجري الإعداد لها بشأن تونس، وتتعلق في جانب منها باتفاق جديد مع صندوق النقد، وهو ما تبدو الولايات المتحدة أيضا منفتحة عليه، وقد ظهر في الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقائه بنظيره الإيطالي أنطونيو تاياني الأسبوع الجاري في واشنطن.
وبحسب وكالة الأنباء التونسية الرسمية فقد “أعلنت مجموعة البنك الدولي الخميس، عن إطار الشراكة الإستراتيجية الجديدة مع تونس للفترة 2023 – 2027، بغرض مساندة المخطط التنموي للحكومة التونسية، الذّي يستهدف دفع النشاط الاقتصادي وإحداث فرص شغل جديدة، وتعزيز قدرة البلاد على الصمود أمام التغيّرات المناخيّة”.
وأضافت أن “تنفيذ إطار الشراكة الإستراتيجية الجديدة سيكون بالشراكة بين البنك الدولي والمؤسسة المالية الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار بالإضافة إلى استثمارات إضافيّة من المؤسستين الأخيرتين، عبر تعبئة مخصصات سنوية على مدى خمس سنوات تتراوح بين 400 و500 مليون دولار”.
وأوضحت الوكالة أن “إطار الشراكة الإستراتيجية مع تونس يتضمن ثلاثة أهداف رئيسيّة تتعلق بإحداث فرص شغل عالية الجودة من قبل القطاع الخاص وتعزيز رأس المال البشري وتحسين القدرة على مجابهة التغيّرات المناخية والحد من انبعاثات الكربون. ويحدد الإطار محورين متداخلين يتعلّقان بالمساواة الاقتصادية بين الجنسين وتعزيز المساءلة والمشاركة والثقة”.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “البنك الدولي يعتمد على برامج صندوق النقد ومشاريع متوسطة وبعيدة المدى، وهذا مؤشر يؤكد أن هناك تحسنا في مستوى المفاوضات بين تونس والمؤسسات المالية الدولية”.
وقال ثابت لـ”العرب”، “وفق الندوة الصحفية المشتركة لوزيري الخارجية الإيطالي والأميركي، يبدو أن هناك ضوءا أخضر من واشنطن لدعم تونس وهذا مؤشر في تقديري سيكون متبوعا بتمكين تونس من القرض بـ1.9 مليار دولار”.
وتابع المحلل السياسي التونسي “هناك توافق أميركي – أوروبي على ضرورة دعم تونس في هذه الفترة”.
وبالإضافة إلى الأهداف المحوريّة التي أعلن عنها البنك الدولي في بيانه فإن “إطار الشراكة الإستراتيجية سيتولى تسليط الضوء على الهجرة بوصفها محركاً للفرص المتاحة أمام البلاد”.
وتعد قضية الهجرة غير النظامية الدافع الأساسي حتى الآن لتحرك الشركاء الغربيين من أجل دعم وإسناد تونس، لاسيما مع تدفق أعداد المهاجرين من جنوب الصحراء بشكل كبير على البلاد بحثا عن فرصة الوصول إلى الضفة الأخرى.
ويرى متابعون أن السلطة السياسية أمامها فرصة كبيرة لاستثمار الزخم الحاصل، لاسيما في سبيل التوصل إلى اتفاق مرن مع صندوق النقد الدولي.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة إن “الخطاب الرسمي التونسي سيادي وتصعيدي لتحقيق بعض المكاسب، وصندوق النقد له ثوابت، والحديث عن قبول تونس بمراجعة الإصلاحات ربما يتعلق بالجدول الزمني”.
وأوضح علالة في تصريح لـ”العرب”، “أعتقد أن صندوق النقد لن يغير من ثوابته من أجل مراعاة تونس، والذهاب إلى الصندوق هو خيار الأمر الواقع، حيث أن تونس ليس لها بديل عنه”.
واستطرد قائلا “نتيجة توافق القوى النافذة (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) هناك التقاء بين هذه الأطراف، وهذا ما سيجعل تونس تحصل على القرض”.
وكانت الحكومة التونسية توصلت في سبتمبر الماضي إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد يمكنها من الحصول على 1.9 مليار دولار، لكن الرئيس سعيد رفض لاحقا السير في الاتفاق معتبرا أن الشروط التي تضمنها تهدد السلم الأهلي في البلاد، لاسيما في علاقة برفع الدعم عن المواد الأساسية والتفويت في المؤسسات العمومية.
وهناك أنباء عن أن الحكومة التونسية تتجه لطرح نسخة معدلة على صندوق النقد بالتوافق مع شركائها الأوروبيين.