البنك الدولي يطلق صفارة إنذار للحكومة: اقتصادكم هش

تقرير البنك الدولي بشأن وضع الاقتصاد العراقي بدد الصورة التي سعت الأحزاب الحاكمة في حكومة محمد شياع السوداني أن ترسمها عن العراق. فالبنك الدولي أربك مساعي الإيحاء بأن الأمور تسير بشكل جيد، وقال إن اقتصاد العراق هش ويعاني من الركود في ظل زيادة النفقات.
بغداد - وجّه البنك الدولي في تقريره الأخير عن أوضاع الاقتصاد العراقي ما يشبه رسالة تحذير لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، نظرا لركود الناتج الإجمالي المحلي غير النفطي، وارتفاع مستويات الديون، وانخفاض قيمة الدينار بسبب سياسات المصرف المركزي التي تدفع مئات الملايين من الدولارات إلى السوق الموازية، وارتفاع معدلات التضخم واعتماد البلاد على الاستيراد.
ويقول مراقبون إن التقييم الذي قدمه البنك الدولي مخالف تماما للتصورات التي تحاول الحكومة العراقية أن تشيعها عن أوضاع البلاد الاقتصادية، وذلك لأنها لا تريد أن تجد نفسها في مواجهة مع الأطراف السياسية التي تعتقد أن الوضع الحالي هو الوضع “الطبيعي”.
وقال البنك الدولي في تقرير بعنوان “ضغوط متجددة: تعافي العراق في خطر” إن “اقتصاد العراق يعاني من ركود الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، والصناعات، والأنشطة الزراعية، الذي صاحبه ارتفاع معدلات التضخم، حيث يفتقر العراق في ظل حكومته الحالية؛ لإصلاحات هيكلية واسعة النطاق تقوّي اقتصاده بعيدًا عن النفط”.
ووصف التقرير اقتصاد العراق بأنه هش، وللدلالة على ذلك، ذكر أن “الموازنة السنوية التي أقرّتها السلطات الحكومية، تشهد زيادة كبيرة في حجم النفقات العامة بنسبة 59 في المئة عن السنة السابقة، والتي تمثّل 74.3 في المئة من إجمالي الإنفاق، مما سيؤدّي إلى عجز مالي كبير قدره 51.6 تريليون دينار عراقي، أي ما يعادل 39.7 مليار دولار، والذي يمثل 14.3 في المئة من حجم الواردات العامة، أي أكثر من نصف الاحتياطيات القياسية الأخيرة التي تراكمت في أعقاب الطفرة في أسعار النفط”.
◙ التقييم الذي قدمه البنك الدولي مخالف تماما للتصورات التي تحاول الحكومة أن تشيعها عن أوضاع البلاد الاقتصادية
وبحسب البنك الدولي فإن “افتقار العراق إلى تنويع مصادر الدخل بسبب السياسات الفوضوية للحكومات المتعاقبة، أدى إلى انكماش الناتج المحلي بمقدار1.1 في المئة، في 2023 وزيادة الدين العام للبلاد ليبلغ 58.3 في المئة بعد أن كان في السنة السابقة 53.8 في المئة أي سيصل إلى 152 مليار دولار، بزيادة 10 مليارات دولار، فيما وبلغ مجموع الديون الخارجية إلى 50 مليار دولار، والداخلية 102 مليار دولار، مما يعني أن السلطات الحكومية اقترضت في السنوات الثلاث السابقة داخليًا حوالي 60 مليار دولار، بمعدل 15 مليارا سنوياً، وبفوائد سنوية للديون الداخلية تبلغ 16 إلى 17 في المئة من حجم الديون”.
ويقول مراقبون إن حكومة السوادني تعتمد على إيرادات البلاد من النفط، من دون أن تلاحظ أن تراكم الديون، الداخلية والخارجية بمعدلات عالية، تعني وضع قنبلة موقوتة تحت اقتصاد البلاد، وهذه القنبلة لا بد لها أن تنفجر في نهاية المطاف، سواء إذا تراجعت أسعار النفط، أو إذا عجزت الحكومة عن خدمة الديون، أو كلاهما معا.
وكانت حكومة السوداني اعتمدت موازنة لسنة 2023 تبلغ 197.8 تريليون دينار عراقي (نحو 152.1 مليار دولار)، حيث بلغت المصروفات التشغيلية 150.2 تريليون دينار (نحو 115.5 مليار دولار)، في حين بلغت الموازنة الاستثمارية 47.5 تريليون دينار (نحو 36.6 مليار دولار)، أمّا العجز فهو 63.2 تريليون دينار (49.3 مليار دولار)، واعتمدت الحكومة سعر 70 دولاراً لبرميل النفط، بالنظر إلى أن أكثر من 95 في المئة من إيرادات الموازنة تعتمد على مبيعات النفط، وفي حال انخفض سعر خام برنت إلى نحو 60 دولاراً للبرميل، فإن الإيرادات النفطية عندئذ ستكفي فقط لتغطية فقرتَي رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية اللتين تصلان إلى أكثر من 87 تريليون دينار (66.9 مليار دولار) في الموازنة.
ووفق البنك الدولي فإنّ “آفاق المستقبل الاقتصادي في العراق ما تزال معرّضة لمخاطر كبيرة؛ بسبب الاعتماد المفرط على النفط، الذي يجعله عُرضةً للصدمات في أسواق النفط والطلب العالمي مثلما يتّضح من تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى العوامل المحركة للهشاشة والتي تشكّل تحديات أساسية للاقتصاد، كاستشراء الفساد، وسوء تقديم الخدمات وتطوير البنى التحتية، والمخاطر الأمنية”.
وأضاف البنك الدولي أن “استمرار السلطات الحكومية في اتباع هذه السياسات، سيجعل من موازنة البلاد تصب في صالح الأحزاب السياسية التي أخّرت عجلة التنمية، وجعلتها تعاني من اختلالات كبيرة على الرغم من مرور عقدين من مزاعم انتهاء الحرب”.
◙ حكومة السوداني تتعرض لضغوط من الجماعات الموالية لإيران التي ترفض إنفاق الأموال في مشاريع اقتصادية لا يتحمل المستثمرون القسط الأكبر من أعبائها
وبشأن سياسات المصرف المركزي العراقي في تخفيض قيمة العملة المحلية، أفاد البنك الدولي بأن “خفض قيمة الدينار العراقي أدى إلى زيادة التضخم الكلي والأساسي، جراء الاعتماد الكبير على عمليات الاستيراد في ظل ضعف الإنتاج المحلي الذي لا تدعمه السلطات الحكومية، والذي فضح اقتصاد البلاد الهش”. وأضاف تقرير البنك أن “معايير المعاملات التي يعتمدها المصرف المركزي العراقي من خلال مزادات بيع العملة؛ تسببت في إعادة توجيه العملة الصعبة إلى السوق الموازية الأمر الذي تسبب في خفض قيمة الدينار مقابل الدولار”.
ويرى خبراء اقتصاديون أن حكومة السوداني تتعرض لضغوط من جهة الجماعات الموالية لإيران التي ترفض إنفاق الأموال في مشاريع اقتصادية لا يتحمل المستثمرون القسط الأكبر من أعبائها، على اعتبار أن هذا هو الوضع “الطبيعي”، وأن عائدات العراق من النفط إذا كانت تكفي لسد الاحتياجات “التشغيلية”، فإن هذا الوضع يمكن التعايش معه.
ولكن، على العكس من الصورة القاتمة التي رسمها البنك الدولي استبعد مظهر محمد صالح المستشار المالي للسوداني، حدوث عجز مالي في السنة المالية الحالية 2023، مؤكداً أن الوضع المالي في البلاد يشير إلى درجة عالية من الاستقرار. وقال “الموازنة العامة الاتحادية للسنوات 2023 – 2024 – 2025، قد أخذت بالحسبان الاحتياط الكافي لتقلبات إيرادات الموازنة السنوية، وتحديداً الإيرادات النفطية، إذ تبنت السياسة المالية عجزاً افتراضياً بلغ قرابة 64 تريليون دينار”.
وأضاف أن "الموازنة العامة الاتحادية بينت في الوقت نفسه في قانونها تفصيلاً واضحاً لمصادر تمويل ذلك العجز أيضاً، إذ ستكون مصادره التمويلية عند الضرورة من فوائض السوق المالية الداخلية، من خلال التعاطي بسندات وحوالات الخزينة التي تصدرها الحكومة".