البنك الدولي يطالب مسقط بتهدئة مخاوف الديون

تصاعدت تحذيرات خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية لتصنيفات سلطنة عمان الائتمانية، في ظل تنامي الديون وبطء وتيرة الإصلاحات الاقتصادية وزيادة الإنفاق الحكومي، الذي جعل مسقط تلجأ للاقتراض الخارجي بشراهة لسد العجز في الموازنة.
مسقط - حملت إشارات البنك الدولي حول مستوى ديون سلطنة عمان في طياتها الكثير من القلق كون الدولة الخليجية لا تزال بعيدة عن تنفيذ وعود الإصلاح للخروج من أزمتها.
ويرى المسؤولون في البنك أن مسقط تحتاج لضبط أوضاع المالية العامة وتحسين الإنفاق العام، إلى جانب تنفيذ إصلاحات للحد من الدين المتنامي.
وتضررت خزائن الدولة جراء هبوط أسعار النفط في السنوات القليلة الأخيرة نظرا لاعتمادها الشديد على مدى عقود على عوائد الطاقة كباقي جيرانها في الخليج.
ولجأت مسقط بشكل متزايد إلى الاقتراض الخارجي، الذي وصل إلى مستويات أثارت قلق المستثمرين ودفع تصنيفها الائتماني إلى الفئة العالية المخاطر.
ونسبت وكالة رويترز للمدير الإقليمي للبنك الدولي لدول الخليج عصام أبوسليمان قوله “ثمة قلق بشأن الدين المتنامي، فقد زاد بوتيرة سريعة جدا، وهذه مسألة تستدعي اهتماما”.
وأضاف “سيكون من الضروري ضبط أوضاع المالية العامة وتحسين الإنفاق العام وهذان العنصران مهمان، والإصلاحات الأوسع نطاقا ستكون مفيدة جدا”.
وتقدر وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية أن الدين العماني زاد إلى نحو 49 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي من أقل من 5 بالمئة في 2014.
وترجح الوكالة أن يرتفع الدين إلى نحو 64 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، إذا لم تسرع الحكومة العمانية من وتيرة الإصلاحات.
ورغم تلك النظرة، أكد أبوسليمان أن ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأشهر الأخيرة ساعد عمان، وإذا مضت السلطنة قدما في مسيرة التنويع الاقتصادي والإصلاحات، فإنها ستخرج من وضعها الحالي.
ويتوقع البنك الدولي أن يتباطأ معدل نمو الاقتصاد العماني إلى 1.2 بالمئة في 2019 مع التزام السلطنة بقيود إنتاج النفط التي اتفقت عليها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وباقي حلفائها في ديسمبر الماضي.
وكانت بعثة صندوق النقد الدولي التي أنهت زيارتها إلى مسقط في الثامن من الشهر الماضي، قد طالبت الحكومة العمانية بالتعجيل بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية.
وقال ستيفان روديه رئيس البعثة في بيان حينها إن “الإسراع في عملية الإصلاح يعد مطلبا بالغ الأهمية لتحفيز الاستثمار الخاص وتوفير فرص العمل وتحسين الإنتاجية والقدرة التنافسية والمضي قدما في تنويع الاقتصاد”.
لكنه أشار إلى أن الاقتصاد يشهد تعافيا مؤقتا، فبعد انخفاض معدل نمو القطاع غير النفطي إلى نحو 0.5 بالمئة في 2017 عاد وارتفع العام الماضي ليبلغ 1.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأرجع روديه ذلك الارتفاع إلى مستوى الثقة المدفوع بحدوث ارتداد إيجابي في أسعار النفط بالأسواق العالمية بفضل اتفاق أوبك وارتفاع مستوى الإنفاق الحكومي.
وتسعى مسقط إلى تخفيف الضغوط بتعزيز الإيرادات غير النفطية، وقد يتم فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة في أواخر العام الجاري.
وخلال الشهر الماضي، خفضت ستاندرد آند بورز نظرتها المستقبلية لسلطنة عمان إلى سلبية من مستقرة.
وقال خبراء الوكالة في تقرير حينها إن “تآكل هوامش الأمان المالي والخارجي سيستمر في ظل غياب إجراءات مالية قوية لكبح العجز الحكومي”.
وفاجأت سلطنة عُمان الأوساط الاقتصادية في يناير الماضي حينما أقرت زيادة الإنفاق في موازنة العام الجديد إلى مستوى أعلى غير مكترثة للعجز الكبير الذي سيتم تسجيله.
وتجاهلت مسقط بتلك الخطوة كل تحذيرات وكالات التصنيف الدولية من مخاطر تعرض اقتصادها لمشكلة محتملة في طريق تنفيذ برنامجها الإصلاحي.
وتقول الحكومة إنها تهدف من الموازنة إلى تحقيق الاستدامة المالية والمتمثلة في السيطرة على العجز، المتوقع أن يبلغ 7.3 مليار دولار، ورفع التصنيف الائتماني للدولة مع مراجعة أولويات الإنفاق والدعم الحكومي.
وتتوقع وكالة موديز، التي خفضت قبل أشهر التصنيف السيادي لسلطنة عمان إلى بي.أي.أي 3، على مدى السنوات الخمس المقبلة أن يظل العجز المالي في عمان كبيرا، حيث سيتراوح بين 5 و7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول الحكومة إنها ستمول نحو 86 بالمئة من العجز عبر الاقتراض من السوقين المحلية والخارجية، وأما الباقي فسيتم الحصول عليه من الاحتياطات النقدية لدى البنك المركزي.
وتغطي مسقط العجز، عادة، عن طريق السحب من الاحتياطيات المالية التي تنكمش، وفقا لما ذكرته فيتش الشهر الماضي حين خفضت تصنيف الدولة إلى مستوى عالي المخاطر.
وتتوقع فيتش رايتنغ أن يبلغ الدين 58 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2020، وتحول صافي الأصول الأجنبية من 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى سالب 8 بالمئة العام المقبل.
وتتسلح الحكومة في موازنة هذا العام بتدابير احترازية تراعي تأثيرات استمرار تذبذب أسعار النفط وترتيب الأولويات بما ينسجم مع الموارد المالية المتاحة، متجنبة المساس بالخدمات الحكومية الأساسية.
ويتوقع أن يبلغ مستوى الإنفاق في الموازنة 33.5 مليار دولار، ارتفاعا من 32.5 مليار دولار في الموازنة السابقة.
وتعني الخطوة أن الإنفاق المتوقع سيرتفع بنحو 3 بالمئة مقارنة مع 7 بالمئة اعتمدته الحكومة في موازنة 2018.
وتقدر الموازنة الإيرادات عند 26.2 مليار دولار على افتراض متوسط سعر نفط يبلغ 58 دولارا للبرميل هذا العام. وبناء على ذلك، سيوازي العجز 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.