البنك الدولي يشيد بصمود الاقتصاد المغربي في وجه الصدمات

الرباط - تعطي آفاق نمو الاقتصاد المغربي الذي أظهر تأقلما في وجه الصدمات الخارجية خلال السنوات الماضية، لمحة عن مرونة الإصلاحات التي تعوّل عليها الحكومة كونها أحد صمامات الأمان للاستقرار المستدام.
ومنح تأكيد البنك الدولي في أحدث تقييماته أن المغرب تمكن من مواجهة التقلبات خلال عام 2023 دفعة معنوية قوية للاقتصاد لتجاوز الظروف التي فرضتها الحرب في شرق أوروبا على السوق المحلية.
وأكد المدير الإقليمي للبنك الدولي في المغرب العربي ومالطا جيسكو هنتشل خلال اجتماع عقده في الرباط الخميس الماضي على أن المغرب برهن على صمود متميز في مواجهة مختلف الصدمات، بما في ذلك تلك المترتبة عن آثار زلزال الحوز.
وأبرز هنتشل في حديثه خلال مائدة مستديرة نظمها البنك لمناقشة نتائج التقرير الجديد الذي يرصد حالة الاقتصاد المغربي بعنوان “من القدرة على الصمود إلى الرخاء المشترك”، أهمية الإصلاحات التي اعتمدتها المملكة لتعزيز المرونة الخارجية للبلاد.
وأوضح أن الإصلاحات من شأنها أيضا تعزيز الرخاء المشترك وتحقيق الأهداف التنموية الطموحة المتضمنة في النموذج التنموي الجديد.
وبعد انتعاش قوي في أعقاب جائحة كورونا في العام الماضي، تعرض الاقتصاد المغربي لضغوط متزايدة بسبب تداخل صدمات سلاسل الإمداد وموجة جفاف شديدة وزيادة هائلة في أسعار السلع أدت إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم.
والآن، يتلمس البلد طريق التعافي التدريجي رغم قلة الأمطار وآثار الأزمات العالمية بعد تسجيل مؤشرات إيجابية في القطاعات الرئيسية في الأشهر التسعة الأولى من 2023، وسط تفاؤل المسؤولين بأن تكون النتائج أفضل بحلول 2024.
وتوقعت وزيرة المالية المغربية نادية فتاح العلوي الشهر الماضي نمو اقتصاد بلادها بنسبة 3.4 في المئة هذا العام، رغم التحديات التي تواجه البلاد والمتمثلة في تداعيات الزلزال والجفاف.
وانخفض العجز التجاري للبلاد للشهر الرابع على التوالي في أكتوبر، وتقلص بنسبة 7.2 في المئة على أساس سنوي في أول 9 أشهر من 2023 إلى 20.9 مليار دولار، وفقا للإحصائيات الشهرية الصادرة عن مكتب الصرف.
وجاء التراجع نتيجة انخفاض الواردات وخصوصا الطاقة بواقع 4 في المئة خلال الفترة المذكورة إلى 51.8 مليار دولار رغم انحسار الصادرات على أساس سنوي بنحو 1.6 في المئة لتبلغ 30.8 مليار دولار.
وأثرت واردات الطاقة في انخفاض العجز التجاري، إذ تراجعت بنسبة 20.9 في المئة لتبلغ 8.9 مليار دولار مع انخفاض الأسعار والكميات المستوردة مع نهاية سبتمبر.
2.8
في المئة نمو متوقع للاقتصاد هذا العام على أن يبلغ 3.3 في المئة في 2024 و3.5 في المئة في 2025
كما استمرت صادرات الفوسفات ومشتقاته في التراجع في نفس الفترة بنسبة 41.5 في المئة إلى 5.2 مليار دولار.
لكن في المقابل أظهر قطاع السياحة نموا ملحوظا مع نمو الإيرادات إلى نحو 7.8 مليار دولار بارتفاع قدره 24.8 في المئة بمقارنة سنوية، وهو مستوى تجاوز ما تم تحقيقه في نفس الفترة من عام 2019.
وإلى جانب السياحة، تعتمد الرباط على المغتربين لتعزيز احتياطاتها من العملة الصعبة، حيث ارتفعت بحوالي 5.4 في المئة على أساس سنوي من يناير إلى سبتمبر لتبلغ حوالي 8.5 مليار دولار.
واعتبر الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي في المغرب خافيير دياز كاسو أنه إثر التباطؤ المسجل العام الماضي والناتج عن مختلف الصدمات المناخية وذات الصلة بالمنتجات الأولية، فمن المتوقع أن يتعافى النمو الاقتصادي بنسبة 2.8 في المئة هذا العام.
وأرجع ذلك النمو، وهو أقل من توقعات الحكومة المغربية، إلى الانتعاش الجزئي للإنتاج الزراعي والخدمات وصافي الصادرات.
ورغم مواسم الجفاف المستمرة، استقرت صادرات القطاع الزراعي والصناعة الغذائية عند 6.1 مليار دولار، بانخفاض قدره 0.5 في المئة على أساس سنوي، بحسب البيانات الحكومية.
ونقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية عن كاسو قوله “من المرجح أن يتعزز هذا الانتعاش على المدى المتوسط ومن المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي إلى 3.1 في المئة في العام المقبل و3.3 في المئة في سنة 2025 و3.5 في المئة في 2026”.
التضخم انخفض إلى النصف بين شهري فبراير وأغسطس الماضيين، بينما لا يزال التضخم المرتبط بالأغذية مرتفعا
وأشار إلى أن التضخم انخفض إلى النصف بين شهري فبراير وأغسطس الماضيين، بينما لا يزال التضخم المرتبط بالأغذية مرتفعا.
وعلاوة على ذلك، أبرز كاسو المرونة التي يتحلى بها الاقتصاد المغربي في مواجهة الصدمات، مفسرا أن البلاد تمكنت من تدبير الاستجابة الإنسانية للزلزال بنجاح، وكذلك بلورة مخطط تنموي طموح لتحرير إمكانات التنمية في الأقاليم الأكثر تضررا.
وقال إن “الزلزال أسفر عن عواقب بشرية ومادية مدمرة، لاسيما في المجتمعات الجبلية المعزولة، ولكن من غير المرجح أن تكون له آثار كبيرة على الاقتصاد الكلي”.
وأكد أن حفاظ الرباط على قدرتها على دخول الأسواق المالية العالمية رغم التشديد الحالي للأوضاع المالية الدولية، يبرهن أيضا على المرونة.
وشدد كاسو على أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر سوف تظل في مستويات مهمة وموجهة بصورة متزايدة نحو قطاع الصناعات التحويلية.
وتشير المعطيات الواردة ضمن النشرة الشهرية لمكتب الصرف إلى انخفاض صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 44.4 في المئة لتصل إلى 1.1 مليار دولار.
وأكدت الخبيرة الاقتصادية بالبنك الدولي فيديريكا مارزو على الحاجة إلى نقلة نوعية تسمح بتمكين المرأة المغربية على المستوى الاقتصادي، تشكل خطوة حاسمة لتحقيق طموحات البلاد الأساسية الواردة في النموذج التنموي الجديد.
ولفتت إلى أهمية مراعاة الإكراهات الخاصة التي تواجهها المرأة في المناطق القروية والحضرية، على غرار المشاكل المتعلقة بالتنقل والإدماج المالي والرقمي وتحسين ظروف العمل.
وقالت إن “الرفع من مدى مشاركة المرأة في سوق الشغل سيكون له تأثير اقتصادي ملحوظ، مما سيشكل حافزا فعالا للتنمية السوسيو – اقتصادية”.