البكالوريا ترهق العائلات أكثر من الطلاب في تونس

استعدادات الأسر للحدث الاجتماعي تنطلق منذ بداية العام وتشتد قبيل انطلاق الامتحانات.
الخميس 2024/05/02
أمل في النجاح

يؤكد خبراء علم الاجتماع والمتخصصون في البيداغوجيا أن البكالوريا في تونس ترهق العائلات أكثر من الطلاب لأن نجاح الأبناء يعتبر بمثابة نجاح الأسرة وفشلهم هو فشل لها أيضا، لذلك تكثف الأسر من استعداداتها لهذه المناظرة الوطنية حتى تتم في أجواء مناسبة للنجاح، فتخصص ميزانية إضافية لدروس التقوية والتدارك وتتابع الطالب في كل تفاصيل عامه الدراسي.

تونس ـ تتنافس العائلات التونسية من أجل أن يظفر أبناؤها بشهادة البكالوريا ذات القيمة الاجتماعية المتميزة لكونها تفتح الأبواب أمامهم للارتقاء في سلم العلم والمعرفة وتضمن لهم مكانة اجتماعية مرموقة منذ أن تطأ أقدامهم الجامعة.

ويبدأ الاستعداد لهذا الامتحان عند عدد من الأسر حتى قبل سنة من انطلاقه فتجدهم يعملون على ادخار نصيب من المال اللازم لدروس الدعم والتدارك، خصوصا إذا كان الطالب يدرس بالشعب العلمية. وقد يتراوح سعر الشهر الواحد لمادة الرياضيات أو الفيزياء على سبيل المثال 200 دينار أي ما يعادل 60 دولارا في الشهر، ويقل هذا المبلغ إذا كان الطالب يدرس بالشعب الأدبية.

وتقول فضيلة بالشيخ (50 عاما) ربة بيت وأم لطالبة تدرس بشعبة الآداب إنها تخصص مبلغا ماليا مهما نظير دراسة ابنتها للدروس الخصوصية في مادة الفلسفة والعربية والإنجليزية، مشيرة إلى أن أسعار حصص المراجعة ترتفع قبيل بداية الامتحان.

بدوره أشار ناصر الكوكي (57 سنة) إلى أن ابنه الدارس بالبكالوريا علوم تجريبية يتلقى دروس دعم منذ انطلاق العام الدراسي وهو ما كلفه الكثير من المال.

وقال الكوكي إن ابنه يتلقى دروسا في مواد الرياضيات والفيزياء والعلوم التجريبية وهي مواد أساسية في شعبة العلوم.

ورغم ذلك لم يبد الرجل تذمرا فنجاح ابنه بالنسبة إليه غاية يجب بذل الكثير من أجل الوصول إليها.

العائلات تنتشي بالنجاح لوصول ابنها إلى المرحلة الجامعية، والبكالوريا تحدد المستوى العلمي في السلم الاجتماعي

ولا تدخر الأسر التونسية جهدا من أجل نجاح أبنائها مهما كانت مستوياتهم العلمية ومها بلغت تكلفة العام الدراسي.

كشفت بينات إحصائية نشرتها وزارة التعليم العالي أن معدل الكلفة السنوية للطالب الواحد في القطاع العمومي بلغت 7532 دينارا سنة 2022.

وأشارت الوزارة إلى تراجع هذه الكلفة التي كانت في حدود 8057 دينار في سنة 2021 و7645 دينار في سنة 2020.

و تطور عدد الطلبة في القطاعين العام والخاص خلال الموسم الجامعي 2022-2023 ليبغ عددهم نحو 305.635 طالبا، 14.7 منهم ينتمون إلى مؤسسات جامعية خاصة، علما وأن عدد الطلبة في القطاعين العام والخاص بلغ في الموسم الجامعي 2021-2022 نحو 298.805 طالب. وتفوق كلفة الطالب في المدارس الابتدائية مقداره 850 دينار أي ما يعادل 269 دولارا.

ولا تقتصر استعدادات العائلات التونسية على الأمور المادية فحسب بل هم يسعون إلى توفير كل أجواء الراحة لأبنائهم بتوفير غرف خاصة لهم ومرافقتهم في ساعات المراجعة والاتصال بأساتذتهم سواء أساتذة الفصل أو أساتذة حصص الدروس الخصوصية.

وتعد الامتحانات الوطنية، ولاسيما البكالوريا، حدثاً سنوياً مهماً لدى الأسر التونسية التي تبدأ تحضيراتها لهذا الاستحقاق في وقت مبكر من العام الدراسي، من خلال دعم التلميذ المتقدّم لامتحانات الثانوية العامة بدروس التقوية والنصائح والمساندة النفسية، بالإضافة إلى الحرص على تغذية التلميذ جيداً خلال فترة المراجعة للامتحانات.

وتحظى المناظرة الوطنية باهتمام كبير لدى الأسر التونسية التي تكثف من استعداداتها منذ انطلاق الموسم الدراسي بتوفير الحاجيات لأبنائها ومتطلباتهم اللازمة، فضلا عن كون البكالوريا ترسّخت في تقاليد الأسر ونواميس حياتها.

الامتحانات الوطنية، ولاسيما البكالوريا، تعد حدثاً سنوياً مهماً لدى الأسر التونسية التي تبدأ تحضيراتها لهذا الاستحقاق في وقت مبكر من العام الدراسي

وأفاد فريد شويخي المتخصص في البيداغوجيا الجديدة ورئيس جمعية منتيسوري لشمال أفريقيا، أن “الأسر التونسية تعتبر شهادة البكالوريا مفتاحا للنجاح والمستقبل وفتح آفاق مهنية، وبالتالي نجاح التلميذ يعني نجاح الأسرة في حدّ ذاتها”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن “العائلات تنتشي بفرحة النجاح لأنها أوصلت ابنها إلى المرحلة الجامعية، والبكالوريا تحدد المستوى العلمي في السلم الاجتماعي”.

ويرى شويخي أن الأسر التونسية مرهقة حتى أكثر من الأبناء، لأن نجاح التلميذ يعني نجاح العائلة وفشله هو فشلها.

ويرى علماء الاجتماع أن البكالوريا بمثابة “ظاهرة” سنوية تؤثث البيوت التونسية، حيث يستعد الأولياء لإنجاح الحدث منذ بداية السنة عبر التراتيب والتنظيمات وتوجيه أبنائهم، وقد أخذ الحدث بعدا تنافسيا بين الأسر لأهميته البالغة في المصعد الاجتماعي.

ويقول الباحث زهير بن يوسف، إنّ الأهمية التي تكتسبها الامتحانات الوطنية لدى العائلات سببها اعتبار التعليم رافعة اجتماعية، مشيراً إلى أن امتحانات الباكالوريا تعدّ المدخل الرئيسي لعالم العمل، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعائلات.

ويؤكد بن يوسف، أنّ المعبر الأساسي لهذه الرافعة الاجتماعية هو اجتياز امتحانات الباكالوريا، ما يعطيها هذه القيمة. ويشير إلى أن عادات التونسيين وطقوسهم الخاصة بالامتحانات تعكس تعلقهم بالمسار التعليمي لأبنائهم، الأمر الذي يفسر ارتفاع عدد التلاميذ الذين يبلغون المرحلة النهائية الثانوية بالمقارنة مع أولئك الذين يتخرجون من مرحلة التعليم العالي.

بدورها، دعت وزارة التّربية التونسية، إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية تعمل على التّنسيق والإشراف العام على تنظيم ورشات عمل بالمؤسّسات التربوية من أجل دعم مجهودات الطلاب في هذه المرحلة التي تستوجب الإحاطة البيداغوجية والنفسية بهم، استعدادا لامتحان البكالوريا 2024.

Thumbnail

ستمكّن هذه الورشات، حسب بلاغ لوزارة التّربية، الطلاب المترشحين لاجتياز بكالوريا 2024 من التّدرب على كيفية التّعامل مع مواضيع الاختبارات الكتابية للبكالوريا سواء على مستوى استغلال الزّمن أو على مستوى المنهجية والاستئناس بطبيعة الأسئلة الخاصة بكلّ مادة وذلك بتناول المواضيع السابقة وبعض الموارد البيداغوجية التّي يعدها المدرسون بالتنسيق مع متفقدي المواد في الجهات.

وستتولى اللجان المعنية إعداد وثيقة على شكل كراس تمارين للدّعم والعلاج توفَّر للتّلاميذ في صيغة ورقية أو رقمية حسب المتاح.

ويشار إلى أن المترشحين لامتحان بكالوريا 2024 قد اجتازوا اختبارات التّربية البدنية ”خلال الفترة من 15 إلى 27 أبريل 2024، وسيكونون أيام 8 و9 و10 و13 و14 و15 مايو الجاري على موعد مع البكالوريا البيضاء.

وبحسب روزنامة وزارة التّربية تجرى الاختبارات التّطبيقية والشّفاهية للدّورة الرّئيسية للبكالوريا من 16 إلى 29 مايو 2024، فيما يجتاز المترشحون الاختبارات الكتابية الخاصة بالدورة الرئيسية لامتحان شهادة الباكالوريا أيام 5 و6 و7 و10 و11 و12 يونيو 2024 على أن يتمّ الإعلان عن النتائج يوم 25 يونيو 2024.

ويجتاز المؤجلون، اختبارات دورة المراقبة أيام 1 و2 و3 و4 يوليو 2024 على أن يتمّ الإعلان عن النتائج يوم 14 يوليو 2024.

15