"البعبع" فيلم يرفع شعار العنف من أجل العنف

المصري أمير كرارة يخرج من عباءة الضابط إلى البلطجي.
الأربعاء 2023/07/05
أمير كرارة يذكرنا بالفنان الأميركي فان دام

ليس من السهل على الممثل أن يغادر شخصية كررها أكثر من مرة، وهذا ما نلاحظه بعد مشاهدة الممثل المصري أمير كرارة عقب إتقانه دور الضابط المقاتل والصلب في عدد من الأعمال الدرامية، لينتقل إلى دور مغاير هو دور البلطجي في فيلم “البعبع”، لكن بنفس الثوب مع تغيرات في الأهداف بين نبل الضابط وإجرام البلطجي.

القاهرة - شهدت دور العرض السينمائي في مصر مع موسم عيد الأضحى عددا من الأفلام لنجوم كبار اشتاقوا إلى جمهورهم، تراوحت بين الكوميدي والحركة أو الأكشن، على اعتبار أن المغرمين بالسينما يقبلون على هذين النوعين أكثر من الأفلام التي يتم إعدادها لأجل عرضها في مهرجانات فنية تتناول قصصا عميقة ويجري تقديمها من خلال قوالب تحتاج إلى تركيز كبير وتعلي من شأن التفاصيل الدقيقة.

حقق فيلم “البعبع” نجاحا جماهيريا في الأيام الأولى لعرضه عبر خلطة فنية رفعت شعار العنف من أجل العنف، فالقصة التي اعتمد عليها ساذجة ومكررة، حيث يقوم البطل الفنان المصري أمير كرارة بدور “سلطان” الذي خرج للتو من السجن ليعود إلى عالم الإجرام الذي برع فيه قبل سجنه، ومنه أطلق عليه لقب “البعبع” الذي يخيف الناس ويتم اللجوء إليه في عمليات السطو والنحر والبلطجة، وغالبية المشاهد التي ظهر فيها تحوي عنفا مفرطا، ولم يخل مشهد منه.

فان دام المصري

هذه النوعية من الأفلام المركبة ربما صنعت خصيصا لجمهور السينما من الشباب مناسبة لموسم مثل عيد الأضحى
هذه النوعية من الأفلام المركبة ربما صنعت خصيصا لجمهور السينما من الشباب مناسبة لموسم مثل عيد الأضحى

يشعر المشاهد بأن كرارة لم يخرج من دور ضابط الشرطة أو الجيش القوي الذي يملك قوة خارقة تساعده على هزْم فصيل مسلح، لكن بصورة مغايرة؛ إذ تحول الضابط القوي المدافع عن الدولة الوطنية في مسلسلي “كلبش” و”الاختيار” إلى بلطجي قوي في فيلم “البعبع”، والذي جاء قريبا من فيلمي “كازابلانكا” و”حرب كرموز”، وقام ببطولتهما أمير كرارة في السنوات الماضية.

ويبدو أن الثيمة المشتركة بين الأعمال الدرامية والسينمائية هي وجود فائض في القوة لدى أمير كرارة تذكرنا بالفنان الأميركي فان دام وأفلامه المليئة بالعنف والحركة وكان فيها يقهر كل خصومه بقبضة واحدة بعيدا عما يملكونه من أسلحة وقوة جسمانية.

عندما أراد كرارة الخروج من عباءة الضابط ارتدى عباءة البلطجي، ورغم أنه أجاد فيهما باعتباره فنانا موهوبا وممثلا بقدرات خاصة فإن النقلة التي قام بها لم تضف إليه جديدا على المستوى الفني، وربما تحشره في قالب واحد وإن تفاوتت مسميات الأدوار. فالتمادي في الأكشن، الذي من الواضح أن رغبة الفنان المصري التقت فيه مع رغبة صناع العمل، أصبح تيمة تضمن لكليهما تحقيق النجاح.

وحاول مخرج فيلم “البعبع” حسين المنباوي توسيع قماشة العمل من خلال إضفاء قالب كوميدي عليه للحد من جرعة العنف، فاستعان بالفنان الكوميدي محمد أنور، ومنح باسم سمرة مساحة للفكاهة وهو زعيم عصابة، وأسند دورا رئيسيا للطفل جان رامز الذي خففت المشاهد التي ظهر فيها من حدة العنف، فالطفل يتمتع بشخصية لطيفة أحدثت توازنا نسبيا مع أجواء العنف التي تحولت إلى هدف في حد ذاته.

ويستطيع “سلطان”، البعبع البلطجي الطموح الذي يتلاعب بعصابات إجرامية، الخروج بسهولة من أي مأزق يواجهه، وأسهمت كاريزما كرارة الفنية في تحويل الكثير من مشاهد العنف إلى كوميديا، مستفيدا من وجود باسم وأنور ومحمد عبدالرحمن ومحمد محمود والطفل جان، والمفارقات المثيرة للضحك التي ظهرت أثناء ممارسة العنف.

وعلى الرغم من المتاعب التي يواجهها الفنان في أفلام الأكشن، ساعدت التكنولوجيا المستخدمة في إخراج هذه الأفلام بالصورة الأميركية الشهيرة على تخفيف جرعة التعب عن الفنان، فالكثير من مشاهد التحطيم والعنف والرصاص وتصادم السيارات تستخدم تقنيات فنية عالية تشعر الجمهور بأنه أمام مشاهد حقيقية.

غغ

ويصعب الحديث عن قصة الفيلم التي تدور حول عصابة تريد تهريب قطعة آثار فرعونية إلى الخارج تحاول عصابة أخرى خطفها منها، وتختصر عمليات العنف والخطف والبلطجة بين المتصارعين الكثير من المسافات، لأن الكل يضرب الكل ويريد الانتقام، ويبقى “سلطان” البعبع الوحيد الذي يفلت من أنياب أفراد العصابتين.

واختلق مؤلف الفيلم إيهاب بليبل قصة طفلي “سلطان” اللذين لا يعرف عنهما شيئا لتأكيد أن البلطجي إنسان في النهاية ولديه مشاعر للحب مع الكره، ومع أن “سلطان” كان رافضا ومتشككا في أبوته للطفلين فإنه اقتنع بأنه والدهما، وبدأ منحنى العنف يهبط ويتناقص ويتحول إلى عاطفة ويعترف بهما، بعد أن سمع قصة وفاة أمهما والحيلة التي اتبعتها شقيقتها لإيصال طفليه إليه عقب خروجه من السجن.

كل ذلك من العوامل التي أدخلت وحشرت عنوة لدعم القصة وتأكيد أن العنف ليس طبيعة بشرية، فالأصل الحنان والعطف والحب والود، وهو ما حاولت الفنانة ياسمين صبري دعمه عبر شخصيتها كطبيبة تسعى للسفر لاستكمال دراستها، ويوقعها حظها العاثر في طريق “سلطان” فتبدو جزءا من أعمال البلطجة التي يمارسها بلا إرادتها.

وسعت صبري في هذا الفيلم للإيحاء بأنها فنانة موهوبة وأدوارها في مسلسلات سابقة لم تكن مجاملة لزوجها رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، إلا أنها أكدت صواب من اتهموها بأنها صنيعة فنية بلا موهبة حقيقية، فقد لاح الافتعال في جميع المشاهد التي ظهرت فيها، وبدت كأنها ممثلة مبتدئة، وحتى جمالها وأنوثتها ورقتها لم تنفعها في تبديد الانطباع السلبي الذي يؤخذ عنها للوهلة الأولى في الفيلم.

حلقة جديدة للبلطجة

مخرج الفيلم حسين المنباوي حاول توسيع قماشة العمل من خلال إضفاء قالب كوميدي عليه للحد من جرعة العنف
مخرج الفيلم حسين المنباوي حاول توسيع قماشة العمل من خلال إضفاء قالب كوميدي عليه للحد من جرعة العنف

دخلت ياسمين أو “سلمى” في الفيلم عالم البلطجة وتحولت من شابة طبيبة طموحة إلى زعيمة عصابة صغيرة عندما حاولت السطو على التمثال الأثري من “سلطان”، وتواجه عصابات المافيا داخل مصر وخارجها، وظهر المخرج حسين المنباوي عازما على استكمال حلقات العنف ومصرا على عدم توقفها، سواء التي يقوم بها “سلطان” أو “سلمى” أو أي من زعماء العصابات التي طاردتهما باستمرار.

قد تكون هذه النوعية من الأفلام المركبة صنعت خصيصا لجمهور السينما من الشباب مناسبة لموسم مثل عيد الأضحى الذي يشهد إقبالا كبيرا دائما في دور العرض المصرية، خاصة أن في الأعوام الثلاثة الماضية تأثرت السينما بانتشار فايروس كورونا، وربما هذا العام هو الأول الذي يظهر فيه متحررا من توابع الفايروس، بما مكّن الكثير من الأفلام التي جاءت دون المستوى من أن تحقق إيرادات جيدة.

ويصعب الجزم بأن الإيرادات وحدها هي العنصر الفيصل أو الحاسم في الحكم على جودة العمل الفني، أو أن العنف يجذب جمهور السينما، لأن الإقبال ظاهرة مؤقتة في هذه الأوضاع التي تعيشها السينما التي يتوزع جمهورها على شرائح متباينة، بينها شريحة كبيرة تميل إلى العنف، وهو الرهان الذي يميل إليه أمير كرارة، وسبقه فيه أحمد السقا، ثم سرعان ما سيعود إلى تقييم حساباته الفنية بالشكل الذي يحدث توازنا بين العنف المفتعل وذلك الذي يأتي في سياق المضمون وخدمة للعمل.

ويملك كرارة موهبة فنية نضجت بعد فترة طويلة من الكد والتعب والاجتهاد، حتى وضعته في الصفوف الأولى للممثلين في مصر، ما يمكنه من تنويع أدواره، وإن كان العنف والأكشن والقوة عنصرا أصيلا في “كلبش” و”الاختيار” و”كازابلانكا” و”حرب كرموز”، فقد أصبحت الأصل في فيلم “البعبع”، وتضاف إليها البلطجة في أقبح صورها.

13