البطيخ تأكله الملائكة

لا يمكن للمرء أن يتصوّر صيفا دون البطيخ بما يمثله من رواء وغذاء وترطيب للبدن ومتعة للناظرين والمتذوقين، وهو فاكهة شعبية في متناول الجميع وإن كان بمستويات مختلفة، ولا يكاد يخلو منه بلد في العالم، يأخذ نضجه ولونه وحلاوته من خصوبة الأرض وعذوبة الماء وحرارة الشمس ومن وله العاشقين.
من الأقوال المأثورة عن الكاتب الأميركي الساخر مارك توين (1835 – 1910) أن “البطيخ رئيس رفاهيات هذا العالم، وملك بنعمة الله على جميع ثمار الأرض، وعندما يتذوقه المرء، يعرف ما تأكله الملائكة".
وفي واحدة من أجمل قصائده تحدث شاعر الشيلي الكبير بابلو نيرودا (1905-1973) عن "البطيخ الدائري الرائع.. المليء بالنجوم" على أنه "فاكهة من شجرة العطش.. إنه حوت الصيف الأخضر"، مردفا "إنه الكون الجاف الذي يعطى نجوما داكنة. مرة واحدة من خلال سماء البرودة.
هذا يسمح للفاكهة المنتفخة بالهبوط: نصفا الكرة الأرضية مفتوحان يظهران علما أخضر، أبيض، أحمر، يذوب في أنهار برية، سكر، بهجة! صندوق جوهرة من الماء، ملكة اللذة من محلات الفاكهة، مستودع العمق، القمر على الأرض!" ويخاطب البطيخ بروح عاشقة "أنت نقي، الياقوت ينهار بكثرة، ونريد أن نعضك".
بدورها تقول الشاعرة الهندية مونيكا كومار (من مواليد 1977) “كانت رؤية البطيخ مقدمة لي عن المساحة الواسعة، يمكنني فقط تقدير مدى حبك: بالحفنة، مثل البحر أو لا على الإطلاق، تقترب مني، عندما أنظر إلى البطيخ، كم سيكون أحمر، كم سيكون سمينًا، كيف ستكون عيونه التأملية مصفوفة في الداخل.. إصراركم العنيد: الأرض مستديرة كالبرتقالة، فكرة رفضت قبولها، الأرض يمكن أن تكون مثل البطيخ".
وللبطيخ ألوان ومذاقات مختلفة، وجاء في كتاب “المستطرف في كل فن مستظرف” لصاحبه بهاءالدين الأبشيهي المتوفى نحو 1447م/850 هجري عن البطيخ الأصفر “أتانا غلام فاق حسنا على الورى.. ببطيخة صفراء في لون عاشق.. فشبهته بدرا يقد أهلة.. من الشمس ما بين النجوم ببارق". وقال آخر "وبطيخة وافى بها فوق كفه.. إلينا غلام فاق كل غلام.. فخيل لي شمس الأصيل أهلة.. يقطعها بالبرق بدر تمام".
ومما قيل في البطيخ الأخضر “وظبي أتى في الكف منه بمدية.. وقد لاح في خديه شبه شقيق.. فمال إلى بطيخة ثم شقها.. وفرقها ما بين كل صديق.. فشبهتها لما بدت في أكفهم.. وقد عملت فيهم كؤوس رحيق.. صفائح بلور بدت في زبرجد.. مرصعة فيها فصوص عقيق".
وقال آخر "وبطيخة خضراء في كف أغيد أتانا بها فارتاح ذو الهم وابتهج.. وأقبل يفريها بمديته وقد فرى طرفه الساجي القلوب مع المهج".
ومن الطريف أن حديثا منسوبا إلى النبي محمد قد راج على مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيه “عليكم بالبطيخ، فإن فيه عشر خصال: هو طعام، وشراب، وأشنان، وريحان، ويغسل المثانة، ويغسل البطن، ويكثر ماء الظهر، ويقطع البرودة"، وذلك قبل أن تتدخل دار الإفتاء المصرية لتؤكد أن هذا الحديث لا صحة له وأن الرسول لم يتحدث عن البطيخ كما زعم البعض.