البطالة تقود 25 ألف شاب تونسي إلى "قوارب الموت"

تونس – كشف رضوان عيارة كاتب الدولة التونسي المكلف بالهجرة أن حوالي 25 ألف شاب هاجروا بطرق غير شرعية خلال السنوات الخمس الماضية مشددا على أن ظاهرة الهجرة السرية تستوجب بناء علاقة ثقة بين الدولة والشباب الذين انسدت أمامهم الآفاق نتيجة التهميش والبطالة وباتت قوارب الموت الخيار الوحيد أمام الآلاف منهم الحالمين بالرفاه.
وقال عيارة إن غالبية المهاجرين غير الشرعيين تتراوح أعمارهم ما بين 22 و25 سنة، مشيرا إلى أن الحكومة تمكنت من تخفيض المهاجرين إلى 800 بفضل التعاون مع دول الجوار غير أنه أقر، في المقابل، بأن العدد يبقى مرتفعا في تونس التي تراهن على الشباب باعتبارهم ثروتها البشرية.
وتبدو الإحصائيات التي قدمها المسؤول التونسي، من وجهة نظر الخبراء، مجرد تقديرات غير دقيقة؛ إذ تقدر أكثر من دراسة تونسية وأجنبية عدد المهاجرين غير الشرعيين خلال السنوات الخمس الأخيرة بأكثر من 40 ألف مهاجر، لافتة إلى أن السلطات الرسمية لا تملك بيانات دقيقة حول قوارب الموت التي تحولت إلى ظاهرة
تؤرق أهالي الأحياء الشعبية والجهات الداخلية.
وإزاء انسداد الآفاق واستفحال اليأس والإحباط وعدم الثقة في المستقبل تحولت الهجرة السرية عبر قوارب الموت باتجاه السواحل الجنوبية الإيطالية إلى حلم الآلاف من الشباب التونسيين بحثا عن “جنة مفترضة لا توجد إلا في الأذهان”.
وفي حال سؤال شباب الأحياء الشعبية والجهات المحرومة عن “أولويات أحلامهم” تبدو الإجابة جاهزة مسبقا “الحرقة” أي الهجرة السرية، الأمر الذي يعكس أن النسيج الاجتماعي ضاق ذرعا بطموحات طاقات وكفاءات خام لم يقدر على الاستفادة منها على الرغم من حاجة البلاد إلى التنمية والاستثمار في مواردها البشرية التي تعد ثروتها الحقيقية.
وتسعى تونس إلى فتح قنوات حوار مع الشباب بهدف الإصغاء إلى مشاغلهم وتشخيص واقعهم ومن ثمة محاولة تقديم حلول لمشكلاتهم؛ إذ انطلقت منذ أكتوبر 3 منابر لـ”الحوار المجتمعي حول الشباب” وينتظر أن تنهي أشغالها في 13 نوفمبر الحالي سواء على المستوى الوطني أو في عدد من البلدان الأوروبية منها فرنسا وإيطاليا وألمانيا.
غير أن سليم بن عبدالله الأخصائي الاجتماعي يشدد على أن أي حوار مع الشباب لن يقود إلى نتائج إيجابية ما لم يتم وضع آليات عملية وخطط إستراتيجية من شأنها أن تقدم الحلول وفي مقدمتها التشغيل والتنمية بما من شأنه أن يبني علاقة ثقة بين مؤسسات الدولة والشباب الذين يشعرون بالحيف.
ويقول بن عبدالله إن “اختزال تفسير ظاهرة الهجرة غير الشرعية في عامل البطالة تفسير غير عميق وإن كان فيه جانبا كبيرا من الصواب” ملاحظا أن “غياب التأطير السياسي والانقطاع المدرسي واستفحال الشعور بالتهميش العام سواء من قبل القوى السياسية أو المدنية أو من قبل الدولة كلها عوامل دفعت بالآلاف من الشباب إلى ركوب قوارب الموت”.
وعلى الرغم من أن التشغيل يعد من أولى أولويات الحكومات المتعاقبة فإن تونس فشلت في توفير مواطن الشغل لحوالي مليون عاطل ما جعل نسبة البطالة تصل في البعض من المناطق إلى حوالي 60 بالمئة ثلثها من حاملي الشهادات الجامعية في اختصاصات دقيقة بما فيها الطب والهندسة.
ومما عمّق حالة التهميش والشعور بالحيف الاجتماعي الفشل الذريع الذي منيت به الأحزاب السياسية في استقطاب الشباب؛ إذ لا تتجاوز نسبة مشاركته في الحياة العامة نسبة 5 بالمئة نتيجة غياب البرامج والخطط الموجهة لمعالجة شواغله والتعاطي مع تطلعاته بناء على حاجياته المعيشية لا بناء على أجندات الأحزاب وخطابها الأجوف المنفّر.
وإضافة إلى ذلك تحول نظام التعليم الذي يمر بأزمة إلى خزان للتهميش وركوب قوارب الموت والإدمان على المخدرات والالتحاق بالخلايا الجهادية حيث تقر وزارة التربية بأن عدد المنقطعين عن الدراسة يبلغ 100 ألف سنويا.
شاملة توفر الإحاطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية بمختلف فئات الشباب بمن فيهم المدرسيون والجامعيون، مطالبا “الدولة بتحمل مسؤوليتها وعدم المراهنة على الأحزاب السياسية التي لا تمتلك أي رؤية ناجعة للتعاطي مع قضايا شباب متعلمين وطموحين يتطلعون إلى الحد الأدنى من الرفاه والعيش اللائق”.
وأظهرت دراسة أعدها مركز الدراسات الاجتماعية حول الهجرة السرية أن 77 بالمئة من الشباب التونسيين يجاهرون بأن حلمهم يتمثل في الهجرة خاصة إلى البلدان الأوروبية منها إيطاليا وفرنسا، وإلى عدد من البلدان الخليجية.
ويقول 73 بالمئة من الشباب إنهم “على ثقة بأن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية ستتحسن في حال الهجرة” فيما لم يتردد 68 بالمئة من الشباب في التأكيد على أن الهجرة باتت “الحل الأمثل للخروج من مشكلاتهم وتحقيق طموحاتهم”.
وتحولت الهجرة السرية في تونس خلال السنوات الأخيرة إلى ظاهرة اجتماعية مؤرقة يؤمنها عادة أصحاب قوارب الموت الخشبية مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 3000 و5000 دينار (بين 1500 و2500 دولار) للفرد الواحد.
وينحدر حوالي 80 بالمئة من المهاجرين السريين من الجهات المحرومة ومن الأحياء الشعبية الفقيرة، وهي الجهات والأحياء الشعبية نفسها.