البطء في معالجة الأزمات وراء إقالة رئيس الحكومة في تونس

تونس - عزت أوساط سياسية تونسية إقالة رئيس الحكومة كمال المدوري إلى بطء أداء حكومته في معالجة الأزمات المختلفة التي تعيشها البلاد، بشكل يتعارض مع ما يسعى إليه الرئيس قيس سعيد من إسراع في حل تلك الأزمات، وخاصة التي تهم حياة المواطن بشكل مباشر، في وقت يلمّح فيه الرئيس التونسي إلى أن اللوبيات استفادت من ضعف الأداء الحكومي لتعود إلى القصبة بقوة (مقر الحكومة والإدارات التابعة لها).
ويؤاخذ المدوري على تعامله بعقلية التكنوقراط مع القضايا الملحة المطروحة على الحكومة، وهو تعامل يتسم بالبطء وغياب الحماس في حين أن الرئيس سعيد يريد أن تتحرك عجلة النمو بسرعة.
ودعا قيس سعيد رئيسة الحكومة المكلفة الجديدة سارة الزعفراني الزنزري، في اجتماع نقلته صفحة الرئاسة على موقع فيسبوك، إلى “المزيد من تنسيق العمل الحكومي وتذليل الصعوبات لتحقيق انتظارات الشعب التونسي،” ما يفيد بأن قيادة المدوري للحكومة كانت تتسم بضعف التنسيق والعجز عن تحريك عمل الوزراء بشكل متناغم من أجل تحقيق ما يطلبه الرئيس استجابة لمطالب الشارع، لتبدو إقالة المدوري أشبه بإقالة وزير وليست إقالة رئيس للحكومة.
وانتقد الرئيس سعيد في الأشهر الماضية أداء الوزراء بشكل متكرر، وقال إن الأداء لم يرق إلى المستوى المطلوب وإن “انتظارات” الشعب التونسي عالية. وأقال الشهر الماضي وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية.
ويقول مراقبون إن رئيس الحكومة لا يمكن أن تكون مقاييس اختياره مقتصرة على كونه تكنوقراط ملمّا بالملفات الاقتصادية أو المالية أو حائزا على شهادات عليا في تخصصه، فهو يحتاج إلى أن يكون متحمسا للسياسات التي ينفذها. ولا يكفي أن يعلن عن سعيه لتجسيد معايير الدولة الاجتماعية، كما هو الحال مع المدوري، بل عليه أن يكون متحمسا لها عارفا بأهدافها حتى ينجح ويكون على الخط نفسه مع قيس سعيد.
ويرى المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت أن “الرئيس سعيد يعتبر أن هناك مشاريع كبرى معطّلة، وأن الحكومة لم تختزل الإجراءات ولم تؤمّن النجاعة والسرعة في إنجاز تلك المشاريع.”
ويشير ثابت إلى مسألة مهمة هي مسألة الصلاحيات، قائلا إن “رئيس الحكومة هو الوزير الأول والصلاحيات لرئيس الجمهورية، هنالك إشكال حقيقي في تعيين شخصية رئاسة الحكومة التي تحتاج إلى رجل اقتصاد متمرّس والرئيس لم يفتح الباب أمام تلك الكفاءات.”
والمدوري عيّنه الرئيس التونسي في مايو 2024 وزيرا للتنمية الاجتماعية، ثم رئيسا للحكومة في أغسطس بعد إقالة أحمد الحشاني.
وقال المحلل السياسي التونسي باسل الترجمان إن “الرئيس سعيد يعتقد أن هناك تباطؤا في العمل الحكومي،” متسائلا “لماذا لم يستطع إنجاز المهام التي أوكلت إليه؟” وتابع الترجمان “من الواضح أن هناك أطرافا داخل الدولة العميقة تريد إفشال هذا العمل.”
ولم تقف نتائج تقصير المدوري عند ضعف التنسيق الحكومي، وقد تكون ساهمت بشكل مباشر في فتح الباب أمام تمدد اللوبيات داخل الإدارة، في تعارض مع جهود قيس سعيد لضرب هذه اللوبيات ووقف تأثيرها في المجالات الحيوية، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس التونسي في كلمته أمام مجلس الأمن القومي ليل الخميس – الجمعة.
وقال قيس سعيد خلال الاجتماع “العصابات الإجرامية تنشط في العديد من المرافق العمومية. وقد آن الأوان لوضع حد لها وتحميل المسؤولية لأي مسؤول مهما كان موقعه ومهما كانت طبيعة تقصيره أو تواطئه.”
وسبق أن دعا الرئيس التونسي إلى ضرورة التصدي لكل التجاوزات المتعلقة بعمليات الاحتكار والمضاربة بهدف حماية قوت المواطنين، فضلا عن إيجاد إطار قانوني لمسالك التوزيع، كما حذر من التخفي وراء جهات معينة للمزيد من تأزيم الأوضاع الاجتماعية في البلاد.
وأضاف قيس سعيد “كما بالأمس غير البعيد لما لم يجدوا إلى رئاسة الجمهورية طريقا أو منفذا حوّلت اللوبيات وحوّل أعوانهم وجهتهم إلى القصبة (مقر رئاسة الحكومة) حتى تكون لهم مربعا ومرتعا متناسين أن الحكومة (وفق دستور 2022) مهمتها هي مساعدة رئيس الدولة على القيام بوظيفته التنفيذية.”
ويعرف الرئيس سعيد أن نفوذ الدولة القديمة وتشابك مصالح من عملوا قبل سنة 2011 وبعدها لا يمكن التغلب عليهما بين يوم وليلة، خاصة أن العراقيل تطال المسائل الحيوية للناس، وهو ما يحتاج إلى الصبر وطول النفس وثقة التونسيين للتغلب عليه. لكن المشكلة تكمن في ضعف الأداء الحكومي واستمرار سيطرة اللوبيات على الإدارة، ما يعرقل محاولات الإصلاح.
ويلفت قيس سعيد إلى عامل آخر قد يكون سببا إضافيا لإقالة المدوري، وهو تصرفه وفق دستور 2014 الذي يعطي رئيس الحكومة صلاحيات كبيرة في حين أن الوضع صار مختلفا ورئيس الحكومة والحكومة دورهما مساعدة رئيس الجمهورية.
وقبل إقالة المدوري، وخلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، اتهم الرئيس سعيد بشكل مبطن المعارضة بمحاولات تأجيج الأوضاع الاجتماعية بالتزامن مع محاكمة سياسيين في قضايا التآمر على أمن الدولة.
ويتمتع قيس سعيد، الذي صعد إلى السلطة بأغلبية تجاوزت 70 في المئة من الأصوات في انتخابات 2019، بصلاحيات واسعة منذ إطاحته بالبرلمان في 25 يوليو 2021 وتغييره النظام السياسي لاحقا.
وكان قد أعيد انتخابه في 2024 بنسبة تأييد فاقت 90 في المئة وفق النتائج الرسمية، في انتخابات قاطعها معظم المعارضة وشهدت ملاحقات قضائية لأكثر من مرشح منافس.
ويتولى الرئيس سعيد بنص الدستور الذي صاغه وعرضه للاستفتاء الشعبي عام 2022 تعيين وإقالة رئيس الحكومة والوزراء ومسؤولي المناصب العليا في الدولة.