البشير يتعهد بإصلاحات اقتصادية لإخماد الاحتجاجات

تجمّع المهنيين يعتزم تسيير تظاهرة إلى القصر الجمهوري لتسليم مذكرة للرئاسة تطالب بتنحّي البشير فوراً عن السلطة استجابة لرغبة الشعب.
الاثنين 2018/12/24
مساع لاحتواء الاحتجاجات

الخرطوم - أكد الرئيس السوداني عمر البشير الاثنين، استمرار الدولة في إجراء إصلاحات اقتصادية توفر للمواطنين حياة كريمة، جاء ذلك خلال لقاء البشير مع هيئة قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

ودعا البشير المواطنين إلى عدم الالتفات لمروجي الشائعات والحذر من الاستجابة لمحاولات زرع الإحباط، ووعد بإجراءات حقيقية تعيد ثقة المواطنين في القطاع المصرفي.

وأكد الفريق أول صلاح عبد الله محمد المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني التفاف قوات الجهاز حول قائدها الأعلى واضطلاع الجهاز بمهامه الدستورية في الحفاظ على أمن الوطن وسلامة المواطنين وحماية المكتسبات الوطنية مع الالتزام بالمعايير المهنية، مشيراً إلى احترام الجهاز لحق التعبير السلمي، محذراً بأن المساس بالممتلكات العامة وترويع المواطنين والتعدي على ممتلكاتهم خطاً أحمر.

وكان بدأ في السودان الإثنين إضراب عام في إطار موجة احتجاجات تشهدها البلاد منذ أن رفعت الحكومة أسعار الخبز وأعقبها تحرّك احتجاجي تخلّلته صدامات دامية قد يكون الأضخم على الإطلاق خلال ثلاثة عقود من حكم الرئيس السوداني عمر حسن البشير.

ولبّت قطاعات مختلفة الدعوة إلى الإضراب التي أطلقها الأحد "تجمّع المهنيين السودانيين"، في حين كانت التظاهرات لا تزال مستمرة حتى وقت متأخر من ليل الأحد في مدن عدّة، ولا سيّما أم درمان، المدينة التوأم للعاصمة الخرطوم.

وقال الطبيب محمد الأصم عضو تجمّع المهنيين لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ "الإضراب بدأ الساعة الثامنة صباحاً".

وأضاف "الآن تجري عملية حصر لعدد المستشفيات التي نفّذ فيها الإضراب في كل السودان وعدد الأطباء الذين شاركوا فيه، لكن لدينا تجارب سابقة في الدعوة إلى إضرابات شاركت فيها كل المستشفيات الحكومية بكل مناطق السودان".

"تنحّي البشير"

تصاعد الاحتقان
تصاعد الاحتقان

وفي بيان أصدره الإثنين قال تجمّع المهنيين إنّه قرّر تسيير تظاهرة الثلاثاء إلى القصر الجمهوري "لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي الرئيس فوراً عن السلطة استجابة لرغبة الشعب السوداني وحقناً للدماء".

وأضاف البيان أنّ التجمّع يقترح إذا ما وافق البشير على التنحّي أن "تتشكّل حكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهام محدّدة ذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني".

ويرى محلّلون بناء على هذه التطوّرات أنّ الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، معتبرين أنّه إذا كان المحرّك الأساسي للاحتجاجات هو الوضع الاقتصادي فإنّه في النهاية مرتبط بسياسات الحكومة.

وقال عبد اللطيف البوني عميد كليّة الاقتصاد في الجامعة الوطنية لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ "السبب الأساسي للاحتجاجات اقتصادي ومرتبط بغلاء الأسعار، إلاّ أنّ الأزمة الاقتصادية جذرها سياسي ومتمثّل في فشل السياسات الحكومية وارتكابها أخطاء وسوء إدارة".

"أجندات سياسيّة"

في المقابل يرى المتحدّث باسم حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) إبراهيم الصديق أنّ أسباب الاحتجاجات اقتصادية لكنّ "البعض" استخدمها خدمة "لأجندات سياسية".

وقال "هناك سببان للأحداث أحدهما الضائقة الاقتصادية وهذا مفهوم الاحتجاج ضدّه والحكومة معترفة به والناس خرجت بسبب شحّ الخبز والوقود والسيولة النقدية وهذا من حقّها".

وأضاف "أمّا السبب الثاني فهو أجندات سياسية بعضها داخلي لأحزاب يسارية تريد خلخلة بنية الدولة وبعضها أجندة خارجية مرتبطة بالمجموعة التي أُعلن أنّها ضبطت وتنتمي لحركة عبد الواحد نور المتمردة وجاءت من إسرائيل وهي من تسببت في حرق المؤسسات".

لكنّ المحلّل السياسي محمد لطيف وهو كاتب زاوية يومية في صحيفة "اليوم التالي" رأى أنّه "في ظلّ شحّ الموارد الذي تعاني منه الدولة وغياب أفق حلّ للأزمة الاقتصادية الخيار الوحيد المتاح حلّ سياسي بانفتاح الحكومة ومخاطبة مطالب الجماهير وفتح منبر الحوار مع كل المكوّنات السياسية السودانية دون استثناء".

غير أن البوني يعتبر أنّ "الباب مفتوح على كل الاحتمالات: إذا دخلت قوى خارجية على الخط وساندت الاحتجاجات، حتى لو إعلامياً فقط، فسيؤدي ذلك إلى تغيير سياسي، أمّا إذا لم يحدث ذلك، فستتراجع الاحتجاجات".

وأوضح أنّ "سبب ذلك بسيط وهو أنّه ليس هناك مجال للمقارنة بين المعارضة الداخلية والقوة الأمنيّة للنظام".

"كل الاحتمالات"

زخم الاحتجاجات متصاعد
زخم الاحتجاجات متصاعد

من ناحيته اعتبر لطيف أنّ "استمرار التظاهر يعتمد على ردّة فعل الحكومة، فإذا أصرّت على الحلّ الأمني والتصعيد سيحدث تصعيد من الطرف الآخر وسيصبح حينها الموقف مفتوحاً على كل الاحتمالات"، محذّراً من أنّه "في ظلّ التركيبة الهشّة للسودان وانتشار الكيانات المسلّحة يمكن للمستقبل أن يكون قاتماً".

وأضاف "ليس هناك خيار سوى مراجعة التركيبة الحاكمة، وعلى الحزب أن يراجع علاقاته ومواقفه وإلا سيجد نفسه أمام وضع لا يحسد عليه، وأعتقد أن حزباً بهذه الهشاشة التي ظهرت لا يمكنه قيادة المرحلة القادمة لذا مراجعة مواقفه وهيكله حتمية".

غير أنّ المتحدّث باسم الحزب الحاكم قال إنّ "أيّ تركيبة سياسية تحدث فيها تغيّرات وهذا أمر طبيعي ومطلوب، ونحن كحزب نطوّر هياكلنا باستمرار، وهذا الأمر غير مرتبط بالتطورات الآنية، ونعمل في هذه الأيام على البناء الهيكلي للحزب".

توسعت رقعة الاحتجاجات التي يشهدها السودان لتشمل جنوب البلاد ووسطها، في ظل حالة من الارتباك لدى السلطات في التعاطي معها، وهو ما يظهر في استخدامها المفرط للقوة، حيث بلغت حصيلة القتلى في 5 أيام 22 شخصا فضلا عن العشرات من المصابين بعضهم جروحه خطيرة.

ويقول سياسيون إن النظام يبدو عاجزا في احتواء الحراك، فهو غير قادر على تقديم المزيد من الوعود بتحسين الوضع الاقتصادي لأنها لم تعد تنطلي على المواطن العادي، كما أن استخدامه للقوة وإن كان يمكن أن يفضي إلى تراجع المحتجين بيد أنه يدرك أنهم سيعودون إلى الشوارع وبأكثر قوة.