البسطات ملاذ عائلات تونسية لتأمين اللوازم المدرسية

تقبل العائلات التونسية، خصوصا العائلات ضعيفة الدخل، على اقتناء مستلزمات العودة المدرسية لأطفالها من الأسواق الشعبية رغم تدني جودتها؛ وذلك لانخفاض أسعارها مقارنة بتلك التي تباع في المكتبات. وتتخذ بعض الأدوات المدرسية شكل الفاكهة وأخرى على شكل حلوى وأقلام بنكهات فواحة وأخرى على شكل قارورة مشروبات، وهو ما يغري الأطفال بالمزيد من الإقبال عليها.
تونس - تشهد الأسواق الشعبية في تونس ازدحاما كبيرا وحركة نشيطة بالتزامن مع العودة المدرسية، وتتحول إلى وجهة رئيسية للعديد من العائلات التونسية التي تبحث عن اقتناء المستلزمات المدرسية لأبنائها بأسعار منخفضة، متجاهلة المخاطر الصحية وتدني جودة هذه المنتجات.
وتكتظ أنهج وسط العاصمة بطاولات خشبية (بسطات) منتشرة على الأرصفة ومغطاة بقطع بلاستيك أو قماش، وفوقها تتكدّس أكوام من مختلف الأدوات المدرسية بألوان زاهية جذابة؛ حيث تتنوع المنتجات المعروضة بين حقائب مدرسية مزخرفة برسومات شخصيات كرتونية، ودفاتر بأغلفة لامعة، وأقلام ملونة بأحجام وأشكال مختلفة.
ففي سوق سيدي بومنديل بتونس العاصمة تتعالى أصوات الباعة وهم يهتفون بعبارات تشجع على اقتناء سلعهم، ويملأ المكان صراخ الأطفال وهم يطلبون بالكثير من الحماس والفرح من أوليائهم شراء حقائب وأدوات تحمل شعارات وصور الشخصيات الكرتونية المفضلة لديهم.
ورغم الطابع العشوائي لهذه الحركة التجارية يحكم نوع من “النظام الخفيّ” هذه السوق، إذ يعرف كل بائع مكانه وحدود مساحته وتتوحّد الأسعار بينهم، بينما يتجول الزبائن بين الدكاكين والطاولات بإيقاع متسارع للحصول على أفضل العروض وإتمام مشترياتهم والتفاوض في جل الأحيان مع الباعة، في محاولة للتمتع بتخفيض إضافي.
وتظل الأسعار “المغرية” الدافع الرئيسي إلى الإقبال على شراء الأدوات المدرسية المعروضة على البسطات، من قبل العديد من العائلات التونسية التي تسعى لتلبية حاجيات أطفالها بما يتماشى مع قدرتها الشرائية، متجاهلة بذلك المحاذير بشأن المخاطر الصحية لهذه المنتجات التي لا تخضع للرقابة ومجهولة المصدر ولا تحمل علامة تجارية أو بيانات حول جودتها أو سلامة مكوناتها.
الأسعار المغرية تظل الدافع الرئيسي إلى الإقبال على الأدوات المدرسية المعروضة في البسطات من قبَل العائلات التونسية
تقدم أحمد ذو العشر سنوات إلى بسطة يعرض صاحبها أدوات مدرسية تتخذ شكل الفاكهة وأخرى على شكل حلوى وأقلام بنكهات فواحة وأخرى على شكل قارورة مشروبات، وراح يقلبها واختار منها أقلاما لبدية برائحة الفراولة طالبا من أمه بإلحاح شراءها فلبت رغبته دون أي محاولة لمعرفة مصدرها أو الإطلاع على البيانات المكتوبة على المنتوج.
وأوضحت أحلام، وهي أم تلميذة في السنة الثانية من التعليم الابتدائي، أن توجه الأولياء إلى الأسواق الموازية “اضطرار وليس اختيارا”؛ فالأسعار المشطة للمستلزمات المدرسية في السوق المنظمة تجعل الولي مجبرا على اللجوء إلى السوق الموازية، رغم وعيه بالمخاطر الصحية التي قد تمثلها هذه المنتوجات، قائلة إن اقتناء المواد من هذه الأسواق “شر لا بد منه”.
وشاطرت فاطمة أحلام الرأي قائلة “في الحقيقة لم نعد قادرين على اقتناء مستلزمات العودة المدرسية من المكتبات والمغازات”، مضيفة وهي تجوب أزقة سوق سيدي بومنديل “في السنوات الأخيرة ارتفعت أسعار المواد المدرسية بشكل كبير وتجاوزت القدرة الشرائية للموظف من الطبقة المتوسطة والعامل فما بالك بالطبقات الفقيرة التي قد تُجبر أبناءها على الانقطاع عن الدراسة بسبب العوامل المادية”.
واعتبرت فاطمة وهي أم ثلاثة أطفال في سن الدراسة أن الأدوات المعروضة في الأسواق الشعبية “لا يمكن أن تحمل أي خطورة على صحة الأطفال وهي ذاتها التي تباع في المسالك المنظمة والفرق الوحيد هو السعر”.
الأسواق الشعبية تعدّ ملجأ للفئات المهمّشة اقتصاديا سواء من الباعة أو الحرفاء، وهي جزء من اقتصادهم اليومي
وقالت الباحثة في علم الاجتماع آية بن منصور، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، إن الأسرة التونسية تعيش تحديات كبيرة من أجل تلبية الاحتياجات اليومية خاصة في ظلّ غلاء المعيشة، حيث بلغت نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي 6.7 في المئة في شهر أغسطس الماضي وفق المعهد الوطني للإحصاء، إلى جانب ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية.
ويلجأ التونسي إلى الأسواق الشعبية، التي تشكّل تقريبا 60 في المئة من الاقتصاد التونسي حسب تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من أجل المحافظة على شراء المستلزمات المدرسية بأسعار تتماشى مع قدرته الشرائية.
من ناحية أخرى اعتبرت المختصة في علم الاجتماع أن هذا السلوك الاقتصادي جزء من ثقافة استهلاكية شعبية ترى في التفاوض والمساومة في السوق الموازية جزءا من حياتها اليومية ووسيلة لتحسين ظروف المعيشة في “ظل غياب دعم الدولة”.
كما تعدّ الأسواق الشعبية ملجأ للفئات المهمّشة اقتصاديا سواء من الباعة أو الحرفاء، وهي جزء من اقتصادهم اليومي “وبالتالي، فإن هذه الأسواق ترمز ضمنيا إلى التكافل الاجتماعي والاقتصادي بين هذه الفئات الاجتماعية في ظلّ تراجع دور الدولة الراعية”.
ومن جهة أخرى شدد مواطن خمسيني أب لثلاثة أبناء يدرسون في التعليم الثانوي، التقته وكالة تونس أفريقيا للأنباء في سوق سيدي بومنديل، على أنه يجب الامتناع عن شراء أي منتجات تعرض في الأسواق الشعبية لأنها معاملات تجارية لا تدفع الضرائب وتضر بالاقتصاد التونسي.
وقال إنه يحبذ شراء الأدوات من الفضاءات القانونية نظرا لجودتها ودرءا للمخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها الأدوات المدرسية المعروضة على البسطات دون رقيب.

وذكرت الباحثة في علم الاجتماع أن المواد المعروضة على البسطات تهدد صحة الأطفال لأنها لا تخضع للرقابة على الجودة ومعايير الأمان، إذ قد تحتوي على سموم ومواد كيميائية خطرة من شأنها أن تؤثر سلبا على صحة الطفل على المدى الطويل.
وعلى المستوى الاقتصادي يهدّد الاقتصاد الموازي النمو الاقتصادي، كما يعزّز ثقافة التهرب من القوانين واللوائح الرسمية نظرا لعدم خضوع المواد المعروضة للنظام الضريبي، وهو ما يشكّل عائقا أمام الاستثمار الأجنبي والمحلي.
وأكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن غلاء الأسعار دفع المواطنين إلى الالتجاء إلى السوق الموازية (الأسواق الشعبية)، مشيرا إلى أن المستلزمات المدرسية التي يتم بيعها خطيرة ومجهولة المصدر نظرا لكونها مقلدة ومهربة.
وتابع في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء “إن عامل الجودة غائب في هذه المواد”، داعيا الدولة إلى المزيد من بذل الجهود لتوعية المواطن التونسي بمخاطر هذه السلع.
واعتبر أن عدم تحديد سقف هامش الربح من الدولة يُعد أحد أسباب ارتفاع الأسعار، مشددا على أهمية تدخلها لهيكلة السعر في جميع الخدمات والمساهمة في التشجيع على استهلاك المنتوج التونسي.
يذكر أن وزارتي الصحة والتجارة دعتا أولياء الأمور إلى ضرورة اقتناء المواد المدرسية من المسالك المنظمة والخاضعة للرقابة، موصيتين بتجنب شراء الأدوات المدرسية التي تتخذ رائحة أو لونا أو مظهرا أو تغليفا أو تأشيرا يؤدي بالطالب إلى الخلط بينها وبين المواد الغذائية مثل الممحاة على شكل فاكهة أو حلوى أو اللصاق المعلب على شكل رضاعة أو قارورة مشروبات، وما قد ينجر عن ذلك من مخاطر الاختناق أو التسمم أو انسداد في الجهاز التنفسي أو الهضمي.