البريطانيون في حضرة ترامب

ترامب يؤيد طلاق لندن وبروكسل، ولا يريد استمرار الاتحاد الأوروبي كتكتل.
الاثنين 2019/06/03
زيارة مثيرة للجدل

أينما يحل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تستنفر الدولة المضيفة، ليس فقط على صعيد الإجراءات الأمنية لحمايته، وإنما تجنبا للأضرار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يمكن أن يحدثها. هو لا يفقه في حيل الدبلوماسية ولا يتقيد بتقاليد المكان، فيتحول من ضيف ثقيل إلى مضيف انتهازي.

المملكة المتحدة ليست استثناء. جاءها ترامب العام الماضي وأحدث قلقا كبيرا، اكتظت شوارع لندن ومدن أخرى بتظاهرات مناهضة له، تعثرت خطة تيريزا ماي الأولى لطلاق لندن وبروكسل، وبشر بوزير الخارجية الأسبق بوريس جونسون رئيسا مقبلا للحكومة، واستفز البريطانيين في تجاهله لتقاليد لقاء الملكة.

لم تكن المرة الأولى لترامب زيارة دولة وإنما زيارة رسمية. الفرق بين الاثنتين يكمن في مراسم الاستقبال وبرنامج الزيارة، وهو فرق لا يعول عليه في تحويل حضرة الرئيس من السلب إلى الإيجاب، خاصة وأن الأوضاع الداخلية لبريطانيا اليوم هي أسوأ بكثير مما كانت عليه في الزيارة الأولى خلال شهر يوليو الماضي.

الرفض الشعبي لترامب هذه المرة ازداد عن العام الماضي، فهو لا يتوقف عن توسيع رقعة خصومه من الساسة والشعوب. كل من يؤيد حقوق الإنسان وحماية البيئة ونشر السلام عالميا سيتظاهر ضده. إضافة لكل من يؤيد بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي ويعترض على تدخل ترامب في شؤون بلاده.

ترامب يؤيد طلاق لندن وبروكسل، ولا يريد استمرار الاتحاد الأوروبي كتكتل. الدليل على هذا دعمه لزعيم حزب بريكست ناجل فراج، وحث الحكومة البريطانية على الاستعانة به في مفاوضات الخروج.

أراد ترامب لقاء فراج رسميا خلال زيارته ولكن لندن رفضت، لكن احتمال لقائهما في منزل السفير الأميركي خارج برنامج الزيارة بقي قائما، ويستدعي الكثير من التساؤلات حول مستقبل اليمين المتطرف في بريطانيا بوجود دعم أميركي معلن لشخص مثل فاراج.

في سياق دعمه لليمين لن يدخر ترامب جهدا لدعم شبيهه البريطاني بوريس جونسون في الترشح لرئاسة الوزراء.

وكما أغدق المكرمات على بنيامين نتنياهو ليفوز في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، لن يدخر جهدا في نصرة جونسون ليظفر برئاسة الحكومة البريطانية ولو لبضعة أيام.

التشجيع على طلاق لندن وبروكسل، لن يكون الأمر الوحيد الذي سيثيره ترامب على صعيد العلاقات البريطانية الخارجية، فالأجندة غير المعلنة للزيارة حبلى بالملفات التي سيبحثها الرئيس الأميركي مع حلفائه التاريخيين. بدءا بإيران ووصولا إلى الصين، مرورا بصفقة القرن التي يحشد لها الدعم من كل فج وصوب.

ترامب سيبوح للبريطانيين بتذمره من حياد لندن في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين. سيطلب موقفا ويجاهر بالقول إن إدخال الجيل الخامس من الإنترنت، أحدث إنجازات الصين وذراعها التقنية العملاقة شركة هواوي، هو أمر يقارب الخيانة من قبل حليف تاريخي لبلاده كالمملكة المتحدة.

في السياق ذاته، يُفهم إصرار بريطانيا على حل الدولتين في الصراع العربي الإسرائيلي.

هم يعرفون مثل غيرهم أن ما تحمله “صفقة القرن” مجحف بحق الفلسطينيين، ولا تريد بريطانيا أن تقدم وعد بلفور جديد لليهود، على الأقل ليس مجانا أو من أجل مصالح انتخابية ضيقة كما يحاول الرئيس الأميركي فعله اليوم.

لن تتضح نتائج زيارة ترامب إلى المملكة المتحدة قبل أن تولد الحكومة البريطانية الجديدة، ولكن عندما تنفق 18 مليون جنيه إسترليني لتحمي رئيسا زائرا في المملكة المتحدة يسهل عليك رصد حالة التشاؤم التي تلف هذه الزيارة، وكما يقولون في الأمثال “المكتوب مبيّن من عنوانه”.

9