البرهان يلتفت للإعلام المحلي لتجنيده في الحرب ضد الدعم السريع

قائد الجيش السوداني يتهرب من مطالب الصحافيين مركزا على الدعاية لـ"انتصاراته".
الثلاثاء 2024/08/27
محاولة للسيطرة

غلبت على اجتماع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان مع الصحافيين داخل البلاد، الدعاية والتجييش والتهليل للانتصارات المزعومة اللجيش، في الوقت الذي كان فيه الصحافيون ينتظرون انفراجا واستجابة لمطالبهم بإفساح المجال لهم للعمل بأمان ودعمهم في ظل الظروف المأساوية التي يعيشونها.

بورتسودان (الخرطوم) - قرر رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، الالتفات إلى الصحافيين والاهتمام بمخاطبتهم بشكل مباشر لأول مرة منذ بداية الحرب في أبريل 2023، في خطوة لم تخرج عن التجييش الإعلامي والحشد للدعاية للجيش وكيل التهم للخصوم، وفيما أعلن فتح أبوابه للصحافيين، لم يقدم أي إجابة عملية أو وعودا بحل مشاكلهم التي تسببت بها الحرب سواء على الصعيد المهني أو سلامتهم الشخصية.

وانتقد صحافيون اللقاء الذي نظمه الصادق الرزيقي رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين المنتهية ولايته، قائلين إنه يرغب في إثبات وجوده وإعطاء الشرعية لمنصبه من خلال التأكيد للبرهان أنه مازال ممثلا للصحافيين ويمتلك قاعدة صلبة يستطيع من خلالها أن يوجه الرأي العام ويعيد ترتيب أوراقه لاستقبال وفود الإتحاد الدولي والعربي والأفريقي للصحافيين والمقرر زيارتهم للسودان في شهر سبتمبر القادم.

في المقابل لم يأت البرهان بجديد بل أعاد تكرار تصريحاته وخطاباته بشأن “الانتصارات” وتصوير نفسه باعتباره ممثلا عن الشعب السوداني وبرر إجهاضه المفاوضات الداعية للسلام، قائلا إن القائمين على مفاوضات جنيف قدموا لنا دعوة منقوصة لذلك رفضنا المشاركة فيها ورفض توسعة منبر جدة.

البرهان أدرك أخيرا الدور المنوط بالصحافيين في الداخل وأهمية استمالتهم إذ أن رسائلهم تصل إلى الرأي العام

وبشر الشعب السوداني بقرب تحقيق الانتصار وعودة المواطنين إلى منازلهم ومناطقهم. وقال إنه خلال الفترة القادمة سيتم تشكيل حكومة حرب مدنية من التكنوقراط تضطلع بإدارة العمل التنفيذي. وأضاف أن الأجهزة والجهات المختصة ترصد كل غرف الإعلام المعادية بالداخل والخارج التي تتخصص في الإشاعة والإعلام المضر من قبل الميليشيا والمتعاونين معها.

وأشار إلى اهتمام الدولة بالإعلام ومؤسساته مبينا أنه تم دعم بعض المؤسسات الوطنية بالأجهزة والمعدات لمواصلة رسالتها الاعلامية. وقال إنه سيتم تخصيص مقرات ودور إيواء للصحافيين والإعلاميين.

وعلق صحافيون على وعود البرهان بالقول إنه لم يعلن بصورة واضحة وصريحة عن تخصيص مبلغ مالي محدد لصندوق دعم الصحافيين وكان حديثه عاما دون تفاصيل مما يفهم منه أن غايته الحشد والدعاية وبعث الرسائل والتأثير على الرأي العام.

وبدا لافتا أن قائد الجيش قد قرر الاهتمام بالصحافيين في الداخل بعد أن كان تركيزه منصبا على الصحافيين السودانيين المقيمين خارج البلاد الذين تم توجيه عدة دعوات لهم من قبل أعضاء مجلس السيادة وكبار رجالات الدولة مما فسره الوسط الإعلامي الداخلي بأنه تجاهل واضح وصريح للصحافيين الذين فضلوا العيش في السودان بالرغم من ظروف الحرب.

ورأى متابعون أن البرهان أدرك أخيرا الدور المنوط بالصحافيين في الداخل إذ أن رسائلهم تصل إلى الرأي العام في الداخل والخارج باعتبارهم موجودين على الأرض وتستعين بهم وسائل الإعلام الخارجية والدولية لمعرفة ما يجري على الأرض لذلك كان لا بد من استمالتهم.

وغلب الحديث الإنشائي على اللقاء إذ تولى وزير الثقافة والإعلام غراهام عبدالقادر المقرب من الجيش، مهمة تحسين صورة البرهان أمام قادة الرأي وعبر عن شكره وتقديره لرئيس مجلس السيادة على “إتاحته الفرصة للصحافيين والإعلامين والاستماع لقضاياهم مشيداً بالدور الكبير الذي لعبته القطاعات الإعلامية والصحفية المختلفة في معركة الكرامة”.

أما الزريقي فقد دعا لإنشاء صندوق لدعم الصحافيين وصندوق خاص بالذين تأثروا بالحرب. وأطلق مبادرة لإعادة وتأهيل المؤسسات الإعلامية التي دمرتها الحرب مؤكداً على ضرورة تقديم خدمات التأمين الصحي وبعض الخدمات الأخرى للصحافيين.

وشهد اللقاء مداخلات من عدد من الصحافيين والإعلاميين هدفت في مجملها لتعزيز دور الصحافة والإعلام وتمكين المؤسسات الإعلامية بالمعلومات حتى تضطلع بدورها في تمليكها للرأي العام، لكنها لم تكن من ضمن اهتمامات البرهان.

وتردد رئيس مجلس السيادة في الحديث مباشرة عن أوضاع الصحافيين وإعلان الدعم، وهو ما فسره البعض بخشيته أن يفتح الباب لمختلف الاتحادات والجمعيات والنقابات لتتم معاملتها إسوة بالصحافيين.

قائد الجيش يقرر الاهتمام بالصحافيين في الداخل بعد أن كان تركيزه منصبا على الصحافيين السودانيين المقيمين خارج البلاد
قائد الجيش يقرر الاهتمام بالصحافيين في الداخل بعد أن كان تركيزه منصبا على الصحافيين السودانيين المقيمين خارج البلاد

ويواجه الصحافيون في السودان ظروفا تُوصف بالقاسية، خلال الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت دعت فيه منظمات محلية ودولية طرفي القتال لتمكين العاملين في مجال الصحافة من القيام بواجبهم المهني، وعدم تعريضهم للمخاطر.

وأشار منتدى الإعلام السوداني، إلى أن “العنف الممنهج والقتل والتدمير والمطاردة طال مئات الصحافيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية خلال الحرب”.

وقال المنتدى في بيان سابق إن “طرفي النزاع لم يتوقفا عند قمع أجهزة الإعلام الحر، وإسكات صوتها بقوّة السلاح، وواصلا حربا موازية عبر غرف إعلامية، هدفها تلويث الفضاء الإعلامي، ببث الدعاية الحربية، وخطاب الكراهية، مما ساهم في تفاقم النزاع”.

وأضاف المنتدى أن الحرب عزلت البلاد بجعلها خارج التغطية الصحفية مع انقطاع شبكات الاتصالات وضعف الإنترنت وانقطاعه المتكرر، وأصبحت الحرب في السودان حربا منسية، واتجهت المؤسسات الإعلامية والصحفية العالمية والإقليمية، إلى تغطية نزاعات مسلحة في مناطق أخرى من العالم مثل غزة وقبلها أوكرانيا، وغيرها من الحروب، تاركة الحرب في السودان، بعيدة عن التغطية الصحفية المواكبة للأحداث المتسارعة. ويشجع هذا “الإظلام الإعلامي” على مواصلة الانتهاكات بعيداً عن أعين شعوب العالم ودوله ووسائل الإعلام العالمية والإقليمية.

لكن عضو المكتب الاستشاري الخارجي لقائد قوات الدعم السريع، عمار صديق إسماعيل، أشار في تصريحات صحفية إلى أن قوات الدعم السريع أعلنت مرارا وتكرارا عدم ممانعتها في التعاون مع الصحافيين لنقل الحقائق من مناطق سيطرتها، لدحض الأكاذيب التي يروج لها الجيش وفلول النظام السابق”.

الصحافيون في السودان يواجهون ظروفا قاسية في وقت دعت فيه منظمات محلية ودولية طرفي القتال لتمكين العاملين في مجال الصحافة من القيام بواجبهم المهني

وقال صديق لموقع “الحرة”، إن حالات الاحتجاز التي تطال بعض الصحافيين من عناصر من الدعم السريع، لا تتم على أساس المهنة، وغالبا تحدث نتيجة لخطأ، وسرعان ما يتم تدارك الخطأ وإطلاق سراح الصحافي بمجرد إبراز هويته.

وشدد عضو المكتب الاستشاري على أن “قوات الدعم السريع حريصة على إبراز الحقائق، وقدمت الدعوة لصحافيين محليين وأجانب لزيارة مناطق سيطرتها لعكس الواقع، وأنها لا تزال على ذات الموقف، لإيمانها بحق الحصول على المعلومة”.

وكانت السلطات السودانية أغلقت في أبريل الماضي، مكاتب قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز، قبل أن تتراجع عن قرارها بخصوص قناتي العربية والحدث، بينما لا يزال مكتب قناة سكاي نيوز مغلقا.

وتشير بيانات صادرة من نقابة الصحافيين إلى تعرُّض أكثر من 390 صحافيا إلى انتهاكات مباشرة، بجانب تعرض 5 صحافيين وثلاث صحافيات إلى إصابات واعتداء جسدي، بينها حالة اعتداء جنسي.

ولفتت البيانات إلى 39 حالة اختطاف وتوقيف واحتجاز، تعرض لها صحافيون سودانيون، بينهم 5 صحافيات، بجانب 28 حالة إطلاق نار، طالت صحافيين، بينهم 10 صحافيات.

5