البرهان يفاوض في جدة لإرساء هدنة ويقاتل في الخرطوم لتفادي الهزيمة

قوات الدعم السريع تعلن إجلاء سفير تركيا لمكان آمن بعد إطلاق الجيش السوداني النار على سيارته رغم التنسيق المسبق معه حول تأمين مغادرة الأجانب.
السبت 2023/05/06
جهود دبلوماسية لوقف القتال في السودان

الخرطوم - ما زالت المعارك محتدمة في الخرطوم على الرغم من موافقة كل من الطرفين المتصارعين في السودان على إرسال وفد إلى السعودية السبت لإجراء محادثات حول هدنة جديدة لإنهاء النزاع الذي خلف حتى الآن مئات القتلى.

وكما يجري منذ 15 أبريل، تحدث شهود عيان من سكان العاصمة السودانية لوكالة الصحافة الفرنسية، عن دوي قصف.

وشنت طائرات الفريق أول عبدالفتاح البرهان السبت ضربات جوية في حي الرياض بالخرطوم، بينما تستضيف جدة في اليوم نفسه المحادثات بين الطرفين المتحاربين.

واتهمت قوات الدعم السريع، اليوم السبت، "قوات من الجيش السوداني بإطلاق النار على سيارة السفير التركي لدى الخرطوم إسماعيل جوبان أوغلو".

وقالت قوات الدعم السريع، في بيان لها، إن "قوات الانقلابيين قامت بإطلاق نار على سيارة السفير التركي لدى الخرطوم إسماعيل جوبان أوغلو بعدما تم التنسيق المسبق بين الطرفين حول الإجلاء".

وأشار البيان إلى أن "مباني السفارة تقع تحت سيطرة القوات الانقلابية (الجيش السوداني)، واصفة الخطوة بـ"الجبانة التي تمثل انتهاكًا صارخًا لكافة الأعراف والاتفاقيات الدولية لحماية البعثات الدبلوماسية".

وأعلنت قوات الدعم السريع، أنها قامت بـ"إجلاء السفير ووفده إلى مكان آمن"، مؤكدة "التزامها بحماية البعثات الدبلوماسية التزاما كاملا وفقا لاتفاقية جنيف وكافة الاتفاقيات الدولية".

وهذه ليست المرة الأولى التي يقوّض فيها الجيش السوداني الهدنة، فعلى الرغم من صدور أكثر من إعلان لوقف إطلاق النار، لم تظهر في الأفق أي بوادر لإنهاء القتال، فالجيش الذي لم يحقق أي انتصار على قوات الدعم السريع منذ بداية الصراع، يريد قبل بدء المفاوضات إحراز تقدم ميداني كي لا يكون سقف التفاوض مرتفعًا لدى قوات الدعم السريع.  

يأتي ذلك غداة توجه وفدا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مساء الجمعة، إلى مدينة جدة السعودية، لبدء المفاوضات بينهما.

ويجري التفاوض غير المباشر بين الطرفين بوساطة أميركية سعودية والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، لمناقشة وقف إطلاق النار وإنهاء الوجود العسكري في الأحياء السكنية وفتح ممرات إنسانية للوصول إلى الرعاية الصحية وتوزيع الإغاثة.

ورحبت الولايات المتحدة والسعودية في البيان بـ"بدء المحادثات الأولية" في جدة بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وحضّ البلدان طرفَي النزاع السوداني على "الانخراط الجاد" في هذه المحادثات توصلا إلى "وقف لإطلاق النار وإنهاء النزاع".

كما رحب قائد قوات الدعم السريع في السودان، الفريق محمد حمدان دقلو، اليوم السبت، بـ"البيان المشترك للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية بشأن بدء المحادثات بين الأطراف السودانية في مدينة جدة"، معربا عن أمله في أن تحقق أهدافها.

وأشاد حميدتي، في تغريدة عبر حسابه على تويتر بـ"الجهود الإقليمية والدولية المبذولة للوصول إلى وقف إطلاق نار يسهل فتح ممرات انسانية تمكن المواطنين من الحصول على الخدمات الأساسية".

وتابع "إننا متمسكون بموقفنا الثابت والمعلن بضرورة الوصول إلى حكومة انتقالية مدنية تؤسس إلى تحول ديمقراطي مستدام يحقق تطلعات شعبنا في الأمن والاستقرار والتنمية".

ورحب تحالف قوى الحرية والتغيير السوداني، وهو تجمع سياسي يقود خطة مدعومة دوليا للانتقال إلى الحكم المدني، أيضا بمحادثات جدة اليوم السبت، وأعربت عن أملها في أن تقود لوقف للقتال ومعالجة الأوضاع الإنسانية بما يمهد الطريق لحل سلمي سياسي مستدام.

واعتبرت، في بيان، أن هذه المباحثات تشكل خطوةً أولى لوقف الانهيار المتسارع الذي شهده السودان منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، مشيرةً إلى أنها تأمل من قيادة القوات المسلحة والدعم السريع قراراتٍ شجاعة تنتصر لصوت الحكمة، وتوقِف القتال، وتنهي المعاناة التي يعيشها الشعبُ جراء الحرب.

كما تقدمت القوى المدنية بالشكر لحكومتي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية على جهودهما من أجل الترتيب لهذه المباحثات والوصول لصيغة تنهي الحرب وتحل السلام.

وأعلن الجيش السوداني مساء الجمعة إرسال مفاوضين إلى جدة للبحث في وقف إطلاق النار، وقال في بيان نشر على صفحته في فيسبوك إنه "في إطار المبادرة السعودية-الأميركية التي تم طرحها منذ بداية الأزمة، غادر إلى جدة مساء (الجمعة) وفد القوات المسلحة السودانية لمناقشة التفاصيل الخاصة بالهدنة التي يجري تجديدها".

ويضم وفد الجيش السوداني الجنرال أبوبكر فقيري والسفير عمر صديق، فيما يضم وفد الدعم السريع العميد عمر حمدان وشقيق قائد قوات الدعم السريع الرائد قوني حمدان دقلو وفارس النور وهو مستشار لقائد الدعم السريع وصاحب خبرة في القضايا الإنسانية. وفق تلفزيون الشرق.

ومبادرة جدة هي أول محاولة جادة لإنهاء القتال الذي أصاب الحكومة السودانية بالشلل وعرّض الانتقال السياسي في البلاد للخطر بعد سنوات من الاضطرابات والانتفاضات.

وتملك السعودية التي تمول الطرفين السودانيين، والولايات المتحدة التي مكنت السودان من العودة إلى المجتمع الدولي بالغائها العقوبات التي كانت مفروضة عليه لعقود، وسائل ضغط كبيرة في هذه المحادثات.

وقالت السعودية إن وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن ناقشا في اتصال هاتفي مساء الجمعة مستجدات مبادرة مشتركة لاستضافة طرفي الصراع السوداني في مدينة جدة بالمملكة في محاولة للحد من التوتر.

واستعرض الوزيران مستجدات المبادرة السعودية الأميركية الخاصة باستضافة ممثلين عن الطرفين في مدينة جدة، والتي تهدف لتهيئة الأرضية اللازمة للحوار لخفض مستوى التوترات هناك، بما يضمن أمن واستقرار السودان وشعبه الشقيق.

تأتي محادثات جدة بعد عدد من المبادرات الاقليمية الأفريقية التي قامت بها خصوصا دول شرق أفريقيا عبر منظمة "الهيئة الحكومية للتنمية" (ايغاد)، أو العربية التي لم تثمر على ما يبدو.

ومن المقرر أن يبحث الأحد وزراء خارجية الدول العربية "الملف السوداني" الذي يبدو أنهم منقسمون بشأنه، بينما فقد الاتحاد الافريقي أي أوراق منذ أن علق عضوية السودان عقب انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو على المدنيين عندما كانا حليفين في 2021.

وأسفرت المعارك الضارية المستمرة منذ 22 يوما بين قوات الرجلين عن سقوط 700 قتيل وخمسة آلاف جريح فضلا عن نزوح 335 الف شخص ولجوء 115 الفا الى الدول المجاورة.

والجمعة وحده، أوقعت المعارك 16 قتيلا بين المدنيين من بينهم 12 في الأبيض (300 كيلومتر جنوب الخرطوم)، وفق نقابة الأطباء.

ومنذ أيام، يقول موفد الأمم المتحدة الى السودان فولكر بيرثيس إن الطرفين "على استعداد لبدء محادثات فنية" حول ترتيبات وقف اطلاق النار، مشيرا الى السعودية كمكان محتملا لاستضافة تلك المناقشات.

وأضاف المسؤول الأممي أن المفاوضات السياسية حول مستقبل البلاد التي خرجت في العام 2019 من دكتاتورية عسكرية-اسلامية دامت ثلاثة عقود قبل أن تخضع مرة اخرى لحكم العسكريين بعدها بعامين، لن تكون ممكنة إلا بعد وقف اطلاق نار حقيقي.

مع استمرار المعارك، يخشى برنامج الأغذية العالمي من أن يعاني 19 مليون شخص الجوع وسوء التغذية خلال الأشهر المقبلة في السودان على خلفية النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفق ما أفاد متحدث باسم الأمم المتحدة الجمعة.

ونقل نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق أن برنامج الأغذية "يتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون فقدانا حادا في الأمن الغذائي في السودان ما بين مليونين و2.5 مليون شخص".

وأضاف "في مايو 2023، مع أخذ النزاع الراهن في الاعتبار (...) يمكننا أن نقدّر بأن العدد الإجمالي (لهؤلاء الأشخاص) سيرتفع الى 19 مليونا في الفترة بين الأشهر الثلاثة والستة المقبلة في حال استمر النزاع".

ووفق تقرير برنامج الأغذية مطلع 2023، كان 16.8 مليون سوداني من إجمالي عدد السكان المقدّر بـ45 مليون نسمة، يعانون انعداما حادا في الأمن الغذائي، بزيادة مليون شخص عن العام الذي سبق.

وحذّرت الأمم المتحدة من أن الولايات السودانية الأكثر تأثرا ستكون غرب دافور وكردفان والنيل الأزرق وولاية البحر الأحمر وشمال دارفور.

وسيعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة اجتماعا خاصا في 11 مايو لمناقشة "تأثير" المواجهات التي يشهدها السودان منذ منتصف أبريل "على حقوق الإنسان".

وقال المجلس في بيان إن هذا الاجتماع يأتي بناء على طلب رسمي مشترك تقدمت به المملكة المتحدة والنروج والولايات المتحدة وألمانيا مساء الجمعة وحظي بتأييد 52 دولة حتى الآن. وقد تنضم اليها دول اخرى بحلول الاسبوع المقبل.

ويعتقد الخبراء أن الحرب قد تكون طويلة خصوصا في ظل عدم قدرة أي من الطرفين على حسم الأمر على الأرض.

في دارفور، الاقليم الواقع في غرب السودان على الحدود مع تشاد، حمل مدنيون السلاح للمشاركة في المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع وقبائل متمردة، بحسب الأمم المتحدة.

وقالت منظمة "المجلس النروجي للاجئين" (ريفوجيي كاونسيل) إنه ما بين 24 و28 أبريل "قتل 191 شخصا على الأقل وأحرقت عشرات المنازل ونزح الاف الأشخاص" في إقليم دارفور الذي سبق أن شهد حربا دامية بدأت في 2003 وأوقعت 300 الف قتيل كما أدت الى نزوح 2.5 مليون شخص.

وفي مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، تحاول الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية التفاوض لايصال مساعدات الى الخرطوم ودارفور حيث قصفت أو نهبت المستشفيات ومخازن المساعدات الانسانية.