البرهان يضرب حلول التوافق في السودان بالجمع بين سلطتي السيادة والوزراء

يقطع تعيين قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان لحكومة تصريف أعمال حلول التوافق مع المكون المدني التي تقودها جهات دولية وداخلية لإنهاء الأزمة السودانية. ويرى مراقبون في قرار البرهان مزيدا من تعقيد الأوضاع بدل اقتراب انفراجة.
الخرطوم - بدأ المشهد السياسي في السودان يزداد تعقيدا عقب اتخاذ رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان قرارا بتعيين 15 وزيرا من دون أن يكون هناك رئيس للحكومة، ما يعني سيطرته على سلطتي مجلسي السيادة والوزراء.
واستمرت المظاهرات الداعية إلى إسقاط الحكم العسكري في البلاد وتشكيل حكومة مدنية، وخرجت مسيرات الجمعة دعت إليها قوى مدنية تحت شعار “جمعة الشهيد”، وتؤكد أن زخم العملية السياسية والحديث عن الحوار الوطني لن يغيرا أجندتها الرامية إلى تسليط الضوء على تصاعد عمليات العنف وزيادة أعداد القتلى والمصابين.
وجاء قرار البرهان بعد ساعات من لقائه وفدا أميركيا في الخرطوم برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية السفيرة مولي فاي والمبعوث الأميركي الجديد إلى القرن الأفريقي ديفيد سترفيلد والقائم بأعمال السفارة الأميركية بالخرطوم السفير براين شوكان.
وأعادت القرارات التنفيذية إلى الأذهان إقدام البرهان على انقلاب عسكري وإزاحة المدنيين من السلطة في أكتوبر الماضي بعد لقائه المبعوث الأميركي السابق جيفري فيلتمان، ما أعطى إشارات بأن هناك ظهيرا دوليا غير مباشر يهدف إلى تطويق الأزمة الداخلية والحفاظ على وجود العسكريين في السلطة بما يمنع انفلات الأوضاع.

وأكد مجلس السيادة أن الاجتماع شهد توافقا على دخول الأطراف السودانية في حوار وطني شامل بمائدة مستديرة، يضم جميع القوى السياسية والمجتمعية باستثناء حزب المؤتمر الوطني (المنحل) للتوصل إلى توافق وطني للخروج من الأزمة، وتشكيل حكومة كفاءات يقودها رئيس وزراء مدني لاستكمال مهام الفترة الانتقالية، وإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لتواكب التطورات وإجراء الانتخابات.
وأوضح الباحث والمحلل السياسي خالد سعد أن إقدام البرهان على تعيين وزراء جدد خطوة استباقية وتفاوضية يسعى من خلالها لرفع سقف طموحاته السياسية في الحوار الوطني المتوقع أن يُعقد قريباً بوساطات إقليمية ودولية، ويشي بأن الحكومة المدنية موجودة ومن نخبة تكنوقراط، بصرف النظر عن انتماء بعضهم الصارخ إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وأضاف لـ”العرب” أن المكون العسكري يسعى للتأكيد على أنه الحاكم الفعلي ويُظهر سيطرته على إدارة دولاب الدولة، وتعكس الخطوة الجديدة تأثير المواكب التي شاركت فيها قطاعات من الموظفين في الوقت الذي استجاب فيه البعض منهم لدعوات العصيان المدني، ومحاولته التعامل مع الحالة الاقتصادية المتدهورة التي دفعت إلى ضرورة ترميم إدارة الدولة وشؤونها ومعالجة الاختلالات الإدارية.
وشكل بيان صدر عن القضاة احتجاجا على ما يجري من تصرفات أمنية تطوراً على مستوى قدرة المكون العسكري على التحكم في السلطات العليا بالبلاد، فمن غير المعتاد أن يصدر وكلاء النيابة في السودان بيانات علنية بشأن ممارسات قوات الأمن، ما يشي بإمكانية خروج الأوضاع عن السيطرة بما يدعم الحاجة إلى تحقيق تماسك على مستوى السلطة التنفيذية.
وأعلن نحو مئة من وكلاء النيابة توقفهم عن العمل اعتبارا من الخميس دعما لدعوتهم قوات الأمن بوقف العنف ورفع حالة الطوارئ، وأكدوا معارضتهم لإجراء طوارئ اتخذ حديثا يعطي حصانة وسلطات أوسع لقوات الأمن، وأشاروا إلى أنهم لا يتمكنون من القيام بواجبهم بمرافقة الشرطة في الاحتجاجات لتحديد مستوى القوة المقبول.
وأجاز الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء بالسودان الخميس برئاسة البرهان موازنة الدولة للعام 2022، والتي تعتمد على الإيرادات الذاتية وتهدف إلى تحسين مستوى المعيشة وتوفير حماية لدعم الخدمات الصحية والتعليمية.
وقال القيادي في الحزب الشيوعي صديق يوسف إن المكون العسكري يراهن على موقف المجتمع الدولي الساعي لإدارة الفترة الانتقالية بالشراكة مع المدنيين، متسلحا بالتأييد الدولي للحوار والرغبة في إيجاد حلول توافقية وليست ثورية للأوضاع الراهنة، وهو ما شجعه على اتخاذ قراره الذي يعكس معايير دكتاتورية في التعامل مع الوضع الراهن، ويعد خروجًا عن الإطار الدستوري أو الديمقراطي.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القرارات الأخيرة تعبر عن حالة من الاضطراب لدى المكون العسكري في إدارة المشهد الراهن، لأنه لجأ إلى وكلاء الوزراء من دون أن يكون لديه القدرة على اختيار وزراء جدد، وبدا ساعيًا لفرض أمر واقع يستطيع من خلاله التعامل مع الصعوبات التي يواجهها في الشارع.
وأكد يوسف أن القوى المدنية لديها موقف رافض للتفاوض مع النظام العسكري مع الانفتاح على أية حوارات مع الأطراف الدولية، وأن التحول في المواقف الدولية التي تمضي في طريق دعم تحركات المكون العسكري سيجري التعامل معها بتوضيح رؤية القوى المدنية بلقاءات تجري حاليا مع سفراء بعض الدول الغربية واستمرار فاعلية الشارع إلى حين الانتصار لمطالبه.
وتعتبر دوائر مدنية أن هناك موقفًا ضبابيًا للمجتمع الدولي من الأزمة وأن البعثة الأممية قامت بتحركات خاطئة ولم تضع معايير واضحة للعملية السياسية التي أعلنت عنها، ومن نتيجتها أن المكون العسكري أضحى مدركًا أن وجوده مرغوب فيه دوليًا، غير أن هؤلاء يُصرون على أن الشارع قادر على إحداث تحولات في هذا الموقف ويمكنه تأكيد أن النجاح لن يكون حليف أية جهود لا تتضمن تحقيق مطالبه.
ويمثل مسك المكون العسكري بزمام المبادرة في ما يتعلق بتوجيه دفة الأحداث في الداخل مؤشراً على عدم رغبته في تقديم تنازلات تستجيب لأهداف الشارع والقوى السياسية، وهناك إدراك أن المواكب يصعب استمرارها طوال الوقت، وأن المجتمع الدولي الساعي لفرض الحوار بين الفرقاء دون إقصاء لأي طرف، باستثناء رموز النظام السابق، يضاعف الضغوط التي تمارس على المدنيين للتنازل من جانبهم أولاً.
وينظر متابعون إلى قرار مجلس الدفاع والأمن القومي قبل أيام بإبعاد جيوش الحركات المسلحة عن العاصمة الخرطوم دليلاً على أن المكون العسكري قد يضمن المزيد من المكاسب للقوى المدنية حال قبلت بالتفاوض على حساب الحركات المسلحة، ولن يمانع في تقديم تنازلات تكتيكية دون أن تؤثر على موقعه في السلطة وإن لجأ في النهاية إلى تغيير وجوه من الصعب استمرار تواجدها على رأس السلطة الانتقالية.