البرهان يسعى للخروج من مأزق الضغوط الأميركية باستعادة الحديث عن حكومة انتقالية

تشكيل حكومة في بورتسودان قد يدفع قوات الدعم السريع إلى تشكيل حكومة موازية.
الأحد 2024/08/18
مناورة جديدة

بورتسودان (السودان)- قرر قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان التملص من التجاوب مع المبادرة التي تبنتها الولايات المتحدة لحضور وفد من الجيش اجتماعات في جنيف مع وفد من قوات الدعم السريع، ورعاية وإشراف جهات إقليمية ودولية.

وكشف البرهان، السبت، عن مساع جارية لتشكيل حكومة تدير الفترة الانتقالية في السودان قبل وقف الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية مع الدعم السريع، ما يجعل تشكيل حكومة في هذا التوقيت ينطوي على أهداف تكتيكية، من بينها رفض إرسال وفد لحضور اجتماعات سويسرا التي انطلقت الأربعاء الماضي وتستمر لمدة عشرة أيام، وعدم الاعتداد بأيّ ضغوط قد تمارسها الولايات المتحدة عليه، وخلط أوراق المبادرات الساعية لوقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات.

وتزيد هذه الخطوة الارتباك الحاصل في السودان لجهة التحالفات بين القوتين المتصارعتين في الميدان، وهما الجيش والدعم السريع، والمبادرات التي تطلقها قوى إقليمية أو دولية من حين إلى آخر لوقف إطلاق النار، وتؤكد أن الجناح الإسلامي داخل المؤسسة العسكرية والرافض لوقف الحرب يتفوق على من يريدون التهدئة.

عادل سيد أحمد: حديث البرهان يوحي بأن الجيش يميل إلى القطيعة مع واشنطن
عادل سيد أحمد: حديث البرهان يوحي بأن الجيش يميل إلى القطيعة مع واشنطن

وقال الجنرال البرهان خلال استقباله عددا من الإعلاميين في مدينة بورتسودان إن “المساعي جارية لتشكيل حكومة لإدارة الفترة الانتقالية”، من دون الإفصاح عن أيّ تفاصيل إضافية بهذا الخصوص، في إشارة إلى أن الهدف من الإعلان سياسي، ولا يملك خطة أو أجندة محددة للحكومة والقوى والشخصيات المتوقع أن تشارك فيها.

ويأتي الإعلان عن تشكيل حكومة بعد مضي نحو ثلاثة أعوام على قيام البرهان بانقلاب عسكري في أكتوبر 2021، وحل حكومة مدنية تشكلت برئاسة عبدالله حمدوك عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، بإرادة توافقية بين الجيش وتحالف قوى الحرية والتغيير، ثم زيادة التخبط في إدارة المرحلة الانتقالية، وصولا إلى اندلاع حرب بين قوات الجيش والدعم السريع في أبريل من العام الماضي.

وألمحت قيادات عسكرية سابقا إلى إمكانية تشكيل حكومة جديدة في السودان، على أمل استيعاب غضب القوى المدنية من الجيش، لكن تم الاكتفاء بحكومة لتسيير الأعمال من مقربين للجيش وحلفائه من حركات مسلحة وتتخذ من بورتسودان مقرا لها.

وأكد البرهان، السبت، على “قدرة القوات المسلحة على دحر التمرد (الدعم السريع) والقضاء عليه”، معتبرا أن “الانتهاكات التي ارتكبتها غير مسبوقة في كل الحروب”.

وذهب قائد الجيش السوداني بعيدا بمخاطبته القوى الدولية التي تسعى إلى الوساطة لإنهاء الحرب في السودان، قائلاً “من يريد إيقاف الحرب عليه الحديث مع المتمردين (الدعم السريع) الذين يهاجمون المدنيين بمناطقهم.. وإن موقف الحكومة من أيّ مفاوضات معلوم من خلال الرؤية التي تم تقديمها للوسطاء”.

وحوت هذه الإشارة رسالة بضرورة ممارسة ضغوط دولية على قوات الدعم السريع، لكن النتيجة التي يمكن أن تقود إليها هي العكس، حيث بدا البرهان متحديا المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ولم يكتف بعدم الاستجابة لدعوتها لحضور اجتماعات جنيف، بل التلويح بعدم الاعتداد بضغوطها أو عقوباتها، وربما الانحياز إلى خصومها علنا في الفترة المقبلة، ومن بينهم روسيا وإيران.

وقال المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد لـ”العرب” إن أول ما يلفت النظر في حديث البرهان عن تشكيل حكومة هو التوقيت، فالإعلان عن ذلك في خضم شروع اجتماعات جنيف في مناقشة خطة تبدأ بالتفاوض لوقف إطلاق النار وتنتهي بعملية سياسية متكاملة، يعني أن الجيش السوداني قرر الميل إلى القطيعة مع واشنطن.

◄ تشكيل حكومة في هذا التوقيت ينطوي على أهداف تكتيكية، من بينها رفض إرسال وفد لحضور اجتماعات سويسرا

وحذر سيد أحمد من أن تشكيل حكومة في بورتسودان يمكن أن يدفع قوات الدعم السريع إلى تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها، وتبلغ نحو 70 في المئة من البلاد، ولديها من المبررات ما يجعلها تسعى للحصول على اعتراف بها.

وأضاف أن الجنرال البرهان دخل في ما يشبه مرحلة اليأس من المجتمع الدولي، والذهاب إلى هذا الاتجاه معناه أن علاقته بمعسكر الإخوان تطورت، لأن هذه أفكار التنظيمات الإسلامية التي تميل إلى البقاء في السلطة بلا اعتبار للمساحة وحجمها وطبيعة المخاطر التي تمثلها، فالمهم وجود سلطة فعلية على الأرض.

ووضع المحلل السوداني في حديثه لـ”العرب” ثلاثة سيناريوهات لإعلان البرهان عزمه تشكيل حكومة جديدة، الأول: أنه إذا قام بتشكيل حكومة ليست لها علاقة بفلول النظام السابق، فقد يكون قصد طمأنة المجتمع الدولي، لأن هذه واحدة من النقاط المطروحة على طاولة اجتماعات جنيف.

أما السيناريو الثاني، فهو أنه قرر الذهاب إلى محور روسيا – إيران ومعهما تركيا، وتشكيل حكومة تستوعب ما يسمى بحلفاء بورتسودان الخمسة، وهم: الجيش، وحاكم إقليم دارفور مني أركو ميناي زعيم حركة تحرير السودان، ووزير المالية جبريل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة، وعضو المجلس السيادي مالك عقار زعيم أحد أجنحة الحركة لشعبية لتحرير السودان/شمال، علاوة على فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير المنتشرين في الحكومة والمؤسسة العسكرية.

وقال سيد أحمد لـ”العرب” إن السيناريو الثالث يتعلق بتشكيل حكومة وفقا للأسلوب نفسه الذي كان يتخذه البشير، ويعتمد على المواجهة للحصول على مكاسب معينة.

1