البرهان لم يحسم مشاركة الجيش في السياسة بعد الفترة الانتقالية

رئيس مجلس السيادة السوداني يؤكد لـ"فرانس برس" أن العسكريين سيشاركون في انتخابات 2023، فيما قال لـ"رويترز" إن الجيش سيترك الحياة السياسية بعد الاستحقاق المقبل.
الأحد 2021/12/05
البرهان يتوقع عودة الدعم الدولي للخرطوم

الخرطوم - حملت تصريحات الفريق أوّل عبدالفتّاح البرهان الذي نفّذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر في السودان لوكالتي "فرانس برس" و"رويترز" السبت بعض التعهدات المتناقضة، كأن أكد للأولى أن العسكريين سيشاركون في انتخابات 2023، فيما أفصح للثانية بأن الجيش سيترك الشأن السياسي بعد الفترة الانتقالية.

وفي عام 2019، عندما أطاح الجيش بالرئيس السابق عمر البشير بضغط من الشارع، انخرط المدنيّون والعسكريّون في فترة انتقاليّة كان مفترضا أن تؤدّي إلى تسليم السلطة للمدنيّين حصرا، ومن ثمّ إلى إجراء أوّل انتخابات حرّة بعد 30 عاما من الدكتاتوريّة العسكريّة الإسلاميّة.

وبعد نحو شهر على الانقلاب الذي نفّذه البرهان، وقّع رئيس الوزراء المدني عبدالله حمدوك اتفاقا مع قائد الجيش أتاح له العودة إلى منصبه، على أن يبقى البرهان عامين آخرين على رأس السلطات الانتقاليّة، وبالتالي سيبقى العسكريّون في السلطة حتّى الانتخابات المقرّر إجراؤها في يوليو 2023.

وردا على سؤال لفرانس برس عمّا إذا كان سيكون ممكنا لأفراد الجيش والقوّات شبه العسكرية الترشّح لهذه الانتخابات، ردّ البرهان بـ"نعم"، علما بأنّه سبق أن قال إنّه لن يترشّح شخصيا.

وأوضح البرهان أنّ هذه الانتخابات الأولى ستكون مفتوحة "لجميع القوى التي شاركت" في المرحلة الانتقاليّة، بما يشمل العسكريّين وقوّات الدعم السريع بقيادة الفريق أوّل محمد حمدان دقلو.

وكانت شخصيات عدة شاركت في المرحلة الانتقالية تعهدت في 2019 بعدم العودة إلى السلطة بعد الانتخابات. لكن البرهان قال "في الوثيقة الدستورية قبل اتفاق سلام جوبا، كان هناك نصّ واضح بأنّ كلّ مشارك في الفقرة الانتقاليّة لن يُسمح له بالمشاركة في الفترة التي تليها مباشرة. ولكنّ اتّفاق سلام جوبا أعطى المشاركين في الفترة الانتقاليّة الحقّ بأن يكونوا جزءا من الحكومة المقبلة".

وتابع "هناك كما ذكرت ميثاق للتوافق السياسي مطروح الآن على الساحة. عندما يتمّ وضعه بصورة نهائيّة سيُطرح على القوى السياسيّة، وكلّ من يرغب في الانضمام إلى هذا الميثاق السياسي، بخلاف المؤتمر الوطني، سيجد الباب مفتوحا أمامه للمشاركة بالطريقة التي نصّت عليها الوثيقة الدستوريّة".

وفي مقابلة مع "رويترز" أكد البرهان أن الجيش السوداني سيترك الساحة السياسية بعد الانتخابات المقررة في عام 2023، مضيفا أن المؤتمر الوطني لن يكون جزءا من المرحلة الانتقالية بأي صورة من الصور.

وحزب المؤتمر الوطني كان الحزب الحاكم في السودان من 1989 حتى الثورة في 2019 بقيادة عمر البشير.

وقال البرهان "عندما تأتي حكومة منتخبة فإن الجيش والقوات النظامية ليست لديهما مشاركة في الشأن السياسي"، مشيرا إلى أن هذا هو الوضع الطبيعي وما تم الاتفاق عليه.

وأضاف "أي من القوى السياسية لن يكون جزءا من الحكومة الانتقالية، بما في ذلك المنتمون إلى الحزب الحاكم السابق بزعامة البشير"، مؤكدا "سوف نعمل معا حتى لا يكون المؤتمر الوطني جزءا من المرحلة الانتقالية بأي صورة من الصور".

ويعاني السودان في خضم أزمة اقتصادية طاحنة، على الرغم من أن تدفق الدعم الاقتصادي الدولي بدأت تظهر مؤشراته قبل تعليق الكثير منه بعد الانقلاب.

وقال البرهان إنه يتوقع عودة هذا الدعم بعد استقرار الأوضاع في البلاد تحت حكومة مدنية، مضيفا أن الدولة لن تتخلى عن الإصلاحات التي طبقتها سواء بالعودة إلى الدعم أو طبع أوراق النقد.

وبعد نحو ستّة أسابيع على انقلاب اعتبره البرهان طريقة "لتصحيح مسار الثورة" التي أطاحت بالبشير عام 2019، لا تزال مساعدات البنك الدولي للخرطوم متوقّفة، فيما عضويّة السودان في الاتّحاد الأفريقي معلّقة.

وقال البرهان، الذي يتولّى أيضا رئاسة مجلس السيادة، إنّ "المجتمع الدولي بما فيه الاتّحاد الأفريقي ينظر إلى ما سيحدث في الأيّام المقبلة".

وأضاف "أظنّ أنّ هناك مؤشّرات إيجابيّة على أنّ الأمور ستعود قريبا (إلى ما كانت عليه). تشكيل الحكومة المدنيّة بالتأكيد سيعيد الأمور إلى نصابها"، مشيرا إلى أن حمدوك عليه أن يطرح تشكيلة وزاريّة "كلّها من التكنوقراط".

والمجتمع الدولي الذي ندّد بـ"الانقلاب" في الخامس والعشرين من أكتوبر، رحّب لاحقا بالاتّفاق بين البرهان وحمدوك في نهاية نوفمبر، لكنّه طالب السلطات ببذل المزيد من الجهود قبل أن يستأنف تقديم الدعم.

وتدعو الأمم المتحدة بانتظام إلى إطلاق سراح جميع المدنيّين، قادة ومتظاهرين ونشطاء، الذين اعتُقلوا منذ الخامس والعشرين من أكتوبر. ففي كلّ يوم تقريبا، يُعاود عدد قليل منهم الظهور، لكنّ العشرات من العائلات لا تزال تنتظر أخبارا عن عدد من أفرادها.

كما يدعو المجتمع الدولي إلى إرساء المؤسّسات التي كان ينبغي تشكيلها قبل أشهر، مثل البرلمان والمحكمة العليا، من أجل إعادة إطلاق المرحلة الانتقاليّة.

ويندّد العديد من الوزراء الذين أزيحوا من مناصبهم جرّاء الانقلاب ومنظّمات المجتمع المدني والمتظاهرون الذين يُواصلون التعبئة، باتّفاق الحادي والعشرين من نوفمبر، ويتّهمون حمدوك بـ"الخيانة" والبرهان بإعادة شخصيّات من نظام البشير إلى الحكم.

ويطالب المدافعون عن وجود سلطة مدنيّة، بتحقيق العدالة لـ44 شخصا قُتِلوا ولمئات آخرين أُصيبوا بجروح منذ الخامس والعشرين من أكتوبر، حسب أرقام نقابة الأطبّاء المؤيّدين للديمقراطية.

وقال البرهان لوكالة رويترز "بدأت التحقيقات بشأن ضحايا الاحتجاجات لنعرف من فعل ذلك ومعاقبة المجرمين. والحكومة تحمي حق التظاهر السلمي".

والبشير مسجون منذ خلعه في اتهامات بالفساد وتهم أخرى. كما أنه، إلى جانب سودانيين آخرين مشتبه بهم، مطلوب من جانب المحكمة الجنائية الدولية في مزاعم بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

وأقرت الحكومة المدنية التي حلها الانقلاب تسليم البشير، لكن الجيش لم يوافق بعد على ذلك. وقال البرهان "لدينا تفاهمات مع المحكمة الجنائية الدولية لمثول المشتبه بهم أمام القضاء أو أمام المحكمة. ونحن ملتزمون بتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين".