البرهان ترك الأمر لسلسلة معارك بسيطة ومتعاقبة أكلت من مصداقية الدعم السريع

الجيش لجأ إلى تقسيم أماكن الاستهداف وعدم الانخراط في معارك عدة في توقيت واحد ومراكمة ما يحققه من مكاسب.
الخميس 2025/03/27
الوجهة دارفور

الخرطوم- تقدم الجيش السوداني في مناطق مختلفة من الخرطوم، الأربعاء، وسط تراجع وانسحاب من جانب قوات الدعم السريع، ما يظهر أن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان قد اعتمد على سلسلة من المعارك البسيطة والمتعاقبة للوصول إلى السيطرة على الخرطوم وهو ما أكل من مصداقية قوات الدعم السريع وقدراتها في وقت كان يعتقد أنها ستكون قادرة على خوض حرب متكافئة.

وسيطر الجيش السوداني على مطار الخرطوم الدولي، ونشر قواته على مدخل مدينة جبل أولياء جنوبي العاصمة وحاصرها من اتجاهات مختلفة، وهذه المنطقة هي آخر معقل رئيسي للدعم السريع في الخرطوم، بالتزامن مع استعادة معسكرات وأحياء مختلفة منها بعد أن سحبت قواتها من مناطق تواجدها دون قتال.

ويقول مراقبون إن المعركة في دارفور ستكون أقصر وأقل تعقيدا من تلك التي خاضها الجيش في الخرطوم، اعتمادا على التأثير السلبي لهزائم الدعم السريع ولجوء الجيش إلى تقسيم أماكن الاستهداف وعدم الانخراط في معارك عدة في توقيت واحد ومراكمة ما يحققه من تقدم عسكري وتأمين الأوضاع جيدا بما يضيّق فرص استعادتها مرة أخرى من قبل قوات الدعم السريع.

وتعرضت قوات الدعم السريع مؤخرا لانتكاسات متلاحقة دفعتها إلى الانسحاب من مناطق عدة في الخرطوم، بعد أن طرد الجيش عناصرها من معظم ولاية الجزيرة (وسط) ومناطق مجاورة لها، قبل أن يسيطر بشكل شبه كامل على الخرطوم، ما ينعكس على الروح المعنوية في صفوف عناصرها المتواجدة في إقليم دارفور، خاصة مع إخفاقها المتكرر في دخول مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

واعتمدت المعارك في الخرطوم على القتال في بيئة حضرية معقدة بالنسبة إلى الجيش، وأحدث تحريك ميليشيات إسلامية، عرفت بـ”المستنفرين”، وتوظيف الطائرات المسيرة خلخلة في صفوف قوات الدعم السريع التي تمركزت في مناطق معينة سيطرت عليها منذ اندلاع الحرب قبل عامين.

ونشر الجيش السوداني عبر صفحته الرسمية على فيسبوك خريطة توضح مواقع سيطرته التي بدت شاسعة في الخرطوم وولايتي النيل الأبيض وجنوب كردفان، مقابل مساحات ضئيلة لقوات الدعم السريع في أربع ولايات في إقليم دارفور، وأجزاء من ولايتي شمال وغرب كردفان.

ويشير المراقبون إلى أن المعركة في دارفور مكشوفة نظرا إلى طبيعة الأرض المنبسطة وعدم وجود مبان شاهقة وظفتها عناصر الدعم السريع في استهداف قوات الجيش في الخرطوم ومكنتها من السيطرة عليها مبكرا، ولم يكن هناك استخدام كثيف أو مؤثر للآليات العسكرية الثقيلة في العاصمة.

المعركة في دارفور ستكون أقصر وأقل تعقيدا من تلك التي خاضها الجيش في الخرطوم، اعتمادا على التأثير السلبي لهزائم الدعم السريع

ويعول موالون للجيش على المعادلة القبلية في دارفور، فجزء من القبائل العربية التي تصطف إلى جانب الدعم السريع تقاتل مع الجيش، وثمة قبائل أفريقية كانت معادية للجيش في حروب سابقة الآن تحالفت معه، وقوامها الأساسي هو القوات المشتركة التي تتواجد في الفاشر وتنتظر ما سيأتي إليها من دعم عقب استكمال السيطرة على الخرطوم، وقد تشكل كماشة على عناصر الدعم السريع التي تحاصر المدينة.

وقال الخبير الإستراتيجي السوداني اللواء محمد خليل الصائم إن السيطرة الكاملة على الخرطوم في مراحلها الأخيرة، والوصول إلى خزان جبل أولياء المؤدي إلى غرب النيل الأبيض وانسحاب قوات الدعم السريع يشيران إلى أن المعركة المقبلة ستكون في كردفان ودارفور خلال فترة وجيزة، وأن التقدم إلى الغرب والجنوب سيكون مدعوما بعناصر تأمين الوسط والشمال، بعد أن اكتسب الجيش خلال العامين الماضيين خبرات جيدة في معارك المدن التي لم يكن على دراية بها بشكل كبير.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن حسم معركة دارفور سيتم بأسلحة المدفعية والطائرات المسيرة، فضلا عن امتلاك الجيش طائرات لها قدرة على التعامل مع أهداف الدعم السريع هناك، التي تراجعت قدرتها على التجنيد في دارفور مؤخرا إثر انكسارها في العاصمة، وانتشار اليأس بسبب تزايد الخسائر والانسحابات.

واستعاد الجيش السوداني القصر الرئاسي، الجمعة، بعد عامين من استيلاء الدعم السريع عليه، واسترجع مؤسسات حكومية عدة وسط الخرطوم، بعد نحو 18 شهرا من خروج البرهان من العاصمة، وظهر في مدينة بورتسودان شرقا واتخذها عاصمة مؤقتة لحكومته.

وأكد رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن أن جميع الاحتمالات مفتوحة بشأن قدرة الجيش على تكرار تقدمه الحالي مرة أخرى في دارفور، وحال حسم الجيش المعارك لصالحه ربما يجد السودان نفسه أمام حروب متداخلة.

pp

وأوضح لـ”العرب” أن فرض الجيش سيطرته على ولاية الخرطوم وولايات أخرى عديدة قد يجعله يواجه مشكلة بسبب المساحة الجغرافية الشاسعة والمكون الاجتماعي في دارفور، والذي يشكل جزءا مهما من مكونات الدولة السودانية.

ولفت إلى أنه إذا انتفضت المجموعات الأهلية في دارفور وحدثت معارك محتدمة معها فسوف تعيد إحياء مكونات أخرى في الوسط والشمال وستكون هناك حالة من الفوضى، والتي يصعب حسمها عسكريا، مشيرا إلى أن نقل قوات الدعم السريع لجزء كبير من معداتها العسكرية إلى دارفور يؤكد أنها تستعد لمعركة مصيرية.

وأضاف حسن أن قوات الدعم السريع ليست مؤسسة عسكرية قتالية فقط، لكنها أيضا منظومة اجتماعية واسعة تتواجد في مناطق هشة أمنيا غير محدودة ومتداخلة مع مناطق عدة في السودان، وليس من السهل أن تصل الحرب إلى نقطة النهاية ويفرض الجيش سيطرته على كامل مناطق السودان، باستثناء المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان، جناح عبدالعزيز الحلو في كردفان والنيل الأزرق.

 

اقرأ أيضا:

       • أهالي ضحايا حرب السودان يلجأون إلى حفر المقابر حيثما اتفق لدفن ذويهم

       • السودان.. الحرب التي ستغير وجه أفريقيا وتعيد تشكيل النظام العالمي

1