البرنامج الانتخابي للتيار الإسلامي في الكويت: فرض الوصاية الأخلاقية

وثيقة القيم تستنفر الأوساط الليبرالية في الكويت.
الثلاثاء 2022/09/13
وثيقة القيم تعبث بما تبقى من حريات

أحدثت وثيقة القيم التي صاغها محسوبون على التيار الإسلامي وحظيت بدعم من عدد من الدعاة، صدمة في الأوساط الكويتية ولاسيما الليبرالية، لما تضمنته من بنود تكرس تطبيق الشريعة الإسلامية، وتهدم ما تبقى من حريات.

الكويت - أثارت وثيقة تم توزيعها على المرشحين للانتخابات التشريعية في الكويت، تلزم النواب المحتملين الموقعين عليها بالتقيد بها حال وصولهم إلى المجلس المقبل جدلا واسعا، لما تضمنته من بنود خطيرة تهدد واقع الحريات في الدولة الخليجية.

وترى أوساط سياسية كويتية أن الوثيقة التي أطلق عليها “وثيقة القيم”، والمتكونة من اثني عشر بندا هي محاولة من التيار الإسلامي لدغدغة مشاعر القوى المحافظة، قبل الاستحقاق الانتخابي المقرر في التاسع والعشرين من الشهر الحالي.

ويشكل البرلمان المقبل أهمية استثنائية، حيث تراهن القيادة الكويتية والشعب على أن يكون مشاركا رئيسيا في عملية الإصلاح التي تأجلت كثيرا بفعل الصراعات بين الحكومة ومجلس الأمة السابق.

وقد حرصت القيادة على توفير كل السبل لإنجاح هذا الاستحقاق، وقطع الطريق أمام أي تأثيرات قد تنعكس على شفافية الانتخابات ونزاهتها، وهو ما رفع من منسوب التنافس بين القوى المشاركة، التي تطمح إلى أن يكون لها دور أساسي في المرحلة المقبلة على غرار التيار الإسلامي.

بادر ناصر الحميدي: المجتمع الكويتي مجتمع محافظ لا يحتاج إلى الوصاية

وتقول الأوساط إن الوثيقة التي جرى توزيعها خلال الأيام الأخيرة تستهدف جمع كل المرشحين المحافظين ضمن كتلة برلمانية كبيرة، لفرض رؤيتها المحافظة، وهي تعكس حالة إفلاس في طرح برامج ومشاريع إصلاحية تنهض بواقع الدولة الغنية بالنفط، والتي تواجه صعوبات اقتصادية.    

وتتضمن الوثيقة “تأييد المشاريع والقوانين الإسلامية التي يقدمها النواب في مجلس الأمة”، و”رفض العبث بقانون منع الاختلاط، والمطالبة بتطبيقه بما يحقق فصل مباني الطلاب عن مباني الطالبات”. وتنص الوثيقة التي حظيت بدعم عدد من الدعاة الكويتيين على “رفض المهرجانات وحفلات الرقص المختلطة، والتي تخالف الآداب والذوق العام وتقاليد المجتمع الكويتي”، وعلى “رفض المسابح والنوادي المختلطة في الفنادق وغيرها، وتشديد الرقابة على محلات المساج ووقف المخالفات الأخلاقية بها”.

كما تشمل العمل على “تفعيل قانون اللبس المحتشم في الجامعة والتطبيقي للطلاب والطالبات”، والعمل على “وقف الدورات والأنشطة التي تتعلق بخرافات الطاقة والممارسات الوثنية المعلنة”، والعمل على “وقف الابتذال الأخلاقي وعرض الأجساد بما يخدش الحياء على الواقع وفي مواقع التواصل”.

وتنص الوثيقة، على “تعديل قانون التشبه بالجنس الآخر، وتشريع قانون لتجريم الوشوم الظاهرة على الجسد”، وعلى “إضافة سبّ الصحابة إلى قانون المسيء في حال عدم إلغائه بالكلية”.

وتدعو “وثيقة القيم” المرشحين الموقعين عليها، إلى “التصريح بشكل معلن في مواقع التواصل، رفضاً للتجاوزات الأخلاقية مع استخدام الأدوات الدستورية المناسبة”، وإلى “فتح خط ساخن مع معدي الوثيقة لإبلاغ النائب المتعهد أولاً بأول بما يقع من مخالفات شرعية وأخلاقية”.

وكتب عبدالرحمن النصار، أحد المشاركين في صياغة الوثيقة، عبر حسابه على تويتر قائلاً “الأخوة المرشحون، وثيقة القيم جاهزة للتوقيع من قِبَلكم، بعدما حصلت على تأييد 844 ديوانية من مختلف دوائر الكويت، فمن يرغب من المرشحين في توقيعها يتواصل معي بالخاص أو بالواتس، وتوجد ديوانية في كل دائرة كمقر لتوقيع الوثيقة”.

وقال في تغريدة أخرى، ردا على موجة ردود الأفعال الرافضة للوثيقة، “اليوم فقط وقع على وثيقة القيم من المرشحين بما يعادل ثلاثة أيام متتالية قبل الهجوم عليها”.

وانتقدت شخصيات سياسية وفكرية في الكويت الوثيقة والقائمين عليها، واعتبرت أن الغاية منها “تشريع الممارسات السياسية المشبوهة والمتاجرة بالدين، وهي بعيدة عن مطالب الكويتيين”.

سعد بن طفلة العجمي: ما يسمى بـ"وثيقة القيم" هي وثيقة داعشية بامتياز

ووصف وزير الإعلام الكويتي السابق والأكاديمي سعد بن طفلة العجمي الوثيقة بأنها “داعشية بامتياز”، داعيا “كل حريص على دولة القانون والدستور والحريات العامة والخاصة، أن يرفض هذه الوثيقة بلا تردد”.

وقال الأمين العام لـ”المنبر الديمقراطي” عبدالهادي السنافي، وهو من الرافضين للوثيقة، “بها تعد واضح في بعض بنودها على نصوص الحريات العامة والخاصة التي أكدها الدستور“.

وشدد السنافي على “التمسك بوثيقة دستور الكويت نصا وروحا باعتباره مرجعية القوانين التي تنظم حياة الناس وتكفل حقوقهم وحرياتهم“.

واعتبر مرشح الدائرة الثانية لانتخابات مجلس الأمة بادر ناصر الحميدي عبر تويتر أن “القيم تُغرس ولا تُفرض والمجتمع الكويتي مجتمع محافظ لا يحتاج إلى الوصاية”، لافتا إلى أن “الكويت دولة مؤسسات يحكمها القانون والدستور“.

وقال المحامي أسامة السند إن “وثيقة القيم”، “ليست مشروعا سياسيا، بل وصاية دينية أخلاقية على مجتمع لا يتكون من 50 فردا (عدد أعضاء مجلس الأمة)، بل من ملايين الأشخاص ممن يختلفون فكريا وعقائديا على جميع المستويات.. هي وثيقة مرفوضة وأرفض أن أصوت لأي شخص يوقع عليها.. اجعل منها مشروعا دعويا في المساجد، لكن ليس في الدولة”.

واعتبر الحقوقي بسام العسعوس أن هذه الوثيقة “هي المدخل الرئيسي لتغيير هوية المجتمع، وهذا التغيير حتماً له آثار اجتماعية وسياسية، وربما يتجاوز الأمر أكثر من ذلك فقد طالب مؤيدوها قبلها بقانون العقوبات الشرعية مما يتطلب بالضرورة تغييراً لكل القوانين ومناهج الدراسة والنظام الاقتصادي وهنا مكمن الخطورة”.

وفي مقابل ردود الفعل الرافضة للوثيقة، أعلن عدد من المرشحين للانتخابات التوقيع على الوثيقة، على غرار مرشح الدائرة الرابعة فايز الجمهور، ومرشح الدائرة الخامسة، سالم الحسيني، والمرشح محمد سعد رويشد الحربي.

ويرى مراقبون أن الكويت دولة محافظة بطبعها، لكن ردة الفعل المسجلة على هذه الوثيقة، تعود إلى الخشية من فرض رقابة مشددة على المواطنين وسلب ما تبقى من حريات، وهي وثيقة تستنسخ تجربة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية، والتي تم تحجيمها في السنوات الأخيرة.

ويشير المراقبون إلى أن هذه الوثيقة تسير بالكويت في اتجاه مغاير عن سياسة الانفتاح التي باتت تنتهجها باقي القوى الخليجية، وهي عملية مقاومة للتحول الذي يشهده المجتمع الكويتي، حيث هناك جزء كبير بات متأثرا بالأفكار الليبرالية.

ويقول المراقبون إن هذه الوثيقة دقت ناقوس الخطر في الأوساط الليبرالية، التي باتت تخشى صراحة من إمكانية تحقيق التيار الإسلامي انتصارا في الاستحقاق الانتخابي المقبل، وهذا الأمر بالتأكيد ستكون له مفاعيل جد سلبية ليس فقط على المجتمع بل وأيضا من خلال حرف بوصلة الإصلاح الذي يرنو الكويتيون إلى انطلاقته قريبا.

3