البرلمان خارج دائرة الحوار الوطني في مصر

الحكومة تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية في عدم قدرتها على الاعتماد على أي من مجلسي النواب أو الشيوخ.
الأربعاء 2022/06/15
رغبة حكومية في منافذ جديدة بعيدا عن البرلمان

القاهرة – غاب البرلمان المصري بغرفتيه مجلسي النواب والشيوخ عن النقاشات الجارية بشأن الإعداد للحوار الوطني المزمع انطلاقه يوليو المقبل، وطغى دور الأكاديمية الوطنية للشباب المسؤولة عن إدارته والأحزاب المدعوة للحوار ولجنة العفو الرئاسي التي عادت للعمل.

وذلك بعد أن ظل البرلمان طيلة السنوات الماضية يغرد وحيدا في الساحة السياسية بسبب خمول المجتمع المدني المصري بأوجهه المختلفة وتضييق الحركة على الأحزاب.

ويتوقع مراقبون أن يكون مجلس الشيوخ نافدة لإدارة الحوار ومكانا لانعقاد جلساته بفعل الأدوار التي حصل عليها بفعل تعديلات دستورية منحته “دراسة واقتراح ما يراه كفيلا بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، وتوسيع مجالاته”.

لكن جرى تهميش المجلس، واختيار المنسق العام للحوار نقيب الصحافيين ضياء رشوان، ورئيس أمانته الفنية المستشار محمود فوزي، وهما من الشخصيات غير الممثلة في البرلمان، ما أثار تساؤلات عديدة حول إذا كان إبعاد المؤسسة التشريعية بغرفتيها مقصودا لإتاحة أجواء مغايرة في ظل زيادة السخط الشعبي عليها.

عمرو هاشم ربيع: غياب الدور السياسي للبرلمان جعله بمعزل عن النقاشات الجارية

وتعبر إزاحة البرلمان عن دائرة الحوار عن رغبة حكومية في فتح منافذ جديدة تدعم الثقة المنشودة في الحوار الوطني، بحيث يبتعد عن الصورة الذهنية القاتمة التي تركها البرلمان لدى المواطنين، فقد ظل طيلة سنوات خلال تشكيلته السابقة ونسبيا الحالية أداة محورية لدعم سياسات الحكومة.

وفشل البرلمان في أن يخلق حالة من الحوار بشأن جملة من القضايا والقوانين التي ناقشها في جلساته المتعددة، وبدت هناك مخاوف من إمكانية فشله مجددا.

ووضعته دوائر رسمية في معزل عن النقاشات الدائرة حاليا مع السماح بأعضاء فيه ينتسبون لأحزاب سياسية الإدلاء بآرائهم الشخصية في خطوطه العريضة والصورة التي يجب أن يكون عليها.

ويبدو خفوت صوت البرلمان منطقيا لأن الأغلبية الحكومية تسيطر عليه وتفتقر القدرة على أن تكون طرفا مقبولا من قوى عديدة، كما أنه أحد أسباب الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، وسوف يكون قانون انتخاب أعضائه وآليات عمله محل مراجعة واسعة خلال جلسات الحوار الوطني، في تلك الحالة خصما وحكما في الوقت ذاته.

وتسببت القائمة النسبية المغلقة التي جرت على أساسها انتخابات البرلمان في المرتين السابقتين في توجيه اتهامات للحكومة برغبتها في تعيين غير مباشر لغالبية أعضائه والسيطرة عليه وإبعاد الكوادر المعارضة التي تقلصت في تشكيلته الحالية.

وتعد هذه المسألة على رأس أولويات أحزاب المعارضة التي تسعى لأن تكون مراجعة وضعية مجلس النواب على رأس مطالبها نحو الإصلاح السياسي.

وقال الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع إن غياب الدور السياسي للبرلمان جعله بمعزل عن النقاشات الجارية بعد أن تحول إلى أداة لترديد رؤى الحكومة المصرية في قضايا وأزمات مختلفة، وكان سببا مباشرا في حالة تراجع التفاعل السياسي في البلاد عبر التشريعات التي سنها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مجلس الشيوخ الذي كان البعض يعول عليه لإحداث حالة من الحراك السياسي وإثارة قضايا الحريات العامة وتقديم مقترحات لتعديل قوانين الحبس الاحتياطي ارتكانا على شخصيات ممثلة فيه لم يحقق المأمول.

وتتحمل الحكومة جانبا كبيرا من المسؤولية في عدم قدرتها على الاعتماد على أي من مجلسي النواب أو الشيوخ، لأن هيمنتها الكبيرة عليهما تسببت في أن يصبح البرلمان ضعيفا وفاقدا القدرة على حرية الحركة المواتية لإحداث حالة من الحراك الداخلي.

ومع ذلك هناك قناعة لدى متابعين بأن الاعتماد على بعض السياسيين المخضرمين في مجلس الشيوخ ممن لديهم رؤى للإصلاح أفضل من الارتكان على الأكاديمية الوطنية التي تفتقر للخبرة السياسية التي تساعدها على نجاح الحوار واستيعاب كافة الأحزاب والتيارات.

إدارة الحوار الوطني كشفت أن المنسق العام للحوار بدأ التشاور مع عدد من القوى السياسية والنقابية، لتشكيل مجلس أمناء يضم ممثلين لكافة الأطراف

ويقول هؤلاء المتابعون إن مساعي النظام الحاكم ليكون الحوار الوطني شاملا وتطرق إلى كافة المجالات وعدم حصره في أبعاد سياسية فقط أحد الأسباب التي قادت إلى استبعاد مجلس الشيوخ تحديدا للإشراف عليه.

وأكدت القيادية بحزب التجمع اليساري أمينة النقاش أن الحوار سوف يتطرق إلى قضايا عديدة مرتبطة بوضعية مجلسي النواب والشيوخ وضرورة الفصل بين السلطات بدلا من الحالة الراهنة التي لا يعرف فيها أحد حدود ودور كلاهما، وسط الحاجة السياسية لتقوية أدوار الجهات الرقابية أولا قبل منحها أدوارا جديدة قد لا تكون تمتلك القدرة على تأديتها بصورة مناسبة.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن حزب التجمع يذهب إلى الحوار ولديه إدراكات بأنه لن يكون مكتمل الأركان، وسوف تكون هناك نقاشات عدة حول الجهات التي تقوم بإدارته وما إذا كانت مؤهلة من عدمه، والتجربة ستبين ما إذا كانت توجد إمكانية لتديره جهة واحدة أم أن الأمر بحاجة لمساعدة من جهات أخرى، من بينها قيادات سياسية من مجلسي الشيوخ والنواب.

ولفتت إلى أن الإيجابية تتمثل في إنهاء حالة الركود التي ظلت مسيطرة على الحياة السياسية السنوات الماضية، وكان البرلمان أحد أسبابها، بجانب أن وجود رغبة لدى النظام الحاكم بعدم استمرار حالة الفراغ الحالية يشي ببصيص من الأمل في أن يجري شغله من خلال فتح المجال العام وإنهاء مرحلة الصوت الواحد، ما يجعل هناك حاجة لبسط الأمن المجتمعي بعيدا عن هيمنة الجهات التي تسببت في وجود احتقان سياسي.

وكشفت إدارة الحوار الوطني أن المنسق العام للحوار بدأ التشاور مع عدد من القوى السياسية والنقابية، والأطراف الراغبة في المشاركة في الحوار الوطني، لتشكيل مجلس أمناء للحوار الوطني يضم ممثلين لكافة الأطراف.

ومن المقرر أن يضم المجلس 15 عضوا، بما يضمن المشاركة الفعالة والتوصل إلى مخرجات مناسبة وفقا للرؤى الوطنية المختلفة التي تخدم المواطن المصري.

2