البرلمان المصري يمرر قانون الإجراءات الجنائية بلا حوار

الموافقة المبدئية على مشروع القانون تعني أن الحوار المجتمعي سيكون قاصرا على أعضاء مجلس النواب خلال مناقشة مواد القانون.
الجمعة 2024/12/20
البرلمان أغلق الباب أمام أي حوار مجتمعي

القاهرة - تنطوي موافقة مجلس النواب المصري على مشروع قانون الإجراءات الجنائية أخيرا على وجود توجه لدى السلطة بقطع الطريق على دعوات عرض القانون للحوار المجتمعي، بما قد يتسبب في متاعب سياسية من قوى معارضة، في وقت لا تسمح فيه التحديات الداخلية والخارجية بالدخول في مناكفات جانبية.

وتعني الموافقة المبدئية على مشروع القانون أن الحوار المجتمعي سيكون قاصرا على أعضاء مجلس النواب خلال مناقشة مواد القانون، عبر دراسة معمقة لكل مادة على حدة، من دون مشاركة أطراف أخرى (معارضة) من خارج البرلمان في تلك المهمة، بعد أن عقد المجلس 12 جلسة استمع خلالها لوجهات نظر مختلفة.

وقال رئيس مجلس النواب حنفي جبالي عقب ختام مناقشات مشروع القانون إن البرلمان خاض في مداولات مستفيضة حول الإجراءات الجنائية، في سابقة قد تكون الأولى من نوعها في تاريخ البرلمان المصري، بما يكشف العناية الدقيقة للقانون الذي ينظم العدالة وحقوق الإنسان في البلاد.

وتعهد بفتح الباب أمام النواب للمضي في دراسة مواد القانون بتعمق، بما يتيح لهم إدراك كل زاوية وتحليل كل جزئية بتدبر وعناية خلال الجلسات المقبلة.

إيهاب الخراط: هناك جهات ترغب في عدم استمرار الجدل حول القانون
إيهاب الخراط: هناك جهات ترغب في عدم استمرار الجدل حول القانون

وحملت كلمات رئيس البرلمان رسالة غير مباشرة إلى بعض قوى المعارضة مفادها أن وقت النقاش المجتمعي والسياسي حول قانون الإجراءات الجنائية انتهى، ولا مجال لمطالبة مجلس النواب بعرض نصوصه على طاولة الحوار مرة أخرى بعد أن استمع البرلمان لأطراف مختلفة بشأن القانون.

وترى دوائر سياسية أن تمرير قانون المحاكمات بلا حوار مجتمعي يُكرس تعامل الحكومة مع الحوار الوطني على أنه المظلة الوحيدة التي تعترف بها لإبداء الرأي ومناقشة أي توجه أو سياسة أو مشروع قانون.

وخاض الحوار الوطني جولة طويلة من النقاش حول القانون قبل أن يرفع توصياته إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن بعض المواد التي كانت بحاجة إلى تعديل، وبعد ذلك استدعى البرلمان ممثلين عن بعض النقابات لحسم الجدل المتعلق بنصوص خلافية.

ويشير غلق البرلمان الباب أمام أي حوار مجتمعي إلى أنه لا يرغب في اشتعال أزمة جديدة حول القانون بما يشوه الانطباع الإيجابي عن نصوصه، خاصة وأنه حسم الجدل بشأن قضايا ومطالب تخص المعارضة، ورغم ذلك لا تزال هناك تحفظات حقوقية على بعض المواد تصعب الاستجابة لها لأسباب أمنية.

وتتلاقى تحفظات بعض الحقوقيين في مصر على القانون مع جهات ومنظمات خارجية عبرت عن مخاوفها من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وركزت التعليقات على الصلاحيات الموسعة لموظفي إنفاذ القانون والمدعين العامين دون مراجعة قضائية، في إشارة مباشرة إلى أجهزة الأمن المصرية.

ويرى مجلس النواب أنه قيّد صلاحيات الشرطة في عمليات التوقيف وتفتيش المنازل بشكل غير مسبوق، ويصعب تحجيم دور الأمن أكثر من ذلك، لاعتبارات مرتبطة بالتحديات التي تحيط بالبلاد، واستمرار خطر الخلايا النائمة التي تدين بالولاء والطاعة لجماعة الإخوان.

كلمات رئيس البرلمان حملت رسالة غير مباشرة إلى بعض قوى المعارضة مفادها أن وقت النقاش المجتمعي والسياسي حول قانون الإجراءات الجنائية انتهى

وأصبح الأمن، وفق مشروع القانون الجديد، ملزما بالحصول على إذن قضائي مسبب قبل إجراء عمليات القبض والتفتيش ودخول المنازل، احتراما لحقوق الأفراد وحرياتهم، إلا في حالات الخطر، كضمانة دستورية لعدم الاستهداف، مع تنظيم المنع من السفر ليكون بنصوص قضائية، وليس بقرار أمني.

ويرفض معارضون أن يتضمن مشروع القانون وجود استثناءات في التوقيف والتفتيش، مثل حالات الخطر، لأنها كلمة مطاطة ويمكن التحجج بها لاستمرار المطاردات الأمنية لنشطاء ومعارضين، لكن أعضاء البرلمان يبررون النص بوجود مخاطر قد تظهر فجأة لا تحتمل التأخير لحصول الأمن على إذن قضائي.

وأكد إيهاب الخراط نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي لـ”العرب” وجود علامات استفهام كثيرة حول تمرير القانون برلمانيا بلا حوار مجتمعي، لافتا إلى أن هناك نصوصا إيجابية يصعب إنكارها، لكن مقابل مواد سلبية من الخطأ استمرارها، قد تكون لها انعكاسات وخيمة على المناخ السياسي.

كما أن إعادة فتح الحوار حول مشروع القانون بعيدا عن النقاش الداخلي بين النواب أنفسهم ربما تثير خلافات مطولة دون الوصول إلى نقطة توافق، ومهما حاولت الحكومة والبرلمان ترضية المعارضة بنصوص مستحدثة تحترم حقوق الإنسان، لن تصل معها إلى تفاهمات كاملة.

وقد تكون المعارضة المصرية أضاعت فرصة ثمينة لإدخال تعديلات أكبر على قانون الإجراءات الجنائية قبل غلق النقاش المجتمعي حوله، لكنها اختارت مقاطعة جلسات الحوار الوطني الذي فتح الباب لمقترحات تخص المحاكمات والحبس والتوقيف.

أحزاب مؤيدة للسلطة ترى أن التعديلات التي تم إدخالها على قانون الإجراءات الجنائية كافية لإثبات حسن نوايا السلطة بلا حاجة إلى حوار جديد حول نصوصه

وأمام هيمنة أحزاب وشخصيات متناغمة مع الحكومة على الحوار الوطني ومجلس النواب، ذهبت أغلب نصوص القانون إلى ما يخدم توجهات السلطة أولا، مع الاستجابة لبعض مطالب المعارضة في ما يتعلق بوضع حد أقصى للحبس الاحتياطي وتقييد صلاحيات الأمن في القضايا السياسية.

وترى أحزاب مؤيدة للسلطة أن التعديلات التي تم إدخالها على قانون الإجراءات الجنائية كافية لإثبات حسن نوايا السلطة بلا حاجة إلى حوار جديد حول نصوصه، ويكفي تخفيض مدد الحبس الاحتياطي ووضع بدائل له كأن يمكث المتهم في منزله إلى حين محاكمته، مع تعوضيه إذا حصل على البراءة.

ولا تزال قوى المعارضة تتمسك بإلغاء الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي والتعبير، وعدم الاستجابة لهذا النص كفيل برفضها مشروع القانون برمته، مهما حمل من مزايا أخرى. في حين يرى نواب الأغلبية البرلمانية أن هناك أصحاب رأي لديهم توجهات مناهضة للدولة، وتركهم أحرارا يشكل خطورة أمنية.

وأوضح إيهاب الخراط لـ”العرب” أن الأحزاب المستقلة تطمح إلى تقليل مدد الحبس الاحتياطي أكثر، واستثناء أصحاب الرأي من أي حبس قبل الإدانة، وإذا كانت الحجة في وجود تيارات مناوئة تشكل خطورة، فيمكن مواجهتهم بالفكر قبل الحبس، لكشف نواياهم أمام الرأي العام بما يخدم الاستقرار.

وساعد إعلان نواب المعارضة داخل البرلمان عن موافقتهم على القانون في غلق الباب أمام دعوات عرض القانون لحوار مجتمعي جديد، لأن هذه الفئة من النواب اعتادت الوقوف في وجه غالبية القوانين المقدمة من الحكومة، وموافقتهم تعني عدم وجود نصوص تستحق الحوار حولها.

وأشار إيهاب الخراط إلى أنه لا يمكن إنكار وجود إيجابيات في مشروع قانون الإجراءات الجنائية، لكن السلبيات الموجودة سوف تؤثر على المناخ العام والحريات السياسية، ويبدو أن هناك جهات ترغب في عدم استمرار الجدل حول القانون لأسباب سياسية، أو لتثبيت التوجه العقابي بهدف تكريس الاستقرار.

ولا ترتبط أزمة المعارضة والحكومة في مصر بقانون إجراءات التقاضي والمحاكمات والحبس الاحتياطي، وإنما تتعلق بسقف الخطوط الحمراء من جانب كل طرف، فالحكومة تتمسك بحتمية وجود ضوابط، والمعارضة تصر على العكس، دون إرادة من أي طرف لتليين مواقفه، لذلك لا فرصة لنجاح أي حوار مجتمعي.

2