البرلمان المصري يسترضي الأمن برفع الحصانة عن نائب أهان الشرطة

النائب عيد حماد متهم باقتحام مركز أمني والاعتداء لفظيا على أفراده.
الأربعاء 2022/12/21
تصويت بالأغلبية

القاهرة - عكس قرار لمجلس النواب المصري بالموافقة على رفع الحصانة البرلمانية عن نائب بتهمة إهانة الشرطة وجود توجه لدى المؤسسة التشريعية إلى عدم الدخول في مواجهة مع وزارة الداخلية بالتغطية على عضو أساء لضباط الشرطة.

ووافق البرلمان بأغلبية الأعضاء الأحد على رفع الحصانة عن النائب عيد حماد عضو مجلس النواب عن منطقة حلوان جنوب القاهرة بناء على طلب من النيابة العامة بتهمة اقتحام مركز (كمين) أمني والاعتداء اللفظي على أفراده.

وتعود أحداث الواقعة إلى نحو أسبوعين عندما تم القبض على سائق عضو البرلمان بتهمة حيازة مواد مخدرة وأسلحة نارية، لكن النائب حاول التوسط لعدم تحرير محضر رسمي، وقوبل طلبه بالرفض من جانب الضابط والقوة الأمنية المرافقة.

جمال زهران: رفع الحصانة عن النائب يستهدف تحسين صورة البرلمان
جمال زهران: رفع الحصانة عن النائب يستهدف تحسين صورة البرلمان

وقتها اتهم البرلماني أفراد الكمين بأنهم طلبوا رشوة مالية من سائقه، وعندما رفض تم القبض عليه واتهامه بالمشاركة في قضية المخدرات، وتم توثيق اتهامات عضو مجلس النواب من خلال مقطع فيديو تمكن ضابط من تسجيله على هاتفه الشخصي.

وخرج عضو البرلمان في صفحته على فيسبوك معتذرا لوزارة الداخلية عن إساءته للأجهزة الأمنية، لكن اعتذاره قوبل بالرفض عقب انتشار الفيديو المسيء للشرطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط غضب شعبي واسع وتعاطف مع الداخلية.

وتعد هذه المرة الأولى التي يوافق فيها مجلس النواب على رفع الحصانة عن أحد أعضائه بناء على طلب النيابة العامة، ما فسره بعض المتابعين بأن البرلمان لا يتحمل تبعات غضب الأجهزة الأمنية بالاستمرار في تحصين عضو أهان عناصرها.

وترتبط تضحية البرلمان بأحد نوابه والسماح بمساءلته قضائيا بعضويته في حزب مستقبل وطن الذي يشكل الأغلبية البرلمانية، وممثلا لظهير شبه رسمي للحكومة، وتشارك أجهزة أمنية في ترتيب الكثير من أوراق الحزب السياسية.

واعتاد حزب مستقبل وطن تقديم نفسه للشارع على أنه “حزب السلطة” وليس الحكومة فقط، حيث يقوم بتوزيع المساعدات المالية والمنح العينية وتقديم الخدمات لشريحة من المواطنين، ويضع بجوار شعاره صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي.

ولا يمانع مواطنون أن يكون للرئيس السيسي حزب يساعد في حل مشكلات الناس ويقدم الدعم والمساعدة، على الرغم من أنه أعلن أنه بلا حزب، لكن العبرة في الشارع أن يكون أعضاء هذا الحزب قدوة، وليسو أصحاب نفوذ ويرتكبون مخالفات.

وقال جمال زهران البرلماني السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس إن توقيت رفع الحصانة عن النائب يستهدف تحسين صورة البرلمان بعد انتشار معلومات تؤكد أنه يوافق على كل قرارات الحكومة دون معارضة.

وأضاف لـ”العرب” أن اعتداء برلماني على كمين شرطة يمس هيبة الدولة، فوزارة الداخلية رمز للأمن والسلطة أيضا، ومن الطبيعي رفع الحصانة عنه، حيث تساءل الناس عن فعالية الجهاز الأمني، ما يحمل سلبيات لارتباط الواقعة بكيان له علاقة بقوة الدولة.

الدعم الشعبي لوزارة الداخلية ضد النائب المعتدي على كمين الشرطة أظهر تحسنا في علاقة الشارع بأعضائها مقابل ارتفاع منسوب الغضب والاستياء من البرلمان ونوابه

وهناك توجه سياسي لدى دوائر رسمية بالحفاظ على صورة حزب مستقبل وطن ناصعة في نظر الشارع، لأن غض الطرف عن قضية خاصة بنائب يحمل إساءة للنظام والحكومة والبرلمان والحزب نفسه.

وتكمن العبرة من استمرار صورة حزب الأغلبية البرلمانية بلا مخالفات تشوهها، في ألا يغل يد القضاء عن محاسبة نواب آخرين اتهموا في قضايا منظورة أمام النيابة العامة، وليس شرطا أن تكون القضية مرتبطة بالخلاف مع جهاز الشرطة لتسريع المحاسبة.

وأعلن مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري الخميس أن هناك توجها حكوميا لمواجهة الفساد بكل أشكاله، وفي أي جهة كانت، بالتزامن مع إطلاق المرحلة الثالثة من إستراتيجية مكافحة الفساد بحضور وزراء ومسؤولين بجهات رقابية.

ورغم أن الحكومة بريئة من وقوف البرلمان حائط صد أمام مواجهة مخالفات بعض النواب، لكنها تتحمل وحدها فاتورة سياسية باهظة جراء الجدل الذي يثار مع كل موقف سلبي من البرلمان برفض رفع الحصانة النيابية عن أحد أعضائه.

ويرتبط استياء الشارع بأن الحصانة البرلمانية وُجدت في الأساس لحماية النائب من أي تضييق على رأيه كرقيب على الحكومة لا أن يتم توظيفها لارتكاب وقائع فساد أو تُستخدم لتكبيل مؤسسات رقابية وقضائية عن أداء دورها المكفول لها بحكم الدستور.

وأظهر الدعم الشعبي لوزارة الداخلية ضد النائب المعتدي على كمين الشرطة تحسنا في علاقة الشارع بأعضائها مقابل ارتفاع منسوب الغضب والاستياء من البرلمان ونوابه بسبب التماهي غير المحدود مع قرارات الحكومة التي زادت الأعباء الشعبية.

معارضون للحكومة يؤكدون أن موافقة البرلمان على طلب النيابة العامة في محاسبة أحد أعضائه يفترض أن يكون نهجا عاما

ويؤكد معارضون للحكومة أن موافقة البرلمان على طلب النيابة العامة في محاسبة أحد أعضائه يفترض أن يكون نهجا عاما، لأن الإصرار على تحصين النائب من المثول أمام جهات التحقيق يمس هيبة الدولة وليس القضاء والرقابة وحدهما.

ويبرهن أصحاب هذا الرأي على صحة طرحهم بأن الصورة الناصعة لأي نظام تظهر في قدرته على تحقيق العدالة والانتصار للقانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء بدعوى الحصانة طالما أن هذه التشريعات موجودة فتعطيلها يمس صورة الدولة.

وما يلفت الانتباه أن مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) رفض طلبا أخيرا من النيابة العامة بإسقاط الحصانة البرلمانية عن أحد نوابه ليتم التحقيق معه أمام النيابة العامة بتهمة عدم دفع مستحقات مالية تعهد بسدادها لأحد التجار، مستندا إلى وجود شبهة كيدية.

ويشير موقف مجلس الشيوخ برفض إسقاط الحصانة عن أحد نوابه مقابل رفعها عن نائب آخر في مجلس النواب أن الجهة التشريعية في مصر تكيل بمكيالين، ما يؤثر على صورتها في الشارع، ويجعلها في نظره مطعونا في نزاهتها، وطالما أنها ترفض محاسبة أحد نوابها فلن تكون قادرة على القيام بدورها الرقابي على أداء الحكومة.

ويتمتع أعضاء البرلمان، وفق الدستور المصري، بعدم المساءلة القانونية في أي قضايا جنائية طالما لم يتم توقيفهم وهم يقومون بارتكاب الجريمة، وما دون ذلك يتعين على المجلس أن يسمح للجهات القضائية أن تحاسب العضو بعد رفع الحصانة ليصبح مواطنا عاديا أمام القانون.

وأكد جمال زهران لـ”العرب” أن تكرار وقوف البرلمان في وجه الجهات القضائية يعطي انطباعا سلبيا عن الجمهورية الجديدة التي يرغب الرئيس السيسي في تثبيت ركائزها بتحقيق العدل والمساواة ومحاربة الفساد.

وتظل أزمة البرلمان في مصر أنه يتعامل مع طلب النيابة برفع الحصانة عن أحد نوابه على أنه يسيء إلى سمعته ككيان تشريعي ورقابي، مع أن تنصله من أعضائه المتهمين قد يغير الصورة السلبية عنه في الشارع.

2