البرلمان المصري يرتدي ثوب المعارضة لتهدئة الشارع

القاهرة - استمر البرلمان المصري في تصعيد نبرته ضد عدد من الوزراء على خلفية أزمات اقتصادية ومعيشية وتعليمية أحدثت تململاً في الشارع الفترة الماضية، وبدا أن هناك رغبة في أن يرتدي نواب يقفون على مسافات قريبة من الحكومة ثوب معارضتها لتحسين صورة البرلمان في الشارع، وإرسال إشارات تفيد بوجود تغير في التعامل مع المشكلات الداخلية من جانبه.
ورفض مجلس النواب المصري الثلاثاء تمرير تعديلات قانون ضريبة الدمغة الذي تقدمت به الحكومة وأثار رفضًا شعبيًا، وأرجأ النقاش حول القانون لفترة لم يحددها بحجة التباحث حول مواده التي تضمنت فرض ضرائب إضافية على المنتجات النهائية للسلع المعمرة والمشروبات الغازية والروحية ودور السينما والمسارح والعطور ومستحضرات التجميل والأسماك المستوردة.
وقالت النائبة مرثا محروس عضو تنسيقية شباب الأحزاب (قريبة من دوائر الحكومة) إن “الدولة تمر بمرحلة تحتاج فيها إلى الوقوف بجانب الشعب وليس فرض المزيد من الضرائب”، وأن مشروع القانون يعبر عن عدم تلامس الحكومة مع الواقع وعدم شعورها بمعاناة المواطنين وينفصل تماماً عن الواقع المعيشي.
وتحولت الجلسة العامة للبرلمان إلى ساحة لتوجيه الانتقادات المباشرة لعدد من الوزراء بينهم وزير التربية والتعليم طارق شوقي ووزير القوى العاملة هشام توفيق، وطالت أيضًا رئيس البرلمان السابق محمد عبدالعال الذي مرر قوانين الضرائب وأقر بمضاعفة غالبية رسوم الخدمات الحكومة، ووصف النائب أحمد الشرقاوي مجلس النواب المنقضي بأنه “سيء السمعة” بسبب الضرائب والرسوم.

حسن سلامة: تقييم أداء البرلمان يتوقف على استمرار أداء دوره الرقابي
وطالب عدد من النواب بإقالة وزير التعليم من منصبه بسبب تغيبه عن حضور الجلسات العامة للمجلس واجتماعات لجانه النوعية، في الوقت الذي تقدم فيه 118 نائبًا بطلبات إحاطة ضده بسبب أزمات مناهج الصف الرابع الابتدائي وتكدس الفصول الدراسية وعجز المعلمين.
ولم تقنع هذه الانتقادات قطاعاً كبيراً من المصريين الذين اعتبروا أن البرلمان اعتاد تصعيد لهجته ضد الحكومة كلما اقتضت الضرورة وكان هناك شعور بأن هناك غضبا داخليا كامنا في الشارع، دون أن يؤدي إلى نتائج إيجابية على مستوى محاسبة الوزراء وإقالة المقصرين أو حتى على مستوى التراجع عن التشريعات السابقة التي قادت لاحتقان مجتمعي في الشارع جراء تحميل المواطنين المزيد من الأعباء.
وتشكل تركيبة البرلمان التي ينتمي أغلبها إلى حزب مستقبل وطن (صاحب الأغلبية والظهير السياسي للحكومة)، إلى جانب تنسيقية شباب الأحزاب، وعدد من القوى التي دخلت في تحالفات انتخابية مع حزب الحكومة، عائقاً أمام قدرتها على إقناع الشارع بفاعلية ما تذهب إليه، بينما هناك قطاعات واسعة لا تجد أملاً في تغيير منشود إذا استمر التضييق على الحريات وعدم وجود ممارسة سياسية بالمعنى المتعارف عليه.
وقال أمين عام حزب المحافظين طلعت خليل إن البرلمان يحاول القيام بأدواره التي تغافل عنها السنوات الماضية، وحينما يتحدث النواب بلسان الشعب فذلك يعدّ الأصل في الممارسة، وننتظر لنرى ما إذا كانت هناك نتائج لتلك التوجهات أم أنها مناورة جديدة لتهدئة الشارع الغاضب، لأن البرلمان سبق أن استدعى رئيس الحكومة وبعض الوزراء ووجه انتقادات لاذعة لكن استمروا في سياساتهم بلا تغيير.
وأضاف النائب السابق بالبرلمان المصري لـ”العرب” أن الأداء الحالي يتسم بكونه جلسات كلامية أكثر منها تطورا يمكن البناء عليه لإحداث تغيير في الممارسة البرلمانية، والغالبية من المواطنين لا يقتنعون بطبيعة ما يدور، ومازال القطاع الأكبر منهم يتحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي.

طلعت خليل: البرلمان يحاول القيام بأدواره التي تغافل عنها لسنوات
وأشار إلى أن هناك دوائر حكومية عديدة ترى أهمية وجود مراجعات لعدد من القوانين التي أقرّها البرلمان السابق وقادت إلى جملة من الأزمات أثناء تطبيقها، وستحاول تلك الدوائر تهدئة الشارع عبر إدخال تعديلات تصحّح العوار.
والأهم من ذلك أن يكون هناك تحسن ملحوظ على مستوى أداء الحكومة والتعامل مع أخطاء كان من نتيجتها تحميل المواطنين فاتورة الإصلاحات بلا تحسن كبير في أداء العمل الضريبي.
ووافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة، وإقرار بعض الإعفاءات الضريبية التي تمس القطاعات المختلفة، وهدفت التعديلات إلى مواجهة جملة من الأزمات في قطاعات صناعية مختلفة تأثرت سلباً بالضرائب المفروضة عليها.
وشملت التعديلات إعفاءات ضريبية على مستوى المناطق الاقتصادية والشركات الوطنية ومدخلات الأدوية ومشتقات الدم وما يتعلق بها مثل اللقاحات ووسائل تنظيم الأسرة، ومنتجات زراعية تباع بشكلها الأصلي، وإعفاءات أخرى في قطاع الصرف الصحي الذي تعمل الحكومة على توصيله إلى كافة المواطنين.
ويتفق البعض من السياسيين على أن جدية البرلمان يمكن قياسها في حال دخل بشكل جاد في التعامل مع القضايا المسكوت عنها في مجالات متعددة، ولا يمكن القياس على حدوث تطور ملحوظ في عمله من عدمه في حال لم يمارس أدواته الرقابية بشكل كامل ولم يتمكن من كشف عورات الحكومة البعيدة عن قدراته الرقابية.
وذكر أستاذ العلوم السياسية بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة حسن سلامة أن تقييم أداء البرلمان يتوقف على استمرار أداء دوره الرقابي بحيث لا تكون طفرة موسمية ثم نعود إلى الوضع القديم، مع أهمية قناعة الحكومة أن ما يقوم به البرلمان يصب في صالح الدولة.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن التمييز المؤسسي في البرلمانات يتمثل في رضاء المستفيدين من الأداء العام، وهو ما ينعكس مباشرة على دعم شرعية النظام وتشجيع المواطنين على المشاركة السياسية وخفوت حدة الاحتقان في الشارع، موضحًا أن تسليط الضوء على الأداء السلبي للبرلمان السابق أمر إيجابي لدفع النواب الحاليين نحو تحسين استخدام الأدوات الرقابية التي يتمتعون بها.