البرلمان المصري يبحث عن دور مجتمعي يجنبه الانتقادات

القاهرة - بحث البرلمان المصري لنفسه عن دور فاعل ضمن توجه الحكومة ومؤسساتها المختلفة نحو الاهتمام بقضايا مجتمعية عديدة تهم قطاعات واسعة من المواطنين، بعد تفاقم بعضها إلى الحد الذي يشكل خطرا حقيقيا على استقرار الدولة، في ظل متغيرات واضحة في سلوكيات الناس وتأثرهم بنتائج الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد طيلة السنوات الماضية.
وتدخل مجلس الشيوخ على خط الأزمة التي أثارها انتحار موظف بإحدى الشركات الخاصة داخل مقر عمله الأسبوع الماضي، ملقيا نفسه من الطابق الثالث بعد إجباره على ترك العمل تماما، وناقش قانونا جديدا للعمل، ووافق على عدد من مواده في انتظار الموافقة النهائية عليه الأيام المقبلة.
ويضع القانون تعريفا جديدا لمفهوم “السخرة” ومنح المزيد من الامتيازات للعمال الذين عانوا من وقوف القانون الذي جرى إقراره منذ نحو عقدين في صف صاحب العمل، وتضمن شروطا محددة للاستغناء عن الموظفين من الأعمال الخاصة، علاوة على منع الفصل التعسفي الذي كان إحدى ثغرات القانون السابق، وأجبر الشركات الخاصة على منح مكافأة ومعاش لموظفين عملوا في تلك المؤسسات سنوات طويلة.
وطغت قضايا رواتب أساتذة الجامعات ومشكلات التعليم وأزمات العمال لدى شركات القطاع العام وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وجرائم العنف الأسري، على اهتمامات مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) منذ بدء دور الانعقاد الثاني قبل ثلاثة أشهر، ما انعكس على استدعاء العديد من وزراء الوزارات الخدمية وتوجيه انتقادات لاذعة لهم على تعاملهم مع ملفات ارتبطت بشكل مباشر بالمواطنين.

ناجي الشهابي: البرلمان لا يقوم بأدواره المجتمعية كما يجب أن يكون
وجاءت بوصلة اهتمامات البرلمان كترجمة مباشرة لسياسات النظام المصري، الذي يبدو حريصا على وجود تناغم بين أجهزة الدولة تجاه الأطر العامة التي ينتهجها.
وعندما كانت مواجهة الإرهاب هدفا أساسيا جرى توجيه دفة الاهتمامات الحكومية والتشريعية والقضائية نحو التعامل مع المشكلة بصورة كاملة، ومع انزواء خطرها بات الاهتمام منصبا على نحو أكبر على قضايا الإصلاح الاقتصادي وما صاحبها من ترسانة في القوانين تتماشى مع توجهات انحسار الدعم الحكومي.
وحينما وجد النظام المصري أن الأمر بحاجة إلى الغوص في تفاصيل المشكلات والظواهر التي انتشرت داخل المجتع، دون وجود قدرة على الحد منها أو مواجهتها، تحول الاهتمام نحو القضايا المجتمعية، وهو ما عكسه اهتمام وسائل الإعلام المحلية بمناقشة قضايا تسلط الضوء على جوانب حياتية لدى المواطنين، والتركيز بشكل مكثف على جهود الحكومة في تحسين سبل المعيشة.
ويداوم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على تقديم نماذج متعددة في العمل الاجتماعي وتسير خلفه الحكومة ومؤسسات الدولة، ويبدي الرجل حرصا على أن يكون حاضرا في مناطق نائية وفقيرة، ولم يصل إليها من قبل رؤساء سابقون.
وكانت لقاءاته الأخيرة التي عقدها مع مواطنين وقيادات محلية في محافظات بني سويف وقنا وأسوان (جنوب مصر) بمثابة تأكيد على هذا التوجه، كما أنه دشن قبل عدة أشهر المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” التي تستهدف تحسين جودة الحياة لما يقرب من 60 مليون مواطن في المراكز والقرى والنجوع.
ويتفق سياسيون على أن البرلمان بغرفتيه (مجلسي النواب والشيوخ) يجد البيئة المناسبة التي تساعده على ملامسة واقع فئات اجتماعية، طالما ظلت تراه لا يعبر عنها، وعبّرت عن تململها من تجاهله الأزمات اليومية التي تواجهها.
أضف إلى ذلك أن تحرك البرلمان من المفترض أن يكون أكثر فاعلية باعتبار أنه يضم ممثلين عن الناس من مناطق جغرافية مختلفة، ولديه من الأدوات التي تجعله قادرا على مراجعة سياسات الحكومة المجتمعية التي تطفو على السطح.
وقال رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي إن البرلمان يلتقط الخيط الذي تسير عليه الحكومة لترجمة توجهاتها إلى تشريعات وقوانين قابلة للتطبيق في غضون فترة زمنية قصيرة، ولا يجد صعوبة في تمريرها باعتبار أن الأغلبية مؤيدة للحكومة، وتصب توجهاته في صالح دعم سياسات النظام الحاكم ومساندته على تطبيق رؤيته.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن طبيعة أداء البرلمان خلال السنوات الماضية وانحسار المعارضة داخله جعلاه قادرا على ترجمة توجهات الحكومة بالشكل الذي يخدمها مباشرة، لكن في الوقت ذاته لا يقوم بأدواره المجتمعية كما يجب أن يكون، لأن مشكلات مثل مواجهة ارتفاع الأسعار والتضخم والسياسات الاقتصادية للحكومة التي تترتب عليها مضاعفة الضرائب وأسعار السلع والخدمات، لم تكن حاضرة ضمن القوانين المشرعة أو على مستوى النقاشات.
ولم يقف البرلمان في صف الملايين من العمال الذين تضرروا من قانون شركات قطاع الأعمال، الذي جرت الموافقة عليه قبل حوالي العام، ويفتح المجال أمام تصفية الشركات عبر جمعية عمومية مصغرة يشكلها وزير قطاع الأعمال.
وتبدو نبرة المعارضة المرتفعة من قبل نواب محسوبين على الحكومة تجاه وزارات خدمية تتعلق مباشرة بالأوضاع الاجتماعية للمواطنين، ضمن مساعي دوائر حكومية تسعى لإعادة تموضع البرلمان ليخدم التوجهات العامة للنظام الحاكم نحو الغوص في تفاصيل الكثير من الأزمات التي تواجه المواطنين، من دون أن يؤثر ذلك على السياسات الاقتصادية التي تلتزم بها الدولة.
وأصرّ مجلس النواب على حضور وزير التربية والتعليم طارق شوقي قبل أيام لمناقشة طلبات الإحاطة المقدمة ضده، وعقدت لجنة التعليم والبحث العلمي اجتماعا مغلقا معه الثلاثاء، ومن المقرر أن يدرس البرلمان بيان الوزير ويعقد مناقشة عامة للنواب في ما يتعلق بسوء حالة الأبنية التعليمية وارتفاع كثافة الفصول، وبحث سياسة الحكومة لحل مشكلة تكدس الفصول الدراسية، وعجز المعلمين.
ويرى مراقبون أن التعامل مع الأزمات المجتمعية يمنح الحكومة شعبية تحتاج إليها وسط فئات تضررت من قرارات الإصلاح الاقتصادي وتواجه أعباء مالية صعبة، في حين أن الخدمات لم تشهد تحسنا بالقدر الذي يجعل الناس يشعرون بعوائد التحسن الاقتصادي، ويسعى البرلمان نحو توصيل رسالته بشكل مباشر إلى هؤلاء، والتأكيد على أن ما يواجهونه من أزمات إنما هو محل اهتمام من جميع أجهزة الدولة.