البرلمان الليبي يستعجل اختيار رئيس جديد للحكومة تفاديا للفراغ في طرابلس

تكالة يرفض إجراءات مجلس النواب "الأحادية"، محذرا من تعميق الانقسام السياسي وتعطيل العملية، وسط غموض الموقف الدولي حول التحركات.
الاثنين 2025/05/19
من يخلف الدبيبة في ظل الانقسام

بنغازي (ليبيا) - دعا رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح اليوم الاثنين أعضاء المجلس إلى الإسراع في اختيار رئيس حكومة جديد "لتجنب فراغ السلطة في المنطقة الغربية"، في الوقت الذي تتجدد فيه الاحتجاجات المطالبة برحيل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة عن منصبه.

وتأتي دعوة صالح بعد أن أصبح الدبيبة فاقدا للشرعية في نظر الكثير من الليبيين بعد أن جرّ العاصمة الليبية إلى الاقتتال عبر دفع ميليشياته في طرابلس ومصراتة مسقط رأسه للدخول في حرب شوارع مع الميليشيات التابعة للمجلس الرئاسي.

وشنّ عقيلة صالح في مستهل في جلسة مجلس النواب اليوم الإثنين هجوما لاذعا على الدبيبة وحكومته، محملا إياها مسؤولية أحداث طرابلس الأخيرة، ومؤكدا أن الدبيبة "مسؤول عن الضحايا في صفوف المدنيين".

 وشدد على أن "حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية طبقا لقرار مجلس النواب بنيت على باطل منذ لحظة اختيارها في جنيف والشعب الليبي والمجتمع الدولي كانا شهودا على الاختيار المشوه والمشبوه" مؤكدا أنها "بالنسبة لمجلس النواب هي والعدم سواء".

وأضاف "نجتمع اليوم وعلينا تحمل مسؤولياتنا لتجنب فراغ السلطة في المنطقة الغربية، يجب علينا اختيار رئيس حكومة وحدة وطنية من بين المرشحين على أن يتولى النائب العام الصديق الصور مراجعة ملفاتهم من الناحية القانونية.

وتابع "بعيدا عن الحسابات الجهوية نقف في لحظة مفصلية يجب أن ننحاز فيها للحق والحقيقة بعيدا عن تصفية الحسابات.. نقف مع أهلنا في طرابلس في حقهم المشروع في إسقاط حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية طبقا لقرار مجلس النواب.

ويبدأ مجلس النواب الليبي غدا الثلاثاء في دراسة ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة الموحدة لاختيار أحدهم والإعلان عن هويته الخميس القادم.

وأعلن المجلس الأحد عن تشكيل لجنة مشتركة مع المجلس الأعلى للدولة لمراجعة ملفات 11 مرشحا تم تقديمها للنائب العام للتأكد من استيفائهم للشروط القانونية، تمهيدا لعرضهم على النواب للتصويت النهائي المقرر الخميس المقبل.

 وتضم القائمة كلا من سلامة إبراهيم الغويل، وعبدالباسط امحمد محمد، وعبدالحكيم علي عيو، وعثمان آدم البصير، وعلي محمد ساسي، وعثمان عبدالجليل، وفضيل الأمين، ومحمد المزوغي، ومحمد عبداللطيف المنتصر، ونصر محمد ويس، وعصام محمد أبوزريبة.

وأواخر العام الماضي، أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح "قبول ملفين إضافيين مستوفيين لنفس الشروط من المتقدمين للترشح لرئاسة الحكومة التي تسير أمور تشكيلها بخطى ثابتة بالتنسيق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة".

ولم يصدر تعقيب فوري من حكومة الدبيبة في هذا الشأن، لكنها سبق أن قالت إن مجلسي النواب والدولة يريدان خلق فترات انتقالية جديدة للتمديد لأنفسهم، مشددة أنها لن تسلم السلطة الا لحكومة مكلفة من برلمان جديد منتخب.

ويأتي هذا التحرك البرلماني في وقت تشهد فيه العاصمة طرابلس ومدن أخرى احتجاجات شعبية متصاعدة تطالب بإقالة حكومة عبدالحميد الدبيبة، التي شهدت موجهة من الاستقالات شملت وزراء ومسؤولين بارزين، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وتصاعد الاشتباكات بين الميليشيات.

وفي الأثناء، أعلن محمد تكالة، الذي خسر الانتخابات الأخيرة لرئاسة المجلس الأعلى للدولة ولكنه يصر على أنه يمثل المجلس، رفضه لما وصفه بـ"الإجراءات الأحادية" التي يجريها مجلس النواب بالتنسيق رئيس مجلس الأعلى للدولة المنتخب مع خالد المشري لاختيار رئيس للحكومة.

واعتبر في بيان أن "ما يحدث يخالف التفاهمات الدستورية والسياسية بين المجلسين، ويهدد بإعادة البلاد إلى مربع الانقسام والجمود".

وشدد تكالة على أن "تشكيل لجنة فرز مرشحين لرئاسة الحكومة دون توافق شامل يعد تجاوزا خطيرا"، محذرا من أن "الاستمرار في هذا النهج الأحادي سيؤدي إلى تعميق الانقسام السياسي، وتعطيل العملية السياسية".

وأكد أن "الخطوات التي يتخذها جانب واحد من المجلسين مرفوضة شكلا ومضمونا، كونها لا تعبّر عن إرادة وطنية جامعة، بل تمثل مصالح فئة بعينها داخل المؤسسات التشريعية".

وفي المقابل، عبّر خالد المشري عن قلقهِ العميقِ إزاء المسارِ الذي تنتهجه حكومةُ الدبيبة، متهمًا إياها بتأجيجِ الصراعِ عبرَ دعمِ الميليشياتِ، وقمعِ المعارضين، والتسترِ على الفسادِ،

واعتبر المشري تصريحاتِ الدبيبةِ "تجاوزًا خطيرًا" و"تصفيةً خارجَ القانون". وأكد أن إدارةَ الدولةِ لا تخضعُ للأهواءِ الفرديةِ، بل للقانونِ، مشيرًا إلى أن الحكومةَ الحاليةَ تعملُ على إضعافِ مؤسساتِ الدولةِ وتكريسِ منطقِ السلاحِ.

كما اتهمَ المشري الحكومةَ باستخدامِ القوةِ لإسكاتِ المعارضين، وكشفَ عن تعرضِ أعضاءِ المجلسِ الأعلى للدولةِ لضغوطٍ أمنيةٍ. واعتبرَ العمليةَ العسكريةَ الأخيرةَ "صراعَ نفوذٍ" لا يهدفُ إلى بناءِ مؤسساتٍ وطنيةٍ. وانتقدَ اتهامَ المتظاهرين بأنهم "مدفوعون" من أطرافٍ مسلحةٍ، مؤكدًا أن الشعبَ الليبيَ لا يُشترى.

وأعلنَ المشري عن امتلاكهِ أدلةً على فسادِ الحكومةِ، واستعدادهِ لمناظرةٍ علنيةٍ مع الدبيبةِ، مؤكدًا أن الحكومةَ وصلت إلى "نهايتِها السياسيةِ"، وأن البلادَ بحاجةٍ إلى مسارٍ جديدٍ يعيدُ بناءَ الدولةِ على أسسٍ نزيهةٍ.

وتُعد هذه الخطوة مؤشرا على إصرار كل من البرلمان والمجلس الأعلى للدولة على إعادة تشكيل المشهد التنفيذي في البلاد، وسط اتهامات موجهة لحكومة الدبيبة بالعجز عن بسط الأمن في طرابلس، لا سيما بعد تصاعد الاشتباكات مع عدد من الميليشيات ومقتل شخصيات أمنية بارزة، كان آخرها قائد جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي المعروف بـ"غنيوة"، في تطور ميداني أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة كذلك مع قوات الردع بقيادة عبدالرؤوف كارة.
ويأتي هذا الحراك البرلماني في وقت تشهد فيه العاصمة طرابلس ومدن أخرى احتجاجات شعبية تطالب بإقالة حكومة الدبيبة، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية.

ووسط هذه التجاذبات، تتصاعد مخاوف الليبيين من انزلاق البلاد إلى هاوية العنف، خاصة في الغرب، حيث تشهد طرابلس حالة من التوتر الأمني المتزايد بعد مقتل جهاز "دعم الاستقرار" عبدالغني الككلي المعروف بـ"غنيوة" في اندلاع مواجهات بين قوات الجهاز واللواء "444 قتال"، واستمرت حتى الثلاثاء، قبل أن تندلع اشتباكات أخرى، الأربعاء، بين اللواء "444 قتال" و"جهاز الردع" بقيادة عبدالرؤوف كارة على خلفية قرار الدبيبة بحل الجهاز، مخلفة قتلى وخسائر مادية.

وعلى الرغم من التداول بشأن تشكيل حكومة جديدة، يظل التحدي الأكبر ماثلا في قدرة هذه الحكومة الوليدة على اكتساب الشرعية اللازمة، في ظل الغموض الذي يكتنف الموقف الدولي تجاه هذه التحركات.

وتلوح في الأفق نذر صراع جديد يهدد بإعادة ليبيا إلى أتون الفوضى، فإصرار الأطراف المتنازعة على تجاهل مطالب الشعب المنهك من الفترات الانتقالية وسلطة الميليشيات ينذر بتصعيد خطير. ويبقى التساؤل قائما عما إذا كانت لغة العقل ستنتصر أم أن النخب السياسية ستستمر في رهانها الخاسر على لغة السلاح، لتكشف الأيام القادمة عن مسار البلاد نحو الاستقرار أو الانزلاق نحو المزيد من الاضطرابات.