البرلمان الليبي ماض في تشكيل حكومة جديدة باستعراض برامج المرشحين

تقرير بريطاني يؤكد أن ليبيا على شفا الانهيار جراء فساد الدبيبة وفوضى الميليشيات في طرابلس وحكمه بات في الماضي لتصاعد الفوضى وانهيار تحالفاته.
الثلاثاء 2025/05/27
مساع لتشكيل حكومة وسط غضب شعبي

بنغازي – انطلقت اليوم الثلاثاء في مدينة بنغازي (شرق) جلسة لمجلس النواب الليبي، خصصت للاستماع إلى برامج المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، في خطوة تأتي في ظل ضغط شعبي متزايد يطالب برحيل حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ووسط انقسامات عميقة حول مستقبل المشهد السياسي في البلاد.

وانعقدت الجلسة برئاسة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بعد تأجيلها الاثنين بسبب الاحتفالات بالذكرى الحادية عشرة لـ"عملية الكرامة" في بنغازي، والتي شهدت حضور صالح إلى جانب قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس الحكومة المكلفة من البرلمان أسامة حماد.

 وتجاوز عدد النواب الحاضرين 60 نائبا، ما أتاح النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة، بحسب مصادر برلمانية.

وتكتسب هذه الجلسة أهمية بالغة، حيث تُسلط الضوء على توجهات المترشحين وخططهم لتجاوز الأزمات وتحقيق وحدة مؤسسات الدولة، مما يعكس إرادة مجلس النواب في الدفع نحو حكومة فعالة تقود ليبيا نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.

ومن المقرر أن يستمع نواب البرلمان إلى برامج 14 مرشحًا للمنصب وفق ما أفادت نائبة مقرر مجلس النواب صباح جمعة، فيما ذكرت مصادر برلمانية أن اثنين فقط من بين 14 مترشحا قد استكملوا ملفاتهم الترشحية بشكل كامل، إلا أن جميعهم سُمح لهم بتقديم برامجهم أمام النواب رغم نقص الملفات لدى البعض.

واستمع النواب لبرامج سبعة مرشحين بارزين لرئاسة الحكومة، قدم كل منهم رؤيته لمعالجة الأزمة الليبية، فيما يستعرض بقية المرشحين برامجهم غدا الأربعاء.

واستهلت الجلسة بالاستماع إلى برنامج المرشح عبدالكريم مقيق، الذي ركز برنامجه على سبعة محاور أساسية، تبدأ بالديمقراطية باعتبارها "أهم ما يحتاجه الشعب الليبي"، وتشمل المحاور الأخرى الأمن، العدالة، التصالح والتعايش، إنعاش الحالة الاجتماعية، دعم المؤسسات المالية، وحضور ليبيا في المجتمع الدولي. أكد مقيق أن الانتخابات جزء من ملف الديمقراطية وليس المبتغى الوحيد، ووعد بدعم حرية الرأي

ومن جانبه، وضع المرشح فضيل الأمين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة كمهمة أساسية لحكومته، مؤكدا ضرورة توفير كل الظروف الأمنية والقانونية والمجتمعية لإنجاحها.

ويقوم برنامجه على ثلاثة محاور "سياسية، أمنية، ودستورية"، ويسعى لتوحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية، وحل "المجموعات المسلحة غير المنضبطة"، وتشكيل لجنة قانونية لصياغة قاعدة دستورية للانتخابات.

أما المرشح عبدالحكيم بعيو شدد على أن هدفه الوحيد هو إجراء الانتخابات، مؤكدًا أنه لن يركز على الالتزامات المالية أو مشروعات التنمية، وتعهد بتشكيل "حكومة تكنوقراط" تحت اسم "الحكومة الليبية للانتخابات" بمدة 12 شهرًا قابلة للزيادة، مع نظام مالي موحد يضمن استفادة الشعب من الإيرادات وتقسيم ليبيا إلى محافظات بميزانيات مستقلة.

وأعلن المرشح عثمان البصير أن حكومته ستكون "حكومة إصلاح وليس بناء"، لأن المؤسسات الحالية "بها تضارب وتحتاج إلى علاج". وتعهد بـ"تحقيق التوافق السياسي" والتعاون مع الأطراف المعنية لإنقاذ البلاد، مؤكدًا أن "مهمته هي إنجاز الاستحقاق الانتخابي" باعتبارها قضية أمن قومي لإنهاء الفوضى.

وتعهد المرشح محمد المزوغي بأن تركز حكومته على تنظيم العمل اليومي بميزانية محدودة، دون الانخراط في مشروعات التنمية أو الاتفاقيات الدولية طويلة الأمد. وأكد أنه سيعمل على "خارطة طريق واضحة ومحددة زمنية" لإجراء الانتخابات، وحلحلة "المختنقات" المعيشية للمواطن، وتعزيز "الاصطفاف الوطني" و"الشراكة العادلة" في توزيع المناصب.

أكد المرشح محمد المنتصر التزامه بـإطلاق مسار وطني شامل للحوار والمصالحة، يستند إلى مبادئ العدالة الانتقالية وجبر الضرر. وشدد المنتصر على ضرورة بناء الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة لضمان استقرارها، وعلى إعادة ترميم النسيج الاجتماعي وتعزيز الإنصاف لمنح الليبيين "شعورًا حقيقيًا بالانتماء والمشاركة". كما تعهد بتسليم السلطة بانتهاء عمل الحكومة، مؤكدًا أن تجاوز التحديات الحالية يتطلب مشروعًا وطنيًا جامعًا يقود إلى انتخابات حرة ونزيهة ودولة موحدة وديمقراطية.

وأعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تعليق جلسة الاستماع للمرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة إلى يوم غد الأربعاء، ليواصل باقي المرشحين عرض برامجهم قبل التصويت على اختيار واحد منهم رئيسًا للحكومة الجديدة.

تأتي هذه الجلسة في وقت حساس تمرّ به البلاد، حيث تتسع دائرة الغضب الشعبي ضد حكومة الدبيبة، وتظهر دعوات متزايدة تطالب برحيلها واستقالة وزرائها، خاصة عقب الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس. هذا السخط الشعبي هو الدافع الرئيسي وراء تحرّك البرلمان لتشكيل حكومة جديدة، سعيًا لتجاوز الانقسامات وتعزيز الاستقرار.

لكن هذه التحرّكات البرلمانية لا تلقى قبولا شاملا، حيث أعلن 26 نائبا في بيان صريح رفضهم تشكيل حكومة جديدة دون توافق سياسي شامل، معتبرين أن ذلك سيكون تكرارا لتجربة سابقة أثبتت فشلها، وأن "الانفراد بإجراءات تشكيل سلطة تنفيذية جديدة لن ينتج إلا المزيد من الانقسام".

ومن جانبه، تجاهل الدبيبة هذه التحركات، ولم يعلّق حتى الآن على المظاهرات الشعبية المطالبة برحيل حكومته، بينما لم تعلن البعثة الأممية والمجتمع الدولي عن أي مواقف تتبنى خطة البرلمان لتشكيل حكومة جديدة موّحدة، مما يزيد من تعقيد المشهد.

وانتقد عادل كرموس، عضو مجلس الدولة الاستشاري وعضو المؤتمر الوطني العام منذ عام 2012 والموالي لتركيا، ما وصفه بـ"إرادة الدول المتدخلة في الشأن الليبي" التي تتجلى في سلوك البعثة الأممية على الأرض.

وأشار كرموس إلى أن البعثة لم تتخذ أي خطوات جادة نحو تغيير الحكومة، رغم وجود توافقات واضحة بين مجلسي النواب والدولة، مضيفا في تصريح صحافي أن البعثة "دأبت على توسيع دائرة الحوار وتمطيط الوقت لصالح حكومة الدبيبة، التي لم تعد مقبولة شعبيًا بعد انتهاء ولايتها وسحب الثقة منها من البرلمان".

وأكد كرموس أن استقالة عدد من وزراء حكومة الدبيبة "تفقدها معناها كجسم حكومي فاعل"، معتبرا أن ذلك عنصر داعم لتغييرها، إلا أن البعثة الأممية "تتجاهل هذا الواقع"، على حد تعبيره.

وفي سياق حديثه عن حكومة أسامة حماد، أوضح كرموس أنه في حال تم الاتفاق بين النواب والدولة على تشكيل حكومة جديدة تحظى بالدعم الدولي، فإن حكومة حماد ستُعتبر غير قائمة، مثلما حدث في السابق عند تشكيل حكومة فايز السراج التي نالت الاعتراف الدولي.

ويبدو من غير المرجح أن تُفرز جلسات مجلس النواب في بنغازي حكومة تحظى بقبول وطني ودولي واسع، وهو أمر حاسم لإخراج ليبيا من أزمتها، فالانقسامات الداخلية داخل البرلمان نفسه، وغياب دعم البعثة الأممية والمجتمع الدولي، كلها عوامل تُقوّض أي شرعية للحكومة الجديدة. وهذا السيناريو قد لا يُسهم في حل الأزمة، بل قد يُعمّق الانقسام القائم في المشهد السياسي الليبي.

في تقرير حاد، حذّرت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية من انهيار وشيك في ليبيا، متهمة الدبيبة وعائلته بنهب أموال الدولة وتغذية الانقسامات، رغم امتلاك البلاد موارد طبيعية ضخمة.

وسلط التقرير الضوء على المشهد الذي وصفه بـ"الكارثي" خلال انعقاد معرض "ليبيا بيلد" للبناء في طرابلس في 12 مايو، حيث قطعت القذائف والانفجارات الحدث، في أسوأ موجة عنف تشهدها العاصمة منذ خمس سنوات.

وأشار التقرير إلى أن طرابلس تحولت إلى ساحة مواجهة مفتوحة، انتشرت فيها الأسلحة الثقيلة، وأُغلقت المدارس والمصارف والأسواق، وتعرّض مصرف ليبيا المركزي للاقتحام. كما أُجلي رعايا أتراك جوًا، وغادرت السفن الميناء بسرعة، وشهدت المدينة حادثة نادرة تمثّلت في سرقة غزلان من حديقة الحيوان، في مؤشر على الفوضى المتصاعدة.

ورأت "إيكونوميست" أن سلطات الدبيبة، التي لا تستند إلى قاعدة أمنية أو عسكرية واضحة، باتت تعتمد على تحالف هشّ من الميليشيات التي بدأت بالتمرد مع تراجع التمويل نتيجة انخفاض أسعار النفط. ولفت التقرير إلى أن بعض هذه الجماعات اتجهت إلى ابتزاز الشركات ورجال الأعمال بحثًا عن مصادر دخل بديلة بعد أن نضبت خزائن الدولة.

وكشف التقرير عن تطورات مثيرة، أبرزها مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، خلال اجتماع عاجل مع الدبيبة، ما فجّر مواجهة مباشرة مع "ميليشيا الردع الخاصة"، التي نجحت في السيطرة على نصف العاصمة.

ورغم الدعم الدولي الاسمي لحكومة الدبيبة، اعتبرت "إيكونوميست" أن الدبيبة كان دائما الحلقة الأضعف في مواجهة القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر على 80 بالمئة من الأراضي الليبية ويحظى بدعم إقليمي ومؤسسات أكثر رسوخًا.

كما أبرز التقرير حالة السخط الشعبي في طرابلس تجاه الدبيبة، الذي لم يحقق وعوده بتنظيم الانتخابات وتحويل العاصمة إلى "دبي على المتوسط". وفي 14 مايو، خرج آلاف الليبيين في مظاهرات حاشدة للمطالبة بإسقاط النظام وتوحيد مؤسسات الدولة.

وأشار التقرير إلى أن الدبيبة، الذي أرسل أسرته إلى لندن، لا يزال متمسكا بمنصبه، محاولا استعراض القوة عبر استدعاء مجموعات مسلحة من مدينة مصراتة أطلقت النار على المتظاهرين.

وأُعيد فتح مطار طرابلس الدولي، المغلق منذ سنوات، في خطوة اعتبرها البعض محاولة رمزية لإثبات السيطرة، أو لتأمين مخرج محتمل في حال تدهورت الأوضاع أكثر.

واختتمت "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن معظم الليبيين، ومعهم العديد من الدبلوماسيين الأجانب، باتوا يتحدثون عن حكم الدبيبة بصيغة الماضي، في ظل انهيار تحالفاته، وتصاعد الفوضى داخل طرابلس، وتزايد مؤشرات نهاية مرحلته السياسية.