البرلمان الكويتي يستخدم مناورة مختلفة باستهداف المؤسسات الأصغر من الحكومة

الكويت- أظهرت المواجهة بين بعض النواب المحسوبين على المعارضة في الكويت وبين رئيس ديوان المحاسبة فيصل الشايع توجها نحو استخدام إستراتيجية جديدة تستهدف قيادات الصف الثاني والمؤسسات الأصغر من الحكومة، بدلا من مواجهة رئيس الحكومة ووزرائه.
ويسعى البرلمان من خلف هذا التوجه لتجنّب تكرار سيناريو التصادم مع الحكومة الذي يفضي في كل مرة إلى حل البرلمان، وهو أمر توافق النواب على الامتناع عن الدفع إليه، وانتخبوا أحمد السعدون رئيسا للبرلمان بالتزكية على أساسه.
وانتهت المواجهة بدفع الشايع إلى الاستقالة. إلا أن تداعياتها مازالت مستمرة، لاسيما من جهة أن الدوافع إليها لا تتعدى نوعا من تصيد الأخطاء لإثبات الحضور السياسي، وليس لتحقيق غايات إصلاحية.
وكانت رسالة الاستقالة التي تقدم بها الشايع قد أشارت بالتفصيل إلى أن ملاحقته من جانب بعض النواب كانت تعبيرا عن محاولات للمساس باستقلالية الديوان والتدخل في شؤونه.
وقال في كتاب الاستقالة إن “بنيان ديوان المحاسبة الذراع الرقابي الدستوري لمجلس الأمة (البرلمان) الموقر، بات مهددا بالتحطيم والتخريب، تحت سندان السياسة المتطرفة ومطرقة المنفعة الخاصة”.
وأشار الشايع إلى أن الديوان طالته تجاوزات من قبل بعض لجان البرلمان إلى حد التدخل في اختصاصاته، معتبرا أن الأمر تحول إلى “خلاف سياسي”.
وعلى الرغم من أن استقالة الشايع لقيت ترحيبا من بعض النواب إلا أنها أثارت في الوقت نفسه خوف نواب آخرين من إمكانية أن تدخل أعمال البرلمان مجدّدا دائرة المنازعات السياسية؛ فهي تخلّص الحكومة من الصداع ولكنْ تسبب لمؤسساتها صداعا أشدّ.
وقال النائب سعود العصفور إن الاستقالة “مستحقة وسبقت تقديم الطلب النيابي بعزله من منصبه”، ونفى أن يكون الخلاف مع رئيس الديوان سياسيا، قائلا إنه “كان ولا يزال في طريقة إدارة الديوان وتقصيره كرئيس في هذا الدور الرقابي”. وقال النائب عبدالله فهاد إن الاستقالة تمثل “نهاية فترة التقاعس والظلام التي شهدها الديوان، وما طرحه من أسباب استقالته واهي الحجة”. ولكنّ نوابا آخرين طالبوا زملاءهم بالكشف عن “التقصير” وطبيعة “فترة التقاعس والظلام” إذا لم يكن الاستهداف سياسيا.
• نواب المعارضة يختارون "الضرب من أسفل" بدلا من مساءلة الحكومة ورئيسها لتحاشي العودة إلى دورة حل البرلمان
وكان الشايع أكد في كتاب استقالته أنه أجاب على كل الأسئلة وكشف بالمستندات عن المعلومات المغلوطة التي روج لها بعض النواب، قائلا “كنت متحفظا بشأن الرد على بعض الأسئلة حفاظا على استقلالية الديوان وخصوصيته، ولكن بعد تداول تلك المغالطات بصورة أو بأخرى وتعاونا مع مجلس الأمة قمت بالرد على تلك المغالطات من خلال الإجابة على تلك الأسئلة المشروعة وغير المشروعة وذلك حتى تتضح الصورة للإخوة النواب لمعرفة الحقيقة بالمستندات”.
وكان النائب حمد المدلج هدد قبل تقديم الشايع استقالته بالقول إن “إعادة ضبط وتقييم وتشكيل قيادات الدولة هي أهم عامل لتحقيق أي إنجاز بما يخدم الدولة واستقرارها. وبما أن ديوان المحاسبة هو الذراع الرقابي الأهم لمجلس الأمة وما شابه من تجاوزات وتستر على مخالفات، سيكون موقفنا الحاسم من خلال كتاب عزل رئيس الديوان في الجلسة القادمة”.
ويكشف هذا الموقف عن أن “إعادة ضبط قيادات الدولة” هي الهدف الجديد لمعارضي البرلمان. وزاد النائب الدكتور عادل الدمخي على ذلك بتوجيه “سؤال مشترك” إلى جميع الوزراء عن عدد القياديين الذين انتهت مراسيم تعيينهم في جميع الجهات التابعة لهم ومازالوا على رأس عملهم. وطلب الدمخي تزويده في الإجابة بأسماء القياديين وتاريخ مراسيم تعيينهم وانتهائها بالإضافة إلى تاريخ التجديد لهم.
ويقول مراقبون إن نواب المعارضة يختارون “الضرب من أسفل” بدلا من مساءلة الحكومة ورئيسها لتحاشي العودة إلى دورة حل البرلمان. ولكن “تصيد” شخصية ظلت بعيدة عن شبهات الفساد يوحي بأن الهدف لا يتعلق بالشايع نفسه، وإنما بإدارته لديوان المحاسبة التي حرصت على منع التدخلات السياسية في أعمال المؤسسة. وهذا هو سبب الاعتقاد في أن فترة تولي الشايع لرئاسة الديوان كانت “فترة ظلام”.
وديوان المحاسبة مؤسسة مستقلة بحسب الدستور، وتم إنشاؤه بقانون رقم 30 الذي صدر عام 1964.
وإحدى القضايا التي أثيرت قبل نشوب المواجهة هي أن الديوان أجرى اختبارات لشغل وظيفة “باحث قانوني” في الديوان، ولكن اتضح أن الاختبارات تضمنت أسئلة “بعيدة عما تم تدريسه في جامعات الكويت والدول الأخرى، فضلاً عن بعض المصطلحات الخارجة عن قاموس ما تم تعلمه”، ما أدى إلى رسوب عدد من المتقدمين. إلا أن الشايع سرعان ما دعا إلى إجراء تحقيق في هذه المسألة ومعالجتها، ولفت إلى “أن الديوان ليس له علاقة بالأسئلة ونتيجة الاختبار، إذ تم التعاقد مع إحدى الجامعات للقيام بهذا الدور”. غير أن الحملة ضد الشايع سبقت نتائج التقرير المتعلق بهذه المسألة.
والشايع نائب سابق في مجلس الأمة الكويتي، من مواليد عام 1952 وحصل على شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال، وتولى العديد من المناصب، منها منصب المدير العام لشركة وفرة العقارية، وعضو في جمعية حقوق الإنسان وجمعية حماية المال العام، وشارك عدّة مرات في انتخابات مجلس الأمة الكويتي، وتراوحت المشاركات بين الكسب والخسارة، ومنها انتخابات عام 1996 التي خسرها، ومن ثم شارك في انتخابات عام 1999 وفاز بها، وخسر انتخابات 2003، ثم عاد وفاز خلال انتخابات عام 2006، ثم خسر الانتخابات التي جرت عام 2008. وتم تعيين الشايع في منصب رئيس ديوان المحاسبة في 4 نوفمبر عام 2019، بعد أن رشحه مجلس الأمة الذي انتخب في أكتوبر من ذلك العام، وفاز بمنصبه بأغلبية الحضور.
