البرلمان الفرنسي يتحرك لطي صفحة الجماجم الجزائرية

الجزائر - يتجه البرلمان الفرنسي إلى إيجاد صيغة نهائية لاحتواء قضية الجماجم الجزائرية في فرنسا، بعد تجدد الجدل لدى الدوائر الفرنسية حول المعلومات التي تداولتها وسائل إعلام أميركية وفرنسية بشأن هوية البعض من الجماجم التي استلمتها الجزائر في يوليو 2020.
وتقدم أكثر من 80 نائبا في البرلمان الفرنسي بمشروع قانون إلى الحكومة، تتم بموجبه تسوية ملف الجماجم الجزائرية المحتفظ بها منذ القرن التاسع عشر في متحف الإنسان بباريس، وهي خطوة تستهدف قطع الطريق على محاولات استغلال بعض الدوائر في البلدين للقضية للتشويش على التقارب المسجل بين قصري الإليزيه والمرادية.
ويتضمن المشروع ثلاثة محاور تمنح الحكومة الفرنسية حق عدم التقيد بمبدأ عدم التنازل عن المحفوظات العمومية الفرنسية بموجب قانون التراث، وهو ما يتيح للجزائر استعادة الـ13 جمجمة التي لا زالت في متحف الإنسان، وسيكون أمام الحكومة مهلة شهر لتسليم الجماجم المذكورة للجزائر بداية من دخول القانون حيز التنفيذ، كما اعتبر أن الجماجم الـ24 التي سلمت للجزائر تصبح ملكية لها.
ووفق نص مشروع القانون فإن “استمرار وجود الجماجم والرفات في المتاحف الفرنسية، هو همجية وتدنيس لجثث بشرية، بات من الواجب إعادتها إلى أوطانها لتحظى بدفن يليق بالكرامة الإنسانية”، وهو ما يعتبر خطوة لافتة في خطاب النخب الفرنسية تجاه المحفوظات التي جلبت من المستعمرات القديمة.
ولا يعرف ما إذا كان الاقتراح البرلماني يتصل بعمل اللجنة المشتركة المختصة في التاريخ والذاكرة المشتركة، التي أعلن عنها خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في أغسطس الماضي، أم هو مبادرة مستقلة تتماهى مع مساعي باريس لتجسيد ما سمي بـ”اتفاق الشراكة المتجددة” بين البلدين والمعلن عنه أيضا خلال الزيارة المذكورة.
وأثارت قضية الجماجم لغطا كبيرا، بعد التقارير التي أوردتها وسائل إعلام أميركية وفرنسية خلال الأسابيع الأخيرة، حول هوية الجماجم التي استلمتها الجزائر، ونظمت لها مراسم وتشريفات رسمية من طرف رئاسة الجمهورية وقيادة المؤسسة العسكرية.
وذكرت حينها صحيفة “نيويورك تايمز”، أن “الجماجم والرفات التي استلمتها الجزائر بمناسبة الاحتفالية الرسمية بالذكرى الـ58 لعيد الاستقلال الوطني في يوليو 2020، لا تتضمن إلا ست فقط لقادة المقاومة الشعبية، أما البقية فهي لأفراد محكوم عليهم في إطار القانون العام وهم من فئة اللصوص وقطاع الطرق وجنود متعاونين مع الجيش الفرنسي”.
ولفتت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، إلى أن “الجماجم والرفات سلمت للجزائر للاحتفاظ بها لمدة محدودة لا تتعدى مهلة الخمس سنوات لأنها ملكية فرنسية، وأن هويتها حددت بالتوافق بين الطرفين”.
ونفى وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) العيد ربيقة، في تصريح نادر وجود تلاعب مشددا على أن “هوية الجماجم والرفات حددت من طرف مختصين لدى البلدين، وفق المعايير العلمية، وأن ما أثير في وسائل الإعلام هو محاولة للتشويش على علاقات الطرفين”.
وما عدا ذلك لا زالت الجزائر تلتزم الصمت تجاه القضية، رغم طابعها الحساس لدى الرأي العام، وما يتردد حول وجود تلاعب فرنسي بالقضية، حيث لم يصدر أي تعليق أو موقف صريح من السلطة الجزائرية، لكن ذلك لا يبعد فرضية الاحتجاج الصامت لدى السلطات الفرنسية، وهو ما يكون قد حرك نواب البرلمان الفرنسي لاقتراح مشروع قانون ينهي المسألة إلى الأبد.
أكثر من 80 نائبا في البرلمان الفرنسي يتقدمون بمشروع قانون إلى الحكومة، تتم بموجبه تسوية ملف الجماجم الجزائرية
وكانت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبدالمالك قد قدمت توضيحات جديدة حول الملف أمام أعضاء البرلمان الفرنسي، تلبية لسؤال شفهي طرحته النائبة كاترين مورين من اتحاد الوسطيين.
وقالت عبدالمالك إن”لجنة مختصة مشتركة بين البلدين بدأت بالاشتغال على الملف منذ العام 2017، وقد تم الاتفاق في آخر المطاف، على أن 24 جمجمة من ضمن الـ45 جمجمة ورفات كانت معنية بالبحث والمعاينة، قد تم الاتفاق على أنه يرجح أن تكون لأصول جزائرية، وقد تم ترحيلها إلى الجزائر للبقاء هناك مدة خمس سنوات، لأنها تعتبر ملكا فرنسيا”.
وأوحى جواب الوزيرة الفرنسية ذات الأصول اللبنانية بوجود لبس في تحديد هوية الجماجم المستلمة من طرف الجزائر في العام 2020، مما يستوجب تسليط المزيد من الأضواء عليها، خاصة وأن التفاصيل الأخيرة خلفت حالة من الاستياء لدى الجزائريين.
وكان الباحث الجزائري علي فريد بلقاضي، المهتم بقضايا الجماجم والرفات الجزائرية المتواجدة في متحف الإنسان بباريس والمقدرة بنحو 500 جمجمة ورفات بحسب مصادر مهتمة، قد كشف في تغريدة له على حسابه على تويتر أن “الجزائر رفضت استلام جمجمتين أخريين من المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي”.
وأضاف “الجزائريون غاضبون جدا كون زملائهم الفرنسيين تلاعبوا بهم، وساعدهم في ذلك بعض الخبراء الفاسدين الذين لا يعرفون إلا القليل من القواعد المعمول بها في مهنتهم”، وهو تلميح مبطن للفريق الجزائري الذي أشرف على العملية.